ابحث عن أي موضوع يهمك
هل البخور يفطر الصائم هو سؤال كثير ما يتداوله المسلمون خاصةً في ظل اقتراب الشهر الفضيل، حيث إن الصوم هو أحد أعظم العبادات التي فرضها الله تعالى على العباد، وهو ركن من أركان الإسلام، لذا يحرص المسلمون أن يكونوا على دراية بما قد يبطل صومهم لكي يجتنبوه، ومن الأمور التي حدث بها خلاف وجدل لدى فقهاء وعلماء الإسلام هي ما إذا كان البخور يفطر الصائم أم لا، وقد انتهى ذلك الخلاف على أراء أربعة نعرضها لكم في مخزن فيما يلي:
- المذهب الحنفي: يرى الأحناف أنه في حالة دخل البخور أو ما في حكمه من أنواع الدخان الأخرى إلى حلق الصائم يترتب عليه إفطار الصائم بشرط أن يكون متذكراً لصومه، والسبب في ذلك أن الابتعاد عنه والاحتراز منه أمر ليس بالعسير على الصائم، حيث لا يدخل البخور لديهم في حكم شم العطور أو الورد، لأن دخان البخور وأصله قد وصل حلق الصائم بقصده وفعله، بينما العطر والورد عبارة هواء تغير لرائحة الطيب من العطر أو الورد، وعلى ذلك فإنه لا يفطر عند الحنفية.
- المذهب المالكي: يرى المالكية أن جميع أنواع الأبخرة التي يمكن أت تصل لحلق الصائم يترتب عليه فطره، وهو ما يندرج تحته البخور، ودخان السجائر، وما إلى نحو ذلك، ولكن إن حدث ذلك عن غير قصد وعمد منه فإنه لا يفطره.
- المذهب الشافعي: يرى الشافعية أن جميع الراوائح التي تصل إلى حلق الصائم إن كانت عن عمد وقصد منه أو عن غير قصد لا تعتبر من المفطرات، لأنها لا تمثل أحد الأعيان المعروفة بالصيام.
- المذهب الحنبلي: يرى الحنابلة أنه لا يترتب على شم البخور فساد الصوم فهو ليس من المفطرات، إذ أنه لا يُشرب أو يُأكل، كما أنه ليس في معناهما.
البعض من الفقهاء وأئمة الإسلام كالحنفية والمالكية ذهبوا إلى أن استنشاق البخور ووصوله إلى حلق الصائم يترتب عليه فطره، والسبب في ذلك القول أن ما ينتج عن البخور من دخان هو ما يفطر وليس مجرد ما ينبعث عنه من رائحة، حيث إن الدخان الذي يصل إلى الحلق هو عين، والدخان يعد من الأشياء التي من الممكن التحرز منها، وفي حالة شمه الصائم دون أن يصل إلى حلقه فإنه لا يفطر، ولكن إن شمه عن عند ووصل إلى جوف الحلق يترتب عليه فساد الصوم.
ذهب الفقهاء أن التطيب بالبخور في نهار رمضان لا يترتب عليه فساد الصوم، وذلك إن تطيب به على الجسد والثوب دون أن يتم استنشاق دخانه لكي لا يدخل منه شيء إلا جوف الحلق حيث ينتج عن تعمد القيام بذلك بطلان الصوم.
فيما يتعلق بالتطيب بالعطور واستعمالها من قبل الصائم في نهار رمضان، فقد ورد رأي العلماء وقولهم في ذلك الصدد على النحو التالي:
- المذهب الحنفي: يرى الأحناف أن استعمال العطر للصائم مباح ولا يترتب عليه فساد الصوم.
- المذهب المالكي: قام المالكية بالتفريق ما بين المعتكف والغير معتكف، حيث ذهبوا أن استعمال المعتكف للعطر يفسد الصوم، في حين أن استعمال الغير معتكف له لا يبطل الصوم ولكنهم قالوا بكراهة ذلك.
- المذهب الشافعي: ذهب الشافعية إلى سن أن يترك الصائم شط جميع أنواع العطور بنهار رمضان، لأن في القيام بغير ذلك معانى الترفه، في حين من الجائز أن يتم استعمالها بعد الإفطار، حتى وإن دامت رائحتها إلى نهار اليوم التالي.
- المذهب الحنبلي: ذهب الحنابلة إلى كراهة أن يشم الصائم أي شيء من الممكن وصوله إلى جوف حلقه، مثل البخور والعطر والطيب، وغيرها.
من الأمور المتعارف عليها من ناحية تكوين الجسد أن هناك اتصال مباشر يربط ما بين الأنف والحلق، مما يجعل هناك منفذ متصل ما بين كل من الأنف والحلق إلى جوف الإنسان ومعدته، وهو ما أكده كل من الطب والشريعة الإسلامية، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك (بالِغْ في الاستنشاقِ، إلَّا أن تَكونَ صائمًا).
والجدير بالذكر أن الأنف تعتبر هي العضو المسؤول في الجسم وبشكل رئيسي عن الشم لدى الإنسان، كما وتؤدي في ذلك دور هام وهو تدفئة وترطيب الهواء خلال عملية التنفس، كما وتقوم بتنقيته من الجراثيم، أما من حيث التكوين فإن الأنف يتكون من فتحتين يعملان على نقل الهواء للتجويف الأنفي من الداخل وهو ما يمتد لأعلى سقف الفم، ثم ينحني ذلك التجويف باتجاه الأسفل إلى أن يلتقي عند نهاية الحلق مع الفم بمنطقة يطلق عليها اسم البلعوم الأنفي (Nasopharynx)، ومن ذلك يتضح مدى الترابط بين الأنف والحلق.
يتعرض الصائم خلال صومه إلى استنشاق الكثير من أنواع الروائح المختلفة مثل رائحة العطور والبخور والأطعمة وغيرها، ولكل نوع من أنواع الرائح تلك حكمه فيما إذا كان تعرض الصائم لها يترتب عليه فساد صومه أم لا، وسوف نوضح ذلك بشكل من التفصيل فيما يلي:
الكثير من الصناعات المختلفة باتت منتشرة في العصر الحديث المعروف بعصر التكنولوجيا والتي يترتب على البعض منها تصاعد الأدخنة والأبخرة، وذلك مثل عوادم السيارات، وقد ذهب الفقهاء إلا أن تعرض الصائم لها لا يفصد صومه، حيث إن ذلك يحدث عن غير قصد منه، ويكون الحكم كذلك بالنسبة للعمال في المصنع الصائم الذي يتعرض لتلك الأبخرة والأدخنة أو رجال الأطفاء حين استنشاق الدخان الناجم عن الحرائق التي يقوموا بإطفائها، ولكن ورد إجماع من قبل الفقهاء على أن تعمد استنشاق الأبخرة والأدخنة يفسد الصوم، في حين أنه إذا لم يتمكن من اجتنابه يكون الصوم صحيح.
اختلف العلماء في قولهم على أثر استنشاق روائح الطعام على صحة الصوم، وسوف نعرض فيما يلي ما توصلوا إليه من آراء في ذلك الصدد:
- رأي المالكية: يرى المالكية أنه في حالة تعمد الصائم استنشاق ما ينبعث عن الطعام من روائح وأبخرة خلال طهيه يترتب عليه فساد الصوم، ولكن يشترط لوقوع ذلك الفساد أن يكون الاستنشاق قد أتى عن عمد وأن يكون البخار وصل إلى الحلق، وهو ما يسري على من يقوم بطهي الطعام أو من حوله من الصائمين، ولكن من بلغت رائحة أو أبخرة الطعام إلى حلقه عن غير عمد فإن صومه صحيح.
- رأي الشافعية: يرى فقهاء المذهب الشافعي أن استنشاق ما يصدر عن الطعام من روائح لا يترتب عليه فساد الصوم حتى وإن حدث ذلك عن عمد من قبل الصائم، وقد استندوا في قولهم هذا إلى أن روائح الطعام ليست من الأعيان المعروفة لدى الناس، ولا يحدث في الحلق تذوق إلا ببلوغ العين، في حين أن من بلغت أبخرة الطعام إلى حلقه فإنه تعتبر من الأعيان وببلوغها الحلق يفسد الصوم.
وبذلك عزيزي القارئ نكون قد تعرفنا في مخزن على حكم هل البخور يفطر الصائم مما قد توصل إليه أئمة المذاهب الأربعة، حيث ورد خلاف لديهم حول الحكم على تلك المسألة ولكن وبشكل عام فإن البخور لا يفسد الصوم إن تم استنشاقه عن غير عمد ولكن الأفضل التحرز من ذلك.