حثّنا ديننا الإسلامي الحنيف على الزواج لكونه عاصماً للشباب والفتيات من الوقوع في المعصية والذنوب، فالزواج في أصله قائماً على المودة والرحمة والتعاون بين الزوجين في إدارة شئون العائلة وتأسيس عائلة إسلامية طيبة السمات والأفعال.
بينما إن جاءت الظروف لتجعل الأزواج يتخلون عن المودة والرحمة فيما بينهم وتصبح العلاقة الزوجية أمراً شاقاً على الطرفية ويعود بالسوء على الأبناء، فيجب أن تتم التفرقة بين الزوجين لتحقيق بذلك منفعة لكليهما دون سوء للأخر مع تحديد الشريعة الإسلامية لحقوق كلاً من الطرفين في حالة الزواج وكذلك الطلاق، ليتساءل البعض متى يكون الطلاق واجب وهذا ما سنجيب عليه تفصيلاً في السطور التالية من موقع مخزن المعلومات، فتابعونا.
عرف الفقهاء الطلاق بأنه رفع قيّد النكاح الصحيح المنعقد بين الزوجين بألفاظ مخصومة، وهو الأمر الذي اشتمل على الطلاق، وهو التصرف المملوك للزوج بقطع النكاح ( وذلك في حالة الطلاق البائن أو الطلاق الرجعي في حالة انقضاء عدّة الزوجة).
قبل البدء في الإجابة على سؤال متى يكون الطلاق واجباً بين الأزواج، فيجب البدء في التعرف على الدليل الشرعي لمشروعية الطلاق بين الأزواج من القرآن الكريم، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز بسورة البقرة: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
كما جاء في الآية الأولى من سورة الطلاق قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا).
وذلك ما يُظهر لنا أنه على الرغم من أن أبغض الحلال عند الله وقوع الطلاق بين الزوجين، إلا أنه قد توجد بعض الموجبات التي يكون فيها الطلاق خيراً للزوجين، ومن بين هذه الموجبات:
أن تكون علاقة الزوج بزوجته قد أصبحت علاقة سيئة للغاية لا يُمكنهما إصلاحها وذلك على الرغم من اتباع الزوج لجميع الطرق التي يُمكنها الحفاظ على بيته، كعدم طاعة الزوجة لزوجها، عدم المحافظة على المنزل، تبذير الأموال فيما لا ينفع ولا يفيد، فتصبح الحياة بين الزوجين تعيسة ولا يُمكن إصلاحها، فيكون في الطلاق هنا منفعة للزوجين خوفاً من وقوع أحدهما في فعل المعصية.
أن يكون الزوج مُرتاباً في سلوك زوجته وأخلاقها، فيخرج الزوج من منزله للعمل ويكون هاجسه وشكّه الوحيد هو الريبة في أفعالها، على أن تكون هذه الريبة والشك مبنياً على أفعال ودلائل واقعية مبنية على حقائق مقنعة للعقل وليس الشك لمجرد الشك.
يكون الطلاق واجباً في حالة خاف الرجل على نفسه من الوقوع في الزنا بسبب بقاء هذه الزوجة معه، وذلك لكون زوجته غير قادرة على تحصينه وعصّمه من الوقوع في الزنا، فيُسمح له هنا شرعاً بالزواج من امرأة أخرى، كما يسمح الشرع للزوج بأن يجمع في بيته بين أربعة زوجات بشرط أن يكون قادراً على المساواة بينهما والإنفاق عليهما.
حُكم الطلاق في الإسلام
اختلف بعض الفقهاء في الحكم الشرعي للطلاق، إلا أن الجمهور قد ذهب إلى أن حكم الطلاق الأصلي هو الإباحة ما لم يخرج عن ذلك الأمر لأي قرينة، إلا أن الحنابلة والحنفية قد رأوا أن الطلاق هو الحظر ويخرج عن هذا الحكم للحاجة، وقد استدلوا في قولهم هذا بحديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد قال (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، وذلك لأن الطلاق يُعد كفر بنعمة الزواج من عند الله، لذا لا يحل الطلاق عندهم إلا للضرورة.
الطلاق الواجب
يكون الطلاق واجباً على الزوجين في حالتين أثنين هما:
الطلاق لحكمين
وهو أن يلجئ الزوجان إلى حكّميّن من أهلهم للإصلاح بينهم، وذلك بعد استنفاذ جميع محاولات الإصلاح الأخرى التي وردت في وقل الله تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)
فإن وجد الحكمان سبيل إلى الصلح بين الزوجين أصلحوا بينهما، وإن لن يتمكنوا فرقا بينهما بالطلاق، وفي هذه الحالة يكون الطلاق واجباً لقطع الشقاق على الأزواج، وذلك لقوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)
طلاق المُولي
يُقصد بهذا الطلاق قيام الرجل بالحلف أو القسم بأن لا يجامع زوجته ثانيةً، مع رفضه الرجوع في قسمه فيستمر في الأمر حتى مرور أربعة أشهر، وهي الفترة القصوى التي يُمكن خلالها الانتظار على هذه الحالة في الشرع الإسلامي، وفي هذه الحالة يكون الطلاق واجباً لقوله تعالى: (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
الطلاق المندوب والطلاق المستحب
يكون الطلاق بين الزوجين مستحباً في عدة مواضع هي:
أن تقوم الزوجة في التفريط في حقوق الله ـ جل شأنه ـ مع قدرتها على القيام بها وأن يكون زوجها قد استنفد جميع المحاولات للإصلاح من شأنها.
أن تكون الزوجة غير مؤتمنة على تربية الأبناء أو حفظ مال الزوج، وفي هذه الحالة يتوجب على الزوج تطليقها لأن في الإمساك بها نقصاً في الدين.
وقد رأى الإمام أحمد بن حنبل أنه في هذه الحالة يجوز التضييق على الزوجة عسى أن تقتدي بزوجها وتعود إلى رشادها وذلك استناداً إلى قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).
الطلاق المكروه
يكون الطلاق أمراً مكروهاً في الشريعة الإسلامية عندما يقع دون سبب أو حاجة توجب حدوثه، أو بسبب خلاف خارج عن العلاقة الزوجية كوجود مشكلات بين الزوج وأهل زوجته أو وقوع مشكلات بين العائلتين وذلك لما في هذا الأمر من تعطيل لمقاصد الزواج وهدم الأسرة والإضرار بمصالح الزوج والزوجة ووقوع الضرر على الأبناء، وذلك ما جاء عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي محمد ـ صلة الله عليه وسلم ـ أنه قال: ” أبغضُ الحلالِ إلى اللهِ الطلاقُ”.
الطلاق المباح
يكون الطلاق أمراً مباحاً عندما تكون هناك حاجة ماسة إليه كسوء معاشرة الزوجة أو سوء أخلاقها، ويكون الطلاق من الرجل في هذه الحالة بهدف دفع الضرر عن نفسه.
الطلاق الحرام
يكون الطلاق أمراً محرماً إن قصد به الزوج وقوع الضرر على الزوجة كأن يطلقها في فترة حيضها أو في وقت طهارة جامعها خلاله، ويكون القصد من الضرر بالمرأة هو إطالة فترة عدتها بعد الطلاق وما إلى ذلك.
الحكمة من تشريع الطلاق بين الزوجين
بدايةً يجب الإشارة إلى تنبيه الإسلام إلى ضرورة اختيار الزوجة صالحة الطبائع وذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عيه وسلم قال: “تخيَّروا لنُطَفِكم، فانكِحوا الأكفاءَ وأَنكِحوا إليهم”، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: “تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها ولِحَسَبِها وجَمالِها ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ”.
إلا أن أحد طرفي الزواج قد يضر بالأخر مما يؤدي لاستحالة العشرة بينهما، ويكون في هذه الحالة استمرار الزواج مفسدة وضرر لأحد الطرفين، وإفساداً لطبيعة الزواج التي خلقها الله تعالى إلا أن الطلاق أيضاً قد يكون بداية لكل من الرجل والمرأة وذلك لقوله تعالى: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ) كما قد يكون سبيل للصلاح بين الزوجين في حالة الطلاق الرجعي وعودتها إلى بعضهما البعض مرة أخرى.
وختاماً نكون قد أوضحنا لكم متى يكون الطلاق واجب ، وللمزيد من الموضوعات تابعونا في موقع مخزن المعلومات.