ابحث عن أي موضوع يهمك
قصص عن التوكل على الله نعرضها في مخزن فقد كان التوكل على الله خلق الصالحين والأنبياء، وهو البرهان الأكيد والصادق على الإيمان القوي بالله تعالى، وفيما يلي ذكر بعض قصص الأنبياء والصحابة الأجلاء في التوكل على الله تعالى.
لا شك أن الأنبياء جميعهم عليهم السلام والصحابة الأجلاء رضي الله عنهم وأرضاهم أفضل من يضرب بهم المثل ويحتذى بهم في التوكل على الله تعالى في جميع الشؤون والأحوال، وفيما يلي بعض من القصص والمواقف من سيرهم العطرة الدالة على ذلك:
عاش النبي محمد صلى الله عليه وسلم كل حياته متوكلاً على الله سبحانه وتعالى، ومن بين ذلك: عندما توجّه لغزوة حمراء الأسد عقب يوم أحد، فبلغه الخبر أن كل من أبا سفيان وجميع مَن معه من بين جحافل المشركين جمعوا للرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة للقضاء عليهم، وعندها قالوا “حسبنا الله ونعم الوكيل”، فمنّ عليهم الله تعالى بالخير والثبات بعد توكلهم عليه، وبثّ بقلوب المشركين الرعب، وفي ذلك قال تعالى في سورة آل عمران الآية 173 (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
شاهد أيضًا: قصص الصحابة في رمضان
توكّل النبي إبراهيم عليه السلام على الله سبحانه حق توكله، حيث قال تعالى في سورة الشعراء الآيات 77: 82 (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)، حيث اعتمد على الله جل وعلا بالإيمان والهداية وبشرابه وطعامه ومرضه، وبكل حياته ومماته وفي حسابه يوم القيامة.
ويضرب مثلاً لنا أعظم من هذا عندما أرادوا كيداً به وألقوه بالنار، فعندها توكّل حقّ التوكل على الله تعالى، وقد ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أنه قال (حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ، قالَهَا إبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ)، حيث انقلب السّحر على الساحر ونيرانهم تحوّلت على إبراهيم إلى بردٍ وسلامٍ، إذ قلب الله جل وعلا الحسابات والموازين الدنيوية حينما توكل عليه إبراهيم عليه السلام ولجأ له.
أقرأ أيضًا: من عجائب قصص القرآن
ضرب نبينا موسى أحد أروع الأمثلة بصدق التوكل على الله سبحانه، فعندنا فرَّ من بني إسرائيل هو ومَن آمن معه، ولحق بهم فرعون وجنوده عدواً وبغياً، ووصل لطريق مسدود؛ لم يجد سوى بحر هائج الأمواج أمامه، ولا يمكن النجاة بخوض ذلك البحر دون المقومات المادية التي تساعده أن يخوض غماره؛ مثل السفينة وما إلى نحو ذلك من الأسباب المادية.
ووصل ذلك الخوف لذروته بقلوب من معه، وتسلّلت إلى صدورهم الخيبة، فقالوا لموسى عليه السلام بلغة المستسلم (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)، فرد العبد المتوكل على الله حق التوكل عليهم بلغة المستيقن الواثق بنصر وفرج الله وفرجه “كلا”، بصورة من أسمى صور التوكل على الله تعالى.
وكلّ هذا مستنبط من قول الله تعالى بوصف ذلك المشهد العظيم في سورة الشعراء الآية 60: 63 (فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ، فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)، فهيّأ لهم الله أسباب النجاة لصدق التوكل عليه.
شاهد أيضًا: من القيم المهمة التي نستفيدها من قصص الأنبياء عليهم السلام
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه يتوكل على الله حق التوكل، حيث ينفذ جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه، لكي يمضي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بمرض موته بإنفاذ وإمضاء جيش أسامة للروم؛ وحين توفي الرسول صلى الله عليه وسلم أبطأ الجيش بالخروج؛ نتيجة حزنهم الشديد على مرض الرسول صلى الله عليه وسلم وسماعهم خبر وفاته.
وحين توفي الرسول صلى الله عليه وسلم حدثت فتنة عظيمة؛ فقد ارتدت قبائل عربية كثيرة عن الإسلام، إلى أن داهم الخطر المدينة المنورة، لذلك خاف الصحابة الأجلاء على مدينة النبي صلى الله عليه وسلم أشد الخوف، ووجهوا النصح لأبا بكر بألا يرسل جيش أسامة للشام من أجل ملاقاة الروم؛ لتعزيز موقف المدينة.
ولكن خالف موقف أبو بكر الصحابة؛ حيث عزم النية أن ينفذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ويتوكل على الله حق توكله، إذ أنه أمضى الجيش تنفيذًا لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم، فأتت البشائر فيما بعد.
إذ كتب الله لهذا الجيش النصر، وبُثَّ الرعب بقلوب جميع القبائل العربية في شمال المدينة؛ إذ قالوا في ذلك: “لو لم يكن بالمدينة قوة عظيمة لما خرج هذا الجيش منها وأخلوا المدينة” ، فكان حرص أبي بكر على تنفيذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتوكله على الله خيراً لجميع أمة الإسلام.
حيث وافق الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه والذي كان واليه على الشام؛ بركوب البحر حتى يفتح قبرص، وكان معاوية رضي الله عنه قد طلب ذلك من عمر بن الخطاب رضي الله عنه مراراً وتكراراً، ولكنّ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رفض ذلك الأمر لمدى خوفه وحرصه على أرواح المسلمين؛ حيث لم يكن لهم أي خبرة بركوب البحر، ولم يكن لديهم سابق تجربة في ذلك؛ فيطل الأمر بنفس معاوية رضي الله عنه.
فطلب ثانيةً أن يركب البحر ويتوجه لفتح قبرص بزمن خلافة الصحابي عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد استشار عثمان بشأن الأمر فوجده حسناً؛ فتوكل على الله حق توكله وأخذ بالأسباب، وأمر أن يتم إنشاء الأسطول البحري الأول للمسلمين لكي يغزو قبرص، واستعان في ذلك بأهل الخبرة والعلم من أهل مصر في بناء ذلك الأسطول، وجعل ذلك الأمر بالتخيير من رغب في ركوب البحر ركبه، أما من لم يرغي فله ذلك، وقد استجاب له معاوية رضي الله عنه وقام بإنشاء ذلك الأسطول؛ وتم الفتح بأمر الله وجمع المسلمين الكثير من الغنائم.
كان التوكل على الله نهج جميع الصحابة؛ ففي يوم مؤتة وحين نزل الجيش في أرض معان بلغتهم معلومات استخبارية تفيذ أن الروم جمعوا مئتي ألف مقاتل لهم، وكان عدد الصحابة عندها ثلاثة آلاف مجاهد، وحين سمعوا بالخبر ثم تشاوروا ذهب رأي عبد الله بن رواحة إلى تقدم الجيش في طلب الشهادة بسبيل الله أو تحقيق النصر.
فكان رأي الأغلبية التوكل على الله حق التوكل، وتنفيذ رأي الصحابي عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، وإنفاذ هذه المهمة والقيام بمواجهة جيش الروم بعملية فدائية لم يعرف مثلها التاريخ نظيراً.
وكانت نتيجة ذلك التوكل على الله تعالى أن ثبت قلوبهم، وجعلهم يبثون الرعب لدى جيش الروم بمناوشات تعد أحد أشرس وأقوى المناوشات بالتاريخ، والتي ضرب المسلمون فيها أبسل أشكال الشجاعة، وتمكن جيش المسلمين قليل العدد بفضل التوكل على الله خرق صفوف جيش الروم مع إثخان الجراح بهم، ثم اتخذوا قرارهم بالانسحاب بذكاء كان منقطع النظير تحت قيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه.
التوكل في اللغة يقصد به الاعتماد، وهو إبداء العجز والضعف والاعتماد على الغير، بينما التوكل بالاصطلاح الشرعي يعني الاعتماد الصادق على الله تعالى بجلب المنافع الدنيوية والدينية، وقد دعا كل الأنبياء أقوامهم للتوكل على الله تعالى واللجوء إليه.
حيث قال تعالى في سورة يونس الآية 84 (وَقالَ موسى يا قَومِ إِن كُنتُم آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيهِ تَوَكَّلوا إِن كُنتُم مُسلِمينَ)، وقد وصف جل وعلا عباده المؤمنين بالمتوكلين، حيث قال الله تعالى في سورة الأنفال الآية 2 (إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ).