ابحث عن أي موضوع يهمك
اذا صلى الامام ناسيا حدثه فكيف يكون حكم صلاته ذلك هو ما يدور حوله مقالنا التالي والذي نعرضه لكم في مخزن حيث إن النسيان هو أمر وارد لدى بني البشر خاصةً حينما يدخل إليهم الشيطان من باب الإلهاء عن الصلاة لما لها من أهمية كبيرة في العبادة، وقد يحدث أن يبدأ الإمام الصلاة وهو ناسياً أنه على غير طهارة وبعد البدء يتذكر أنه على غير طهارة أو وضوء فيتساءل حينها ماذا يجب علي أن أفعل.
في ذلك الأمر يكون الشخص أمام خيارين أولهما أن يخرج عن الصلاة ولكن ذلك قد يضعه بموضع حرج أمام المصليين المأموميين، أو أن يكمل صلاته وهو على ذلك الحال، ونظراً لمدى قدسية الصلاة فلا بد على جميع المسلمين إدراك ما يجب اتخاذه في ذلك الموقف من فعل لتجنب الوقوف في الإثم لأن العبادة لا يجوز الاستهانة بها، خاصةً أن الصلاة هي وقوف بين يدي الله سبحانه.
وفي ذلك قد ورد حديث شريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول به (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وعلى ذلك فإن من بدأ صلاته وهو يعلم أنه على غير طهارة فإنه آثم وصلاته باطلة، أما من بدأ الصلاة ناسياً ذلك ثم تذكر في أول الصلاة أو وسطها حرم عليه أن يستمر بها، وذلك لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه).
الإجابة على ذلك السؤال هي (صحيحة)، والدليل على ذلك ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام ذات يوم وتوضأ ليصلي الفجر وبعد أن بدأ صلاته تذكر أنه على جنابة، فقال لهم: «مكانكم»، ثم ذهب وجاء وقد اغتسل، وهو ما يفيد أن الصلاة للإمام أو أحد المأمومين تكون باطلة إن كانت على غير طهارة، وفور أن يعلم الإمام أنه كذلك لا يصح له حينها الاستمرار بالصلاة.
وقد وجه إلى الشيخ ابن باز أن هناك إمام عندما كان يصلي لم يكن على وضوء ولكن بغير علم له عن الأمر أو إدراك إلا بعد وصوله إلى الركعة الثانية من الصلاة وقد تذكر حينها ولكنه أتم الصلاة، ثم ذهب ليتوضأ فكيف يكون حكم صلاته، وما هو حكم صلاة المؤمنين.
فكانت إجابة الإمام ابن باز أنه في حالة تذكر الإمام خلال الصلاة أنه غير متوضيء فإن استمراره بالصلاة يكون في ذلك الوقت حرام، ولكن إذا استمر ولم يكن المأمومون على بذلك إلى أن أتموا صلاتهم ففي رأي جمهور الفقهاء تكون صلاة المؤمنين صحيحة، أما صلاة الإمام وحده هي الباطلة.
ويستدل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (يصلّون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساؤوا فلكم وعليهم)، ولكن في حالة علمهم أن الإمام الذي يصلي بهم غير متوضيء أو أنه على غير طهارة فلا يجوز لهم الاستمرار وإن فعلوا ذلك فصلاتهم باطلة.
يرى جمهور الفقهاء أن الإمام إن كان قد بدأ صلاته وهو على طهارة ومتوضيء، ثم وفي أثناء الصلاة قد انتقد وضوؤه فإن صلاته وحده تفسد وعليه إعادتها، أما عن حكم صلاة المؤمين خلفه فهي صحيحة، في حين أن بعض من الحنابلة يستخلفون من يتم الصلاة بهم، أو يتمون صلاتهم منفردين لأنفسهم.
وكما ورد في بعض من كتب الأحناف مثلما ورد في كتاب للمنبجي عنوانه (اللباب في الجمع بين السنة والكتاب) أن إمام قد صلى بقوم وهو على غير وضوء، فقيل أن عليهم جميعاً إعادة الصلاة، ولكن الصحيح في ذلك الموضع ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام، حيث جعل الإمام ليُقتدى بأفعاله، ويُؤتم به حيث قال الله تعالى في في سورة البقرة، الآية 124 (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) بمعنى أنه يأتمون به، وتلك حقيقة الإمام في الشرع واللغة، وعلى هذا فإن من خالف إمامه لا يكون متّبعاً إليه.
قد يحدث أن يصلي المؤمومين خلف إمام غير متوضيء وبعد أن يفرغ من صلاته ويتذكر أنه كان على غير وضوء يخبرهم مما يجعلهم يتساءلون حول ما إذا كانت صلاتهم صحيحة أم باطلة، وفي ذلك ذكر ابن قدامة رحمه الله أنه “إذا صلى الإمام بالجماعة محدثا، أو جنبا، غير عالم بحدثه، فلم يعلم هو ولا المأمومون، حتى فرغوا من الصلاة، فصلاتهم صحيحة، وصلاة الإمام باطلة”، وهو ما ورد عن كل من علي وعثمان وعمر وابن عمر رضي الله عنهم جميعاً، كما قال بذلك الحكم الإمام الشافعي.
وقد روي أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قد صلى الصبح بالناس، ثم وجد احتلاماً في ثوبه، فقام بإعادة الصلاة وحده أما المأمومين فلم يعيدوا، كما روي في ذلك أن عثمان رضي الله عنه قام وصلى صلاة الفجر بالناس وحين أصبح وارتفع النهار فإذا هو بأثر الجنابة، فقام بإعادة الصلاة، ولم يأمرهم أن يعيدوا.
وعن الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال (إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد، ولا آمرهم أن يعيدوا)، (وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى بهم الغداة، ثم ذكر أنه صلى بغير وضوء، فأعاد ولم يعيدوا).
ورد أمام لجنة للإفتاء أن هناك رجلاً قد صلى صلاتي الظهر والعصر إماما وهو جنب وكان خلال الصلاة على غير علم بجنابته وبعد أن أتم صلاته تذكر، فماذا يجب عليه أن يفعل في تلك الحالة، وكانت إجابة دار الإفتاء على هذه المسألة كما يلي:
” يجب عليك إعادة صلاتي الظهر والعصر بعد أن تغتسل غسل الجنابة، ويجب أن تعجل بذلك، أما من صلى وراءك هذه الصلوات فلا يجب عليهم إعادتها، فإن عمر رضي الله عنه صلى بالناس صلاة الفجر وهو جنب وقد كان ناسيا فأعاد الفجر ولم يأمر من صلى وراءه تلك الصلاة أن يعيدها، ولأنهم معذورون لكونهم لا يعلمون حدثك “.
ولكن إن علم المأموم بذلك وأراد أن يعيد صلاته أو أنه أعادها اعتقاداً منه أنه يفعل الصواب فهو اجتهاد منه ولا حرج عليه به وهو مأجور على ذلك بأمر الله ولكنها زيادة، ولكن عليه أن يكون على دراية بالحكم الشرعي لتلك المسألة بأنه لا ينبغي عليه إعادة الصلاة حيث كانت صلاة صحيحة.
إلى هنا عزيزي القارئ نكون قد أوضحنا في مخزن إجابة سؤال اذا صلى الامام ناسيا حدثه سواء كان غير متوضيء وعلى غير طهارة، أو لأنه جنب، حيث يجب عليه أن يخرج عن الصلاة ويذهب ليزيل حدثه ثم يعود ويصلي، أما عن المؤمنين فإن صلاتهم صحيحة ولا ينبغي إعادتها إن لم يكونوا على علم بذلك.