من هي الأقوام التي كانت تعيش على الأرض من قبلنا؟ هذا السؤال يشغل أذهان العديد من الناس، ولقد ورد في كتاب الله -سبحانه وتعالى- قصص تخص قوم ثمود الذين كانوا يعيشون على الأرض قديماً، وهذا ما جعل هناك رغبةً من مجموعة كبيرة من المسلمين في التعرف أكثر على تلك القوم، وأول سؤال يرد في الأذهان هو أين كانوا يعيشون؟ وكيف كانوا يعيشون؟
والإجابة هي أنه لا يوجد أي دليل قوي حول مسكن قوم ثمود الأصلي منذ بدايتهم، ولكن العديد من الشيوخ والفقهاء رجحوا أن الموقع السكني الأول لقوم ثمود قد يكون في مكان واحد منمن موقعين، وهذان الموقعان يُقال من قبل عدد كبير من العلماء والفقهاء أن أحدهما هو السكن الأصلي والأول لقوم ثمود وهي:
الموقع الأول يُسمى الحجر
ويُقال في عدد كبير من المصادر التاريخية أن قوم ثمود الذين يعتبرون إحدى أهم القبائل الكبيرة كانوا يسكنون في الحجر، وورد أيضا في تلك المصادر أن سبب تسمية قوم ثمود بهذا الاسم يعود إلى الجد الأكبر لهم الذي كان يحمل نفس الاسم.
ما أنه كان هناك أحد جدودهم هو ابن عابر بن إرم، كما أن كان لهم جد آخر وهو ابن سام بن سيدنا نوح عليه السلام.
والجدير بالذكر أن الحجر ليس المقصود به الصخر لا، بل هو مكان صغير أو بقعة صغيرة تقع بين الحجاز وبين تبوك، ولقد مر رسول الله سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام على تلك المكان في طريقه وهو ذاهب بصحبة بعض المسلمين إلى تبوك.
الموقع الثاني هو حضرموت في اليمن
هناك بعد الأقاويل التي رجحت أن قوم ثمود كانوا يقيمون في اليمن وتحديداً في حضرموت، بجانب أنه يُقال أن الله -سبحانه وتعالى- نجى النبي صالح -عليه السلام- من الأشخاص الذين كانوا يريدون قتله في حضرموت.
وتكاثرت الأقاويل أيضا، ولكن هذه المرة شملت تلك الأقاويل أن حضر موت هو المكان الذي توفي فيه سيدنا صالح عليه السلام، وأن تسمية حضر موت بهذا الاسم ترجع لتلك السبب.
كما أنه جاء في بعض الكتب التاريخية أن الأشخاص الذين آمنوا مع النبي صالح -عليه السلام- من قوم ثمود قد قاموا بالهجرة معه إلى منطقة تُسمى معان، وهذه المنطقة تقع في الجزء الشمالي للمملكة العربية السعودية والجزء الجنوبي لدولة الأردن.
ولهذا السبب هناك العديد من العلماء من هم يظنون أن قوم ثمود منذ بدايةً خلقهم وهوي يعيشون في الجهة الشمالية لشبه الجزيرة العربية مبررين ذلك بأن حتى الآن لا تزال آثار مساكنهم موجودة، كما أن عدداً كبيراً من أهل وسكان مكة المكرمة يمرون عليها عندما يتوجهون إلى بلاد الشام من أجل التجارة.
ولكن أكد بعض العلماء أن قوم ثمود بالفعل سكنوا في شبه الجزيرة العربية، ولكن من بعد هجرتهم مع نبي الله صالح عليه السلام.
من هم قوم ثمود
أرسل الله -سبحانه وتعالى- نبيه صالح -عليه السلام- إلى قوم ثمود، لهذا السبب دائما ما يقال عن قوم ثمود أنهم قوم سيدنا صالح عليه السلام، ومثلما ذكرنا في الفقرات السابقة أن مكان سكنهم غير محدد، ولكن من الأرجح أنهم سكنوا في الحجر وتحديداً المنطقة الواقعة بين بلاد الشام وبلاد الحجاز، ولكن قال ابن إسحاق أن المنطقة التي سكنها قوم ثمود هي وادي القرى.
على الرغم من أن الله -سبحانه وتعالى- لم يرسل لقوم ثمود إلا نبي واحد وهو سيدنا صالح -عليه السلام- ولكنه قال في إحدى الآيات البينات في سورة الحجر المرسلين، وهذا ما فسره العديد من الفقهاء والشيوخ بأن هذا يدل على أن الله -سبحانه وتعالى- يعني أن الذين يقومون بتكذيب سيدنا نوح -عليه السلام- من المؤكد أنهم سوف يكذبون غيره من الأنبياء، لهذا ذكر الله -سبحانه وتعالى- في قوله تعالى: “وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ” (الحجر: 80).
قوم ثمود يعتبرون خلفاء قوم عاد، فقد كان مجيئهم بعد قوم عاد، وبعث الله -سبحانه وتعالى- واحداً منهم حتى يدعوهم إلى عبادة الله -تبارك وتعالى- وعدم الشرك به، ومن هنا بعث الله -سبحانه وتعالى- نبيه صالح -عليه السلام- وبدأ في دعاء قومه إلى الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- وبالفعل لاقت دعوته الإيمان من بعض قوم ثمود ولكن هناك فئة أخرى من القوم كذبوه، ولم يكتفوا بتكذيبه فقط بل إنهم قتلوه وقاموا بقتل ناقة الله سبحانه وتعالى.
قصة قوم ثمود مع الناقة
منذ بداية دعوة سيدنا صالح إلى قومه قوم ثمود بأن يعبدوا الله -سبحانه وتعالى- ولا يشركون به، بدئت الفئة الكافرة من قوم ثمود بأن يستهزئوا به وبدعوته، وأصبحوا يقولون له ما الذي يجعلنا نعبد بشر مثلنا، وحاول سيدنا صالح أن يقول لهم بأن يدعوهم أن يعبدوا الله -سبحانه وتعالى- لا ليعبدوه هو، ولكنه استمروا في تكذيبهم له، حتى إنهم طلبوا منه معجزة حتى يصدقوه.
وتلك المعجزة تتمثل في أنه يقوم بإخراج ناقة من الصخرة الصماء، وقاموا بتحديد الصخرة التي يريدون أن تخرج الناقة من خلالها، وقاموا بوصف الناقة، وبالفعل قام النبي صالح -عليه السلام- بالدعاء إلى الله -عز وجل- أن يخرج من الصخرة ناقة عسى أن يقوم القوم بتصديقه، واستجاب الله -تبارك وتعالى- لدعوة نبيه صالح.
ثم تمخضت الصخرة فجأةً وكأنها تلد وخرجت الناقة، وهذه الناقة تعتبر هي المعجزة التي أرسلها الله -سبحانه وتعالى- إلى قوم ثمود كاختبار لهم، وقد أمرهم الله تعالى بأن يقوموا بتخصيص يوم كامل من أجل أن تشرب الناقة ويوماً آخر لهم ولماشيتهم، وهذا ورد في قول الله تعالى: “قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ” (الشعراء:155)
وأكد سيدنا صالح لقومه بأنهم يجب أن لا يقوموا بمس تلك الناقة بأي أذى نهائياً، وأن يحافظوا عليها، قال الله تعالى: “إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً ۖ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” ( الأعراف: 73)
ولكن قوم ثمود عصوا أمر نبي الله، واستكبروا وقرروا أن يقوموا بقتل الناقة وبالفعل نفذوا خططتهم، وتوعد سيدنا صالح -عليه السلام- لهم بنزول عذاب شديد من الله -تبارك وتعالى- عليهم بعد ثلاثة أيام.
عاقبة ثمود قوم سيدنا صالح عليه السلام
لم يصدقوا قوم ثمود قول سيدنا صالح بأن الله -سبحانه وتعالى- سوف ينزل عليهم عذاب بعد ثلاثة أيام، قال الله تعالى: “فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ۖ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ” (هود:65)
فما كان من قوم ثمود، إلا أنهم سخروا من نبي الله صالح واستهزأوا بتحذيره لهم ففي اليوم الأول اصفرت وجوههم وفي اليوم الثاني احمرت وجوههم، ولكن في اليوم الثالث اسودت وجوههم.
حيث أرسل الله -عز وجل- لقوم ثمود صيحة شديدة قامت بتدميرهم جميعاً، وهذا بسبب كفرهم وعنادهم وتكذيبهم لنبي الله صالح عليه السلام، إلى جانب قيامهم بقتل الناقة، وذلك ما جعل الله -تبارك وتعالى- يرسل إليهم تلك الصعقة الشديدة التي جعلت أجسادهم عبارة عن مجموعة أجساد ميتة خالية من الروح ملقاة على الأرض.
لم ينج من تلك الصيحة الشديدة المدمرة التي أرسلها الله -عز وجل- إلى قوم ثمود سوى نبي الله صالح -عليه السلام- والمجموعة التي أمنت معه بالله سبحانه وتعالى.