بدخول شهر رمضان المبارك ازدادت الاستفسارات المتعلقة بالأحكام الدينية خلال هذا الشهر ومن ضمنهم سؤال “هل يقبل الصيام بدون صلاة ؟” ولأننا نحرص دائمًا على توفير متطلباتكم من بحث جئناكم بإجابة تفصيلية لهذا الاستفسار وسنوفرها لكم عبر سطورنا التالية في مخزن ففي هذا الشهر الكريم يحرص أغلب المسلمين على أداء الطاعات والعبادات على الوجه الأكمل لبلوغ الأجر، وفي إطار هذا الحرص يهتم الكثير منهم بالتعرف على الأحكام الشرعية المتعلقة بالصيام وهو ما سنتناول الحديث عنه عبر مقالنا التالي …
الصيام هو العبادة المفروضة في شهر رمضان المبارك على كل مسلم بالغ عاقل، وهو أحب الأعمال للمولى عز وجل، ومما لا شك فيه أن لهذه العبادة أحكام محددة، هذه الأحكام نطلعكم عليها بعد أن نجيبكم عن استفسار اليوم:
س/ هل يقبل الصيام بدون صلاة ؟
جـ/ لا يقبل الصيام ولا تُقبل الأعمال مهما بلغت دون الصلاة فالصلاة ركن أساسي من أركان الإسلام وترك هذا الرُكن تحديدًا يجعل المسلم يخرج من زمرة المقبولين في شهر رمضان فقد روي في صحيح السنة النبوية عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال: {إنَّ بيْنَ الرَّجُلِ وبيْنَ الشِّرْكِ والْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ}.
ودليل أن الصلاة ركن أساسي من أركان الإسلام ورد كذلك في صحيح السنة النبوية: فقد قال النبي ﷺ: {بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصَومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا}.
هل يقبل عمل تارك الصلاة
في صدد إجابة هذا السؤال نذكر أن أساس قبول العبادات هو تأدية الصلاة المفروضة فبدون الصلاة تنتقص الأعمال وينتقص أجرها وقد لا تُقبل، وهنا يتعين على تارك الصلاة التوبة للمولى عز وجل لبلوغ رضاه، وإليكم مزيد من التفاصيل حول ارتباط قبول الأعمال بالصلاة:
الصلاة عماد الدين وهي أول ما يُسال عنه العبد عند وفاته وهي ركن أساسي وثابت من أركان الإسلام، فالصلاة فرض واجب على كل مسلم بالغ ولأن الصلاة أساس الدين ينبغي على جميع المسلمين الحرص على أدائها فإذا ترك المسلم صلاته بطلت أعماله قال تعالى: {ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة الأنعام: (88)].
ترك الصلاة والتكاسل عنها كبيرة من الكبائر ففي هذا الترك شرك بالمولى عز وجل والشرك من الكبائر التي لا يغفرها المولى عز وجل إلا بالتوبة النصوحة ودليل هذا ورد في آيات القرآن الكريم في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا} [سورة النساء: 48].
على المسلم أن يحرص على أداء الصلوات الخمس المفروضة لأن الصلاة أساس العبادة وقد روي في صحيح السنة النبوية عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: {خمسُ صلواتٍ افترضَهُنَّ اللَّهُ علَى عبادِهِ فمن جاءَ بِهِنَّ لم ينتقِصْ منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقِّهنَّ فإنَّ اللَّهَ جاعلٌ لَه يومَ القيامةِ عَهْدًا أن يُدْخِلَهُ الجنَّةَ ومن جاءَ بِهِنَّ قدِ انتقَصَ منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقِّهنَّ لم يَكُن لَه عندَ اللَّهِ عَهْدٌ إن شاءَ عذَّبَهُ وإن شاءَ غفرَ لَهُ}.
متى لا يقبل الصيام
الحديث عن الأحكام المتعلقة بالصيام ينقلنا بالضرورة لتوضيح مفسدات الصيام وما لا يجوز للمسلم فعله أثناء الصيام فبالنظر إلى الأحكام الشرعية نجد أن الأمور الآتية غير جائزة للمسلم خلال الصيام:
الجماع: يعتبر الجماع من المحرمات خلال فترة الصيام ويعتبر من أكبر المحرمات وأكثرها تعقيدًا فالجماع يوجب التوبة والكفارة على المسلم، وفي الجماع فساد للصيام سواء نزل المنى أم لم ينزل.
تناول الطعام أو الشراب: ينبغي أن يمتنع المسلم عن تناول الطعام والشراب خلال فترة الصيام والتي تبدأ مع طلوع الفجر حتى غروب الشمس، وعلى المسلم أن يتجنب وصول الطعام والشراب إلى معدته سواء عن طريق الفم أو الأنف.
الاستنماء: يقصد بالاستنماء استجلاب المنى سواء باليد أو بغيره من الأشكال، فالاستنماء من الشهوات ولأن الصيام يقتضى بترك الشهوات يأثم المسلم إذا لم يتركها ويفسد صيامه، وعلى المسلم إذا استنمى وهو صائم أن يكفر عن ذنبه وأن يتوب فهو بذلك يفسد صيامه.
الحجامة: لا يجوز للمسلم إجراء الحجامة أثناء الصوم فقد ورد في صحيح السنة النبوية أن الحاجم والمحجوم يفطران، وكذلك لا يشرع للمسلم التبرع بالدم أثناء الصيام.
القيء المتعمد: إذا تقيأ المسلم عن قصد فسد صيامه فالقيء المتعمد من المفطرات في شهر رمضان المبارك، ومن أشكال القيء المتعمد وضع اليد في الفم للتقيؤ واستنشاق رائحة كريهة بغرض التقيؤ.
الحيض والنفاس: نزول دم الحيض أو دم النفاس يعتبر من مفسدات الصيام، ولا يجوز للمرأة أن تصوم خلال فترة الحيض.
ما لا يفسد الصيام
بعد أن تعرفنا على ما يفسد الصيام ننتقل للحديث عن الأمور التي لا تفسد الصيام ولا تؤثر عليه إذا فعلها المسلم:
تناول الطعام والشراب عن غير قصد سواء نتيجة السهو أو الإكراه، فصيام المسلم في هذه الحالة يكون صحيح ولا يجب عليه القضاء.
التقيؤ عن غير قصد فإذا غلب المسلم القيء وخرجت الأمور عن سيطرته لا يجب عليه القضاء وصيامه صحيح.
الجنابة ليلًا واستقبال النهار على جنب، فيشرع للمسلم الاغتسال في النهار وصيامه في هذه الحالة صحيح وجائز.
كذلك لا يفسد استخدام السواك في تنظيف الأسنان الصيام ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى باستخدامه دون أن يفرق بين الصائم والفاطر.
الاغتسال في نهار رمضان وغسل الرأس بالمياه لتخفيف حدة الشمس كذلك لا يفسدان الصيام.
الاحتلام عن غير قصد في نهار رمضان لا يفسد الصيام والله أعلم بالنوايا.
أركان الصيام
لا يسعنا اختتام حديثنا اليوم دون توضيح أركان الصيام وموجباته فالصيام هو الركن الرابع من أركان الإسلام وهو ما أوضحناه لكم خلال فقراتنا السابقة، والجدير بالذكر أن للصيام أحكام لا يكتمل إلا بتحقيقها، هذه الأركان سنوضحها لكم عبر سطورنا التالية:
عقد النية: النية أساس الصيام وأساس جميع العبادات فالنية هي التي تفرق بين العادة والعبادة، والنية محلها القلب فيكفي للمسلم أن يعزم على الصيام في قلبه دون أن يتلفظ بها قولًا، ودليل أن الأعمال بالنيات ورد في السنة النبوية المطهرة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: {إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى} [رواه عمر بن الخطاب رصي الله عنه].
الإمساك: يقصد بالإمساك الامتناع عن المفطرات بمختلف أنواعها من طعام أو شراب والجدير بالذكر أن كلمة مفطرات تشمل الشهوات ومبطلات الصيام السابق ذكرها وجميع ما نهانا عنه المولى عز وجل في آيات كتابه العزيز وما حذرنا منه رسولنا الكريم في سنته النبوية المطهرة، والجدير بالذكر أن فترة الصيام تبدأ مع طلوع الفجر الثاني وتنتهي مع غروب الشمس ودليل هذا ورد في آيات القرآن الكريم في قول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [سورة البقرة: 187].}.