ابحث عن أي موضوع يهمك
ما هو اليمين الغموس وهل له كفارة على المرء المسلم ، فاليمين الغموس هي تلك اليمين الكاذبة التي يقولها صاحبها كذباً قاصداً بها الكذب مع الحلف عليها مع العلم بحقيقة كذبه، لينغمس صاحبها في الكذب ثم تغمسه هي في الإثم والنار، وهي تلك اليمين الكاذبة التي يأخذ بها المرء حق غيره من الناس دون وجه حق على الإطلاق، وذلك لما جاء في قول النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(إنَّ أعجلَ الطاعةِ ثوابًا صلةُ الرَّحِمِ وإنَّ أهلَ البيتِ لَيكونون فُجَّارًا فتنموا أموالُهم ويكثُرُ عددُهم إذا وصلُوا أرحامَهم وإنَّ أعجلَ المعصيةِ عُقوبةً البغيُ، والخيانةُ، واليمينُ الغموسُ يُذهِبُ المالَ ويُثقلُ في الرَّحِمِ ويذرُ الدِّيارَ بَلاقِعَ).
كما جاء برواية الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال 🙁 جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: (يا رسولَ اللهِ، ما الكبائرُ؟ قال: الإشراكُ باللهِ، قال: ثم ماذا؟ قال: ثم عقوقُ الوالدَينِ، قال: ثم ماذا؟ قال: اليمينُ الغموسُ، قلتُ: وما اليمينُ الغموسُ؟ قال: الذي يقتطعُ مالَ امرئٍ مسلمٍ، هو فيها كاذبٌ)، وذلك كأن يقوم شخص بالحلف كذباً حتى يأخذ حق أخيه من المال دون وجه حق، أو يقوم شخص بسّب شخص آخر إلا أنه يحلف على عدم فعل ذلك حتى ينجو من العقاب، أو الحلف بفعل شيء لم يفعله شريطة أن يكون الحلف قائماً على علم صاحبه بكذب يمينه.
تم تسمية اليمين الغموس بهذا الاسم لأنها تغمس قائلها في الإثم والعقوبة، كما أنها تكون سبب غمسّه في النار يوم القيامة نظراً لسوء فعلته في الحلف بالله تعالى كذباً، وقصدّه أكل مال الناس بالباطل دون وجه حق، كما أن صاحب اليمين الغموس قد تجرأ على الله – عز وجل – ليحلف باسمه الأعظم وهو على يقين أنه كاذب، فيقرن اسم الله تعالى بشيء تشوبه المعصية والسوء، وهذا من أعظم الذنوب وأشدها سوءاً وعقاباً يوم القيامة.
لا يوجد خلاف بين الفقهاء في حُرمة اليمين الغموس، فهو حرام بإجماع الآراء كافة، وذلك لكونه تجرؤ على الله ـ عز وجل ـ بالحلف كذباً باسمه، وقد ثبت في السُنة النبوية الشريفة عن خير الخلق محمد-صلى الله عليه وسلم- ذّمه لليمين الغموس في الكثير من المواقف من باب ترهيب المسلمين على القيام بها أو الإقدام عليها.
فاليمين الغموس من كبائر الذنوب في الإسلام ومن بين ما جاء دليلاً على حُرمتها هو ما جاء برواية ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – قال: (من حلف يمين صبر، ليتقطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبًان. فأنزل الله تصديقاً لذلك:(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) [آل عمران: آية 77].
تُعد اليمين الغموس من كبائر الذنوب التي لا يتوجب فيها الكفارة عند جمهور علماء المالكية، الحنابلة، الحنفية وذلك لذنبها العظيم عند الله تعالى، حيثُ يقرن الحالف في معصيته اسم الله تعالى ويحلف به كذباً، لذا فإن كفارة اليمين الغموس تكون بالتوبة والاستغفار على أن تتم مراعاة شروط التوبة تامة، وذلك ما أشارت إليه لجنة الفتاوى الدائمة بأنه (اليمين الغموس من كبائر الذنوب، ولا تجدي فيها الكفارة لعظيم إثمها، ولا تجب فيها الكفارة على الصحيح من قول العلماء، وإنما تجب فيها التوبة والاستغفار” ، مع وجوب إعادة الحقوق إلى أصحابها إن تمكن من ذلك، وقد اتفق الفقهاء جميعا ًعلى خطورة اليمين الغموس وذنبها العظيم، فلا شيء من الأعمال الصالحة قد يمحو أثر اليمين الغموس سوى الاستغفار والتوبة الصادقة.
إلا أن الإمام الشافعي قد خالف هذا الرأي وقد وافقه الحنابلة والإمام ابن تيمية ـ في رواية ـ بأنه قد ذهب إلى وجوب الكفارة في حالة اليمين الغموس مع جواز التوبة فيه إلى الله عز وجل.
قام العلماء بتقسيم اليمين وفقاً للأثر المترتب عليه إلى ثلاثة أقسام هي اليمين الغموس ـ اليمين المنعقدة ، اليمين اللغو، ويتمثل الفرق بين اليمين الغموس واليمين المنعقدة في:
اليمين اللغو هو اليمين الذي لا يترتب على حالفه أي شيء من الأجر أو الإثم، كما أن ليس له كفارة أيضاً، وذلك لأن حالف يمين اللغو لا يقصد به اليمين بل يقصد تأكيد شيء ما، كأن يقول المرء بلى واله ، أو لا والله ، أو يقوم بالحلف على شيء يظن نفسه صادقاً فيه ثم يتضح له غير ذلك، فلا يترتب عليه شيء من الأجر أو الإثم وذلك لعدم نيته السابقة في الكذب.
نعم ، يُعد اليمين الغموس من كبائر الذنوب التي قد يجرؤ المرء على فعلها يوماً، فقد اتخذ من اسم الله تعالى وسيلة للحلف كذباً وأخذ حقوق الناس بالباطل دون وجه حق، وذلك ما جاء دليلاً عليه في السُنة النبوية الشريفة في حديث عبد الله بن عمرو أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: (الكبائرُ: الإشراكُ باللهِ، وعقوقُ الوالديْنِ، وقتلُ النفسِ، واليمينُ الغَموسُ).
وهنا سواء قد اتفق العلماء على وجوب الكفارة عن اليمين الغموس أم لا، فإن الكفارة لا تمحو أثر اليمين الغموس، بل لابد للمرء من التوبة الصادقة إلى الله والاستغفار عما بدّر منه في حق الخالق العظيم، على ألا يعود للذنب مرة أخرى، فقد أتفق العلماء على عدم سقوط الذنب بمجرد أداء المرء للكفارة.
فاليمين الغموس كغيره من الذنوب التي قد يغفرها الله لصاحبها في حالة التوبة الصادقة، فالتوبة الصادقة هي سبيل النجاة من كل ذنب، حيثُ فتح الله ـ عز وجل ـ باب التوبة أمام كل عاصٍ، فالله رحيم يتوب على كل من تاب ورجع إليه صادقاً، وذلك لقول الله تعالى: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
وفي هذه الآية فقد قال الإمام ابن كثير ـ رحمه الله ـ : “هذه الآية دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها ، وإن كانت مهما كانت ، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر ….”.