ابحث عن أي موضوع يهمك
الصدق من صفات المرء المسلم الحق الذي يخشى ربه ولا يجرؤ لعلى فعل ما يعصيه أو يغضبه، فاليمين الكاذب في المحكمة من الأمور التي نهانا عنها ديننا الإسلامي الحنيف، فاليمين الكاذب ذنب عظيم يهتز له عرش الرحمن والسبع سموات خوفاً من غضب الله على حالفه، لذا فإنه عندما تحتاج المحكمة في بعض القضايا القانونية إلى الاستماع إلى أقوال الشهود على الواقعة فإنها تقوم بإلزام كل شخص بحلف اليمين أمام ربه ونفسه والناس ليتحمل وحده مسئولية صدقه أو كذبه فيما يقول، وللتعرف على عقوبة حلف اليمين الكاذب في المحكمة تابعونا في السطور التالية من موقع مخزن المعلومات.
لا يجوز أبداً حلف اليمين الكاذب تعمداً أمام المحكمة، فلهذا الأمر عاقبتان الأولى هي العاقبة أمام الله ـ عز وجل ـ في الأخرة، لأن اليمين الكاذب يخشاه أهل السموات والأرض ويهتز له عرش الرحمن، كما أنه إن تم إثبات كذب الشاهد في أقواله ويمينه أمام المحكمة فسوف يكون لهذا الأمر عاقبة قانونية قد تصل للسجّن، وذلك لأن اليمين الكاذب من شأنه الإضرار بمستقبل ومصلحة شخص مظلوم مما يكون له أثم عظيم.، ولم يتم تحديد عقوبة معينة للكاذب في يمينه أمام المحكمة، حيثُ تختلف العقوبة باختلاف المسألة التي جاء فيها الكذب.
وقد جاء عن الإمام مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) وهو ما يقصد به أن اليمين يتم احتسابه على نية الشخص الذي يقوم بطلب اليمين، كما جاء عن الإمام النووي قوله عن اليمين : ” اليمين على نية الحالف في كل الأحوال، إلا إذا استحلفه القاضي أو نائب القاضي أو المسؤول في المحكمة في دعوى توجهت عليه أمام المحكمة، فيكون اليمين على نية المستحلف”، كما أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله عن اليمين :” إذا استحلفه الحاكم لفصل الخصومة، فإن يمينك على ما يصدقك به صاحبك، والنية للمستحلف مثل ما قال المسلمين ولا ينفعه التأويل وفاقًا”.
يتم تعريف اليمين الكاذب بأنه (اليمين الغمّوس) وهو هذا الأمر الذي يقوم فيه صاحبه بعقد النيّة وتعمد الحلف كذباًَ، وقد تم تسميته بالغمّوس بسبب تعمد الشخص وتغمثه في الحلف كذباً، وقد أرجعها البعض إلى تغمس الحالف بالنار، لذا فقد جاءت كافة الأقوال في التحذير من اليمين الغمّوس وتعمد القيام به، وضرورة الابتعاد عنه وذلك لكونه من كبار الذنوب التي يكون واجباً الكفارة عنها بالنسبة لجمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة والمالكية.
أتفق جمهور الفقهاء على أن الكفارة من اليمين الكاذب تكون بالاستغفار والتوبة الصادقة، على أن تتوافر جميع شروط التوبة الصحيحة، وقد ذب الشافعية والحنابلة والإمام ابن تيمية إلى أن الكفارة من اليمين الغموس هي أمر جائز على أن تكون برفقة التوبة والاستغفار.
اليمين الكاذب هو أمر سيء يجب على كل مسلم الابتعاد عنه قدر الإمكان لما يترتب عنه من مساوئ للشخص وللآخرين، وقد قيل أنه في حال اضطرار المسلم بقدر شديد إلى الكذب في أمر ما فعليه بالتورية، أي أن يقوم الشخص الذي أمامه بفهم المعني الذي يريده بينما هو في نفسه يقصد أمراً أخر وهو الحق، كأن يقول أحدهم على شخص ما أنه أخاه، فهو يقصد أنه أخاه في الإسلام، بينما يفهم من أمامه أنهم أخوة في النسب والأرحام.
إلا أن الأصل في اليمين الغموس هي الحرمة وذلك لما جاء في قوله تعالى :(مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
إن حلف اليمين الكاذب من الأمور التي تستوجب التوبة والتراجع عن فعلها، وعند جمهور العلماء لا يكون فيها كفارة، إلا أن الشافعية والحنابلة قد ذهبوا إلى أن الكفارة واجبة في اليمين الكاذب.
ففي حال رغب المرء في التوبة الصادقة عن اليمين الغموس فعليه بالمبادرة بالتوبة الصادقة إلى الله ـ عز وجل ـ، مع إيتاء كفارة اليمين التي تكون في هيئة إطعام الطعام لعشرة من المساكين أو كسوة عشرة من المساكين أو عتق رقبة، ولا يمكن القيام بجزء الصيام لمدة ثلاثة أيام إلا بعد القيام بأحد الأمور الثلاثة السابقة لتكون النية في التوبة صادقة إلى الله تعالى.
وفقاً لما ورد للمسلمين في القرآن الكريم والسُنة النبوية الشريفة فإن الكذب بغرض الإصلاح بين الناس هو أمر جائز، وذلك في الوقت الذي تتعدد فيه مصادر الفتوى في العالم العربي والإسلامي، وقد جاء الدليل على هذا الأمر في القرآن الكريم في قوله تعالى: (“لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)، كما جاء عن خير الخلق محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله :” “ليس الكَذَّابُ الَّذي يُصْلِحُ بيْن النَّاسِ فيَقولُ خَيْرًا، أو يَنْمِي خيرًا. قالتْ: ولم أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ في شيءٍ ممَّا يقولُ النَّاسُ مِنَ الكَذِبِ إلَّا في ثلاثٍ: الإصلاحِ بيْن النَّاسِ، وحديثِ الرَّجُلِ امرأتَهُ، وحديثِ المرأةِ زَوْجَها”.
إن الأصل في اليمين الغموس هي التحريم وذلك لما جاء في قوله تعالى :(مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، فالحلف على الكذب من المحرمات الكبرى وفقاً لما هو ثابت في الشريعة الإسلامية.
كما أن الشرع قد أجاز القيام بهذا الأمر عند الضرورة كأن يتعين على المرء الكذب لدفع ضرر ما أو كون الكذب سيحقق مصلحة شرعية لا يُمكنها التحقق سوى من خلاله، مع اشتراط أن لا يترتب عن هذا الكذب أي ضرر على الآخرين أو التسبب في إضاعة حق شخص ما، ووفقاً لما سبق فإنه يقال بأنه لا حرج على الشخص من حلف اليمين الكاذب لدفع الضرر، ما دام أن هذا الأمر قد تم لدفع أمر عظيم كالقتل أو ما يشابهه، كما أنه في هذه الحالة يكون على المرء التورية أي أن يقوم الشخص بقول كلام يحمل وجوه ومعاني عديدة تجعل الشخص الذي أمامه بفهم المعني الذي يريده بينما هو في نفسه يقصد أمراً أخر وهو الحق.
لا يجوز للخصم القيام بإثبات كذب اليمين بعد حلفه حتى يتخلص من وقع ما ترتب عليه من نتائج، كما أنه لا يجوز القيام بالطعن على الحكم الذي جاء بإذن حلف اليمين بغرض إلغاءه أو إلغاء اليمين، هذا ما عدا في حالة كان المبني الخاص بالطعن هو أن هذا اليمين تم توجيهه في حالات غير حالاتها، أو القيام بالطعن على بطلان الإجراءات التي يتعلق توجيهها، مع شرط أنيتم إثبات الأمر، وهو الوقت الذي يجب خلاله التروي قبل حلف اليمين في المحكمة، وذلك لتوخي الحذر من وقوع الأضرار على الآخرين.
وبذلك أعزاءنا القراء نكون قد وصلنا بكم إلى ختام مقالنا الذي عرضنا لكم فيه عقوبة حلف اليمين الكاذب في المحكمة ، مع استعراض حكم اليمين الكاذب لدفع الضرر، واليمين الكاذب في حالة الاضطرار، وللمزيد من الموضوعات تابعونا في موقع مخزن المعلومات.