في طيات سطورنا القادمة في مخزن تجد عزيزي القارئ خريطة مفاهيم عن الشرك وأنواعه فالشرك من أخطر الكبائر التي قد يقع فيها المسلم وهو الفعل المعاكس للتوحيد والإيمان بالمولى -عز وجل- ولخطورة هذا الذنب خصصنا مقالنا اليوم للحديث عنه وتسليط الضوء على أنواعه كي لا يقع المسلم فيه عن غير قصد، فقد خلقنا المولى -عز وجل- لعبادته وتوحيده وإفراده بالألوهية وبالتالي فإن عدم التوحيد ينتقص من الإيمان، بل ويُخرج المسلم من الملة؛ ولكي يستوفي الحديث حقه عن خطورة الشرك دعونا نورد لكم خريطة المفاهيم، ثم ننتقل للحديث عن تعريف الشرك وأنواعه وخطورته …
تعريف الشرك
تنقلنا خريطة المفاهيم عن الشرك بالضرورة لتوضيح تعريف الشرك وأنواعه فهو من الأمور التي حذرنا منها المولى عز وجل في آيات كتابه الحكيم:
يمكن تعريف الشرك بالله على أنه اتخاذ ند وشريك للمولى -عز وجل- سواء في ربوبيته أو ألوهيته؛ وهو من أكبر الكبائر التي قد يقع فيها المسلم وخطورته لا تكمن في كونه من أكبر الكبائر فقط بل تكمن في كونه من الأفعال التي تُخرج الأشخاص من الملة وفي كونه ينتقص من إيمان المرء.
أنواع الشرك
للشرك نوعان وهما الشرك الأكبر والشرك الأصغر ولكل نوع من أنواع الشرك أنواع أخرى تندرج تحته ويمكنكم التعرف على أنواع الشرك بمتابعة سطورنا التالية:
الشرك الأكبر: يقصد به أن يتضرع المسلم لغير المولى -عز وجل- في طلب حاجته؛ ويؤدي هذا النوع إلى الخروج من الملة؛ ومن أمثلته التوجه لطلب أمر من العباد من الأمور التي لا يقدر عليها غير المولى -عز وجل-، وينقسم الشرك الأكبر إلى عدة أقسام:
الشرك في ربوبية الله:
الشرك في الربوبية يتمثل في كل قول أو فعل فيه إنكار للخصائص الربوبية التي تخص المولى -عز وجل- كخلق المخلوقات وخلق الكون، ويتمثل كذلك في الادعاء بامتلاك الربوبية كقول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24.]؛ ويمكن تعريف الشرك بالربوبية على أنه ادعاء الملك والقدرة على التصرف في الكون دون المولى -عز وجل-.
هناك أنماط متعددة للشرك في الربوبية والجدير بالذكر أن الشرك من الأمور التي لا يغفرها المولى -عز وجل- فالتصديق بربوبية المولى -عز وجل- وقدرته على التحكم في الكون أمر واجب على كل مسلم وخير دليل على أن الربوبية للمولى -عز وجل- فقط ما ورد في آيات القرآن الكريم في قول الله تعالى: {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ} [هود: 123]، وكذلك قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} [يونس: 20].
الشرك في ألوهية الله تعالى:
شرك الألوهية يتمثل في عبادة المرء لشيء أو مخلوق سوى المولى -عز وجل-؛ ومن أشكال شرك الألوهية عبادة الأصنام أو الحيوانات أو الأوسان ومن أكشاله كذلك الالتجاء للقبور والتوسل لأصحابها.
شرك الألوهية من أكبر الكبائر التي قد يقع فيها المسلم ففيه مخالفة للعقيدة الإسلامية ومخالفة لما أمرنا به المولى -عز وجل- في آيات كتابه الحكيم، فقد أمرنا بعبادته عبادة خالصة، وقد ورد في آيات القرآن الكريم الكثير من الأدلة التي تثبت ذلك كقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام: (162)].
الشرك في الصفات والأسماء:
للمولى -عز وجل- أسماء حسنى وصفات عُلى ذُكرت في آيات كتابه الحكيم وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ هذه الأسماء والصفات لا يجوز إطلاقها على غير المولى -عز وجل-؛ وإذا اعتقد المرء بثبوت تلك الصفات أو أحدها على مخلوق أشرك.
الشرك الأصغر: يقصد به الأعمال التي تجعل المرء يقع في الكبائر، ولكنها لا تُخرجه من الملة، وهو من نواقص التوحيد ومن أشكال الشرك الأصغر نذكر:
الحلف بغير المولى -عز وجل- وخير دليل على هذا ما ورد في السنة النبوية المطهرة عن عبد الله بن عمر حيث قال: أن النبي ﷺ قال: {منْ حلفَ بغيرِ اللهِ فقدْ أشركَ}.
عدم اعتراف الفرد بفضل المولى عز وجل وعدم شكره على النعم التي أنعم عليه بها ودليل هذا قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل: (83)].
نسب الابن إلى غير والده شكل من أشكال الكفر ودليل هذا ورد في قول المولى عز وجل: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [سورة الأحزاب: (5)].
الفرق بين الشرك الأصغر والشرك الأكبر
بعد أن تحدثنا عن أنواع الشرك ننتقل معكم لتوضيح الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر فهم مختلفان في عدة جوانب:
الشرك الأصغر
الشرك الأكبر
لا يُخرج الشرك الأصغر من الملة فالشرك الأصغر لا يتناقض مع أصل التوحيد، ولكنه يُنقص من الإيمان ح أي يحط من درجات إيمان المسلم.
الشرك الأكبر يُخرج المرء من الملة فهو منافي لمعنى التوحيد الذي يعتبر أساس الدين والعقيدة الإسلامية؛ وأساس الدعوة.
قد يغفر المولى -عز وجل- الشرك الأصغر إذا شاء فهو كما ذكرنا سابقًا لا يُخرج الفرد من الملة وإنما ينتقص من إيمانه.
لا يغفر المولى -عز وجل- الشرك الأكبر إلا بالتوبة النصوحة ودليل هذا ورد في آيات القرآن الكريم في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: (48)]
الشرك الأصغر لا يحبط أعمال المسلم، فإذا كثرت الحسنات وطغت على السيئات يغفره المولى عز وجل للمرء.
لا تُجدي الحسنات نفعًا مع الشرك الأكبر، ولا تُقبل معه الطاعات مهما كثرت إلا إذا تاب المرء توبة نصوحة، فإذا وقع المرء في الشرك الأكبر ولم يتوب ومات وهو مُشرك يكن مصيره جنهم.
يُعذب المرء إذا أشرك شرك أصغر في النار، ولكن مآله الأخير إلى الجنة فهذا النوع لا يوجب الخلود في النار.
يوجب الشرك الأكبر الخلود في النار والعذاب الأبدي للمرء فالفعل الوحيد الذي لا يغفره المولى عز وجل دون توبة هو الشرك الأكبر.
التوحيد وأنواعه
ينقلنا الحديث عن الشرك في الربوبية والألوهية والشرك بالأسماء والصفات بالضرورة لتوضيح مفهوم التوحيد وأنواعه باعتباره الفعل المعاكس للشرك ولكونه أساساً من أساسيات الدين والعقيدة الإسلامية فهناك ثلاثة أنواع من التوحيد:
توحيد الألوهية: يتمثل هذا النوع من التوحيد في التصديق بأن الإله الوحيد لهذا الكون هو المولى -عز وجل- والفهم بأن عبادة الله تعالى عبادة خالصة فرد واجب على كل مسلم، ويتحقق التوحيد بالإيمان بأن الخالق هو الله تعالى وبتجنب مقارنة المولى -عز وجل- مع أي شيء أو شخص آخر.
توحيد الربوبية: يتمثل توحيد الربوبية في الإيمان بأن الله تعالى هو المالك والمتحكم الوحيد في جميع أمور الدنيا، ومن أشكاله التضرع للمولى -عز وجل- بالدعاء وفي قضاء الحوائج.
توحيد الأسماء والصفات: يتمثل توحيد الأسماء والصفات في الإقرار بصفات المولى -عز وجل- والتصديق في أسمائه الحسنى فالله عز وجل وحده من يمتلك صفة الكمال المطلق وهو من تجتمع فيه جميع الصفات الحسنة.
أهمية وفضل التوحيد
للتوحيد أهمية وفضل عظيم فهي سبب من أسباب بلوغ رضا المولى عز وجل، ومن أفضال التوحيد نذكر:
التوحيد سبب من أسباب تكفير الذنوب وتفريج الكُربات والهموم ففيه تصديق بأن المتحكم في مجريات الكون هو المولى -عز وجل-.
في التوحيد استجابة لأمر المولى -عز وجل-؛ واستجابة لما أمرنا به النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ومن آياته نذكر: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}.
التوحيد يقود الفرد إلى الصراط المستقيم وهو ما دعانا له المولى -عز وجل- وهو غاية الخلق فقد قال تعالى في آيات كتابه الحكيم: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ۗ وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [سورة لقمان: (22)].
التوحيد مفتاح دخول الجنة وخير دليل على هذا ما ورد في السنة النبوية المطهرة، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من شهِدَ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ حرَّمَ اللَّهُ عليهِ النَّارَ).