حكم الحجاب ابن باز يساعد على معرفة ما إذا كان الحجاب فرضًا لا جدال فيه، أم أنه عادة دينية مُتبعة، وذلك لأن انتشار الفتن أدى إلى التشكيك في الأمر، وأدى أيضًا إلى وضع استثناءات للحجاب على الرغم من أنها غير صحيحة، فعبر موقع مخزن سوف نشير إلى هذا الحكم لكون ابن باز من الأئمة النابغين وذلك بالاستدلال ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.
يقول الإمام ابن باز أن الحجاب فرض لا جدال فيه، وذلك لأن الله – عز وجل- قال في كتابه العزيز (… وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ …) [النور، 31]، ولكنه أشار إلى أن الحجاب فيه عدة مسائل توضح ما ينبغي ستره، وما يجوز تركه، ففي السطور التالية سنعرضهم بالتفصيل:
المسألة الأولى
يتمثل الحجاب في ستر المرأة لشعرها وبدنها بالكامل إلا الوجه والكفين، إذ إن هذا الأمر لازم عند أهل العلم، وهو يتضمن أيضًا القدمان لدى جمهور أهل العلم، فعلى المرأة أن تسترهما عن الرجال.
حيث هذا محل لا يعتبر محل خلاف كونها تستر الشعر والبدن والصدر وجميع الأجزاء حتى القدمين، فهو واجب على كل النساء عن مختلف الرجال الأجانب بما فيهم ابن خالها وابن عمها الأجنبي وغيرهم.
ومن الجدير بالذكر أن ستر جميع البدن ما عدا الوجه والكفين من الأمور التي تعد بمثابة محل خلاف، وهكذا ينطبق على القدمين ففيهما خلاف يسير، ومع ذلك فإن جمهور أهل العلم يروا بأنه من الواجب سترهما أيضًا.
المسألة الثانية
نازع بعض أهل العلم في مسألة الوجه والكفان في الحجاب، حيث قال بعضهم أنه لا ينبغي سترهما عن الأجانب إلا في حالة واحدة وهي إذا كان الوجه لا يوجد به محسنات كالكحل والمكياج أو أي شيء من أنواع الجمال الذي تأتي به كالمستجلب، وهكذا الكفان إذا كان لا يوجد فيهما شيء من الحلي.
كما قالوا إنهما ليس بعورة في هذه الحالات، فهنا لا يوجد في الوجه ما يدعو إلى الفتنة، ولا يوجد في الكفان ما يُبدي زينتهما.
أما عن القول الآخر، فلقد قيل إنه يجب ستر الوجه والكفان وهذا هو القول الراجح.
وذلك لأن الوجه يعتبر زينة المرأة وعنوانها، فمن الواجب ستره إلا عن الخاطب الذي يرغب في النظر إليها أو المحارم.
فالرسول – صلى الله عليه وسلم- أذن للخاطب بأن ينظر للمرأة، وأما من دون ذلك فالواجب ستر كل من الوجه والكفين تجنبًا للفتنة.
والدلالة على ذلك قوله تعالى (… وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ …) [الأحزاب، 53].
الجدير بالذكر أن الله – سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز لم يستثن في حديثه عن الحجاب أي لم يقل إلا الوجه والكفين، بل إنه أطلق.
ففي قوله تعالى (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا …) [النور، 31] قال البعض إنه يُقصد بإلا ما ظهر منها الملابس التي ترتديها المرأة، والبعض الآخر بأنه ما قبل الحجاب أو بعده.
فمع تحكيم الأدلة والنظر إلى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ …) [الأحزاب، 59] نجد بأن الله قصد بالجلباب وهو الزي الشرعي للحجاب الثوب الذي تطرحه المرأة على رأسها وسائر بدنها بهدف الستر، ولم يستثن من الأمر الوجه، فيوجد هنا وجوب لستر الوجه والكفين للوقاية من الفتنة، والله أعلم.
المسألة الثالثة
لقد احتج البعض فيما يخص ظهور الوجه والكفين من الحجاب، حيث إنهم استدلوا بحديث شريف ضعيف رواه أبو داود عن السيدة عائشة – رضي الله عنها- حيث قالت “دخلت على أسماء بنت أبي بكر -أختها رضي الله عنها زوجة الزبير- قالت: وعندي رسول الله ﷺ وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها النبي ﷺ وقال: يا أسماء ! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا”.
فمن خلال هذا الحديث أشاروا إلى أن يجوز إبداء كل من الوجه والكفين.
ففي الحقيقة لا يُمكن الاستدلال بهذا الحديث حيث إن الإمام ابن باز أشار إلى كونه ضعيفًا لوجود عدة علل وهي:
لم يُثبت الحديث عن السيدة عائشة – رضي الله عنه- فهو منقطع وذلك لكونه من رواية خالد بن دريك أي أنه لم يسمع منها، والحديث إذا كان منقطعًا لا يحتج به لكونه ضعيفًا.
يوجد في إسناد الحديث سعيد بن بشير حيث إنه ضعيف ولا يُحتج به لدى أهل العلم.
الحديث من رواية قتادة عن خالد بن دريك أي أنه مدلس ويصرح بالسماح بواسطة خالد، كما أن المدلس لا يحتج به إذا روى بالعنعنة.
لم يصرح بأن الحديث بعد الحجاب، فمن المحتمل أن تكون هذه القضية في الأساس قبل أن ينزل الحجاب، فالنساء قبل الحجاب كن يكشفن عن وجوههن وكفيهن.
من الغريب أن تكون أسماء زوجة الزبير بن العوام والتي اشتهرت بتفقها في الدين وبكونها عالمة جليلة أن تذهب إلى بيت الرسول – صلى الله عليه وسلم- وهي ترتدي الثياب الرقيقة التي تظهر من أسفلها جسدها وعورتها، فهذا أمرًا منكرًا لأن إيمانها يبعدها كل البعد عن مثل هذه الأمور المذمومة.
هل يجوز لبس الحجاب بالغصب ابن باز
يقول الإمام عبد العزيز بن باز – رحمه الله- إن الحجاب بالنسبة للمرأة عند غير محارمها يعد بمثابة أمرًا لازمًا، وذلك لكونها فتنة، والنظر إليها أيضًا فتنة، فمن الضروري وكما وجب عليها أن ترتدي الحجاب لتبتعد عن الفتنة لها ولغيرها، وأشار إلى أن الحجاب يكون إمام بالجلباب أو بالملابس التي تستر البدن ومنه الوجه لأن الوجه هو أعظم الزبنة.
حيث إن ستره من أهم الأمور، وكذلك ستر الرأس وسائر البدن، وأكد على أنه لا مانع بأن تبدي عينًا واحدة أو عينين للنظر للطريق والحاجات التي ترغب في أخذها وحملها، ومن الجدير بالذكر أنه قال غن ما تيسر في الحجاب هو كل من الشيلة وغير الشيلة التي توضع على الوجه والرأس، فمن الممكن للمرأة أن تستر رأسها وتجعل على وجهها برقعًا لكي تتمكن من رؤية حاجتها، ويُفضل بصفة عامة أن تتحلى المرأة بكامل الستر والحشمة إذ قد يُكتفي بوضع الجلباب على الرأس والبدن فقط لما فيه مزيد من الستر.
شروط الحجاب الشرعي
هناك مجموعة من الشروط التي ينبغي أن تلتزم بها المرأة ليكون حجابها شرعيًا أي كما أمر الله – عز وجل- وهي كالآتي:
ألا يكون مشابهًا لملابس الرجال، وذلك لأن تشبه المرأة بالرجال حرام شرعًا.
ألا يشبه لباس نساء الكافرون، فترك التشبه بهن هو أهم مقاصد الشريعة.
ألا ينتمي إلى لباس الشهرة أي الذي يُقصد بارتدائه الاشتهار بين الناس.
ألا يصب ولا يشف، فإن القصد من لباس الحجاب هو الستر وتجنب الفتنة.
ألا يكون زينة بذاته ليلفت أنظار الرجال.
أن يستر جميع البدن عدا الوجه والكفين، فلقد اختلف العلماء في ذلك ولكنهم اتفقوا في النهاية على وجوب سترهما تجنبًا للفتنة والتي أصبحت منتشرة في هذا الزمان.
ألا يكون مطيبًا أي لا ينبغي للمرأة أن تخرج متطيّب أو متبخرة فإذا وجد الرجال ريحها تعتبر زانية، والله أعلم.