ابحث عن أي موضوع يهمك
إن حكم برد الاسنان يتوقف على السبب الذي ترجع إليه الحاجة إلى بردها وسوف نتعرف في مخزن على الأحكام المختلفة لتلك المسألة الدينية التي تشغل الكثير من المسلمين ممن يرغبون في اتخاذ تلك الخطوة مع خشية أن يقعوا في معصية أو ارتكاب أحد المحظورات أو الأمور المكروهة في الدين والشريعة الإسلامية.
وقد ذكر علماء الدين أن برد الإنسان يكون محرماً إذا كان المقصد منه هو زيادة الجمال والحسن في حين أنه يكون جائزاً إن كان الغرض منه علاجي يهدف إلى إزالة عيب ما بها، ويستدل على ذلك الحكم ما رواه البخاري في صحيحه وما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال (لعن اللهُ الواشماتِ والْمُستوشماتِ، والْمُتنمِّصاتِ، والْمُتفلجاتِ للحسنِ، المغيراتِ خلقَ اللهِ تعالى).
وقد ورد عن النووي في إيضاح المقصود من لفظ المتفلجات الوارد في الحديث الشريف أن المراد به “مفلّجات الأسنان بأن تبرُد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات، وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السنّ إظهاراً للصغر وحسن الأسنان، لأن هذه الفُرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار، فإذا عجزت المرأة كبرت سنّها فتبرُدها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر، وتوهم كونها صغيرة، ويقال له أيضاً الوشر، وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها لهذه الأحاديث، ولأنه تغيير لخلْق الله تعالى، ولأنه تزوير، ولأنه تدليس”.
وقد أكمل النووي إيضاحه لحكم برد الأسنان قائلاً “يفعلن ذلك طلباً للحسن، وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو احتاجت إليه لعلاجٍ أو عيب في السنّ ونحوه فلا بأس والله أعلم”.
أحياناً ما تكون الأسنان بارزة للأمام أو أن بعضها متراكب على البعض أو أن تكون مختلفة في الطول مما يسبب لصاحبها الضيق من نواحي عديدة لعل أبرزها طريقة النطق ومخارج الحروف والكلمات والتي تجعله يعاني من الصعوبة أثناء الحديث أو من يستمع إليه لا يفهم ما يقوله من ألفاظ، أو أن تتسبب له مشاكل ومتاعب أثناء الأكل ومضغ الطعام.
وقد تناول الفقهاء تلك المسألة من حيث دراستها والبحث حول حكمها في الإسلام وقد توصلوا إلى جواز برد الأسنان في الحالات السابق بيانها وغيرها من الحالات الأخرى مثل أن كانت مائلة أو بارزة، أو مكسورة أو أن كانت أحدها أطول من السن المجاور لها، حيث يعد البرد في مثل تلك الحالات إزالة لما بالأسنان من عيب وليس الغرض منه هو التجميل والتحسين، وقد ورد في ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة إلا من داء”.
لا مانع في الدين الإسلامي من إجراء عملية تلبيس للأسنان إذا كان الغرض منها هو العلاج والتقويم لإزالة ما أصاب السن من تلف أو تشوه، لذا من الجائز أن يتم إجراء تلبيس للأسنان أو تقويم وفق ما يراه الطبيب المعالج أنسب للحالة والذي يكون هدفه طبي وعلاجي وليس للتفليج المنهى عنه والمحرم الذي يكون الغرض منه التجميل وزيادة الحسن لأنه يعد من قبيل التغيير فيما خلق الله عليه الإنسان، والله تعالى أعلم.
أوضح علماء الأسنان الأحكام المتعلقة ببرد الأسنان بحالاتها المختلفة ومن بين تلك الحالات وشرها وهو ما يقصد به تحديدها بهدف الحصول على الفلج الحسن المحمود وهو ما يأخذ وصف التفليج بين الأسنان الذي يقال عنه برد ما بين الثنايا والرباعيات من الأسنان، وهو ما يعد من قبيل التدليس والخداع وهو حرام وغير جائز.
وفي ذلك الصدد ورد عن العيني في عمد القاري: (المتلفجات جمع متفلجة من التفلج ـوهو برد الأسنان الثنايا والرباعيات مأخوذ من الفَلَج – بفتح الفاء واللام ـ وهي فرجة بين الثنايا والرباعيات، قوله: للحسن يتعلق بالمتفلجات، أي: لأجل الحسن، قيد به لأن الحرام منه هو المفعول لطلب الحسن، أما إذا احتيج إليه لعلاج، أو عيب في السن ونحوه، فلا بأس به).
إن الأصل القائم في الشريعة الإسلامية الذي يلحق بأي تغيير في خلق الله جل وعلا هو المنع والتحريم وذلك لقول الله سبحانه في سورة النساء الآية 119 (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ)، حيث إن التغيير في خلق الله تعالى من الأمور التي ورد بها التحريم لأنها من الأمور التي يدفع الشيطان فاعلها إليها ليوقعه في معصية الله.
ولكن تلك القاعدة المحرمة يرد عليها استثناء وهو الحالات الحاجية الضرورية التي يجب أن يقوم بها صاحبها من الناحية الصحية والعلاجية وهو ما توصلت إليه القواعد العامة في الشريعة الإسلامية.
ويندرج تحت تلك الحالات الاستثنائية تركيب الأسنان الصناعية فهو أمر جائز إذا ما دعت الضرورة إليه، مثل أن يسقط سناً من أسنانه، أو من يتلف لديه أحد الأسنان أو أكثر من واحد، ويصبح في حاجة إلى علاجها لكي يقدر على مضغ الطعام بشكل جيد، أو كان لذلك تأثي على مقدرته في نطق الحروف والكلام بطريقة سليمة ومفهومة.
والدليل على ذلك في الشريعة الإسلامية يتضح مما رواه عجرفة بن أسعد حين قال (أنه أُصيب أنفُه يومَ الكُلابِ في الجاهلية، فاتخذ أنفًا من ورِقٍ، فأنتنَ عليه، فأمره النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أن يتخذ أنفًا من ذهبٍ)، ومن خلال النظر إلى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باتخاذ أنف من الذهب وبالقياس عليه يتضح جواز تركيب الأسنان.
كما أن وضع تقويم الأسنان في حالة إصابتها بالتشوه هو أمر جائز في الإسلام وقد أوضح ابن عثيمين رحمه الله أن التقويم ينقسم إلى نوعين أولهما لزيادة الحسن والتجميل وذلك النوع حكمه التحريم وعدم الجواز، أما النوع الآخر فالغرض منه إزالة ما بالأسنان من عيب وهو جائز ولا بأس به لأن الغرض منه ليس الحصول على المزيد من الجمال ولكن إزالة العيب.
من الناحية الطبية يتم الحصول على ما يعرف بابتسامة هوليوود أو (اللومينر) من خلال تركيب عدسات على الأسنان لها نفس حجم وشكل السن الأصلي ولكن مع لون ناصع البياض بما يشير إلى أن الغرض من ذلك هو التبييض، وقد أصبح الكثير من الأشخاص يلجأون إلى القيام به لما فيه سهولة وسرعة للحصول على أسنان ناصعة البياض خالية من العيوب الواضحة.
أما حكمه من الناحية الدينية فإنه لا يعد من قبيل الأمور المحرمة وذلك لأنه مجرد تركيب لطبقة من العدسات على السن لا تنطوي على تغيير فعلي فيما خلق الله عليه صاحبها حتى وإن كان الغرض منه ليس ضروري أو علاجي ولكن تجميلي فقط، وهي غير ثابتة ولكنها تقبل الإزالة.
إلى هنا عزيزي القارئ نكون قد انتهينا في مخزن من عرض مقالنا الذي بينا من خلاله حكم برد الاسنان في الشريعة الإسلامية والدلائل الشرعية من أحاديث شريفة وقول علماء الإسلام في ذلك.