ابحث عن أي موضوع يهمك
إن من واجبات المرء المسلم أن يتبصّر في أمور دينه ودنياه وذلك ليتمكن من عبادة الله ـ عز وجل ـ وفقاً لمّا شرّعه سبحانه في الكون دون زيادة أو نقصان، فقد أفادت الشرعية الإسلامية بالتأكيد على أهمية طلب العلم الديني الشرعي في العديد من الأمور، كما أن النبي الكريم محمد ـ صلى اله عليه وسلم ـ قد أكد على ذلك في قوله: “مَـنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الـدِّينِ” ، “طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ”.
وقد يتعرض المرء المسلم خلال بعض فترات حياته إلى بعض التساؤلات أو المشاهدات التي تتطلب معرفة حكمها الشرعي، ولا يُمكن إهمال هذا الأمر حتى لا يكون المرء جاهلاً بها، كما أنه يجب الاستعانة في التعرف على إجابات هذه التساؤلات بأهل العلم المختصين للتعرف على الحُكم الشرعي الصحيح من أهل الثقة المؤهلين علمياً للإجابة على مثل هذه التساؤلات، والتي من بينها سؤال البعض عن حكم الاستعانة بالأموات في الدعاء أو التقرب لله عز وجل ، وذلك ما سنتعرف عليه تفصيلاً في السطور التالية من موقع مخزن المعلومات، فتابعونا.
يتساءل الكثير من الأشخاص حول حُكم الاستعانة بالأموات من الشيوخ أو الصالحين في الدعاء لله تعالى أو التقرب منه ـ عز وجل ـ وقد جاء ت الإجابة على هذا الأمر واضحةً في القرآن الكريم في قوله تعالى: ” وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ” وهذا دليل قرآني واضح على تحريم الاستعانة بالأموات.
فنعم تُعد الاستعانة بالأموات دون شك مثلها كمثل الاستعانة بالأحجار أو الأصنام أو الجن أو الملائكة والرُسل والأنبياء، فجميعها شرك أكبر بالله عز وجل، كما أن الأمر نفسه ينطبق على الشيوخ سواء كانوا أمواتاً أو غائبين عن الدنيا، فمن يعتقد أنهم قد ينفعونه أو يشفعون له فيدعوهم من دون الله ويستغيث بهم فإن هذا جميعه شرك أكبر.
وقد جاء في القرآن الكريم قوبه تعالى تأكيداً على هذا الأمر في سورة الجن (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)، كما جاء في سورة المؤمنون (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)، كما سمى الله دعاء المرء بغير الله شركاً في قوله تعالى بسورة فاطر: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ).
فلا يجوز للمرء المسلم أبداً أن يستغيث بالأموات أو يدعو بهم، أو يذبح لهم الذبائح تقرباً منهم، أو الاستغاثة بهم في حالة الشدائد، فذلك الأمر كله من الشرك الأكبر بالله ـ جل شأنه ـ وهو من أعمال كفار قريش وغيرهم عند الأصنام وقبور الأموات والأشياء التي قاموا بعبادتها من دون الله عز وجل .
وفي هذا الشأن فإن الغائب مثله مثل الميت، فمن يقوم بدعاء الغائب ظناً منه أنه يسمع دعاءه وأنه له سراً يدعوه به في مكان بعيد يكون هذا مثله كدعاء الميت من الشرك الأكبر، فلا يُمكن للميت أو الغائب إعانتك في أمر ما دون الله، فالله مالك المُلك وحده ومُسير أقدار المخلوقات جميعاً وفقاً لحكمته جل تعالى.
وبعد الاستفاضة في الحديث عن أن الاستعانة بالأموات بوجه عام هو شرك أكبر بالله ـ جل شأنه ـ فإن دعاء الإنسان للموات من دون الله وطلب منهم أمور ظناً منه أنهم قادرون على فعلها من دون الله شرك أكبر أيضاً، وذلك ما جاء في قزله تعالى : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ففعل مثل هذه الأمور كدعاء الميت أو زيارة قبور الأموات والدعاء بهم من وسائل الشرك، فمن يستغيث بالميت ويدعوه من دون الله يكون فعله من الشرك الأكبر ويجب عليه الرجوع عن هذا الذنب الذي لا يغفره الله تعالى سوى بالتوبة الصادقة.
وفيما يتعلق بحكم أن الاستعانة بالأموات هو شرك أصغر، فنعم إن الاستعانة بالأموات في الدعاء هو من الشرك الأصغر الذي قد يقودك إلى فعل الشرك الأكبر، وذلك ما يفعله البعض عندما يطلب أحدهم من الميت دعاء الله له ظنا منه أن دعاء الميت من الصالحين أو الشيوخ مُستجاب، فمن فعل ذلك فقد وقع بالشرك الأصغر والذي قد يوصله لفعل الشرك الأكبر، مع ضرورة الإشارة إلى أن لا بد من خلو هذا الدعاء من اعتقاد المرء بأن هذا الميت قد ينفعه أو يضره من دون الله، فمن فعل ذلك فقد وقع في الشرك الأكبر وذلك وفقاً لقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ).
أشار الإمام ابن القيم إلى أن الدعاء لله تعالى يندرج تحت مفهوم الاستعانة، وذلك لأن الاستعانة هي الوسيلة التي يُطلب بها العون والغيث من الله تعالى، وقد عمّد ابن القيم إلى التفرقة ما بين التوكل على الله والاستعانة بالله عندما عرفهما في المدارج بقوله : ” فإن قلت فما معنى: التوكل والاستعانة؟ قلت: هو حال للقلب ينشأ عن معرفته بالله والإيمان بالخلق والتدبير والضر والنفع والعطاء والمنع، وإنه ما شاء كان ـ وإن لم يشإ الناس ـ وما لم يشأ لم يكن ـ وإن شاءه الناس ـ فيوجب له هذا اعتمادا عليه وتفويضا إليه وطمأنينة به وثقة به ويقينا بكفايته لما توكل عليه فيه وأنه ملي به، ولا يكون إلا بمشيئته شاءه الناس أم أبوه فتشبه حالته حالة الطفل مع أبويه فيما ينويه من رغبة ورهبة هما مليان بهما، فانظر في تجرد قلبه عن الالتفات إلى غير أبويه وحبس همه على إنزال ما ينويه بهما، فهذا حال المتوكل، ومن كان هكذا مع الله، فالله كافيه ولا بد، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ”.
كما فصّل ابن القيم قوله في أن : (والاستعانة تجمع أصلين: الثقة بالله، والاعتماد عليه، فإن العبد قد يثق بالواحد من الناس ولا يعتمد عليه في أموره مع ثقته به لاستغنائه عنه، وقد يعتمد عليه مع عدم ثقته به لحاجته إليه ولعدم من يقوم مقامه فيحتاج إلى اعتماده عليه مع أنه غير واثق به.
والتوكل معنى يلتئم من أصلين: من الثقة، والاعتماد، وهو حقيقة إياك نعبد وإياك نستعين، وهذان الأصلان ـ وهما التوكل والعبادة ـ قد ذكرا في القرآن في عدة مواضع قرن بينهما فيها، هذا أحدها. الثاني قول شعيب: وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ، والثالث قوله تعالى: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ، فالاستعانة تُشير إلى ثقة العبد في الله ـ عز وجل ـ والاعتماد عليه في تدبير جميع شئون حياته.
وفي ختام مقالنا أعزاءنا القراء نكون قد استعرضنا معكم الإجابة عن حكم الاستعانة بالأموات في الدعاء أو التقرب لله عز وجل، وللمزيد من الموضوعات تابعونا في موقع مخزن المعلومات.
المراجع