ابحث عن أي موضوع يهمك
إنّ فضل سورة البينّة جليل وعظيم لكل مسلم، حيث توضّح جزاء العباد الساعين لمرضاة الله سبحانه ومن يعمل صالحًا، لكي يفوز في الدنيا والآخرة بلقب خير البرية، وتُعتبر منارةً للقلب إن تم التأمل والتدبر بعمق في معانيها ومعرفة أسرارها، فيتعلم المسلم منها الفضائل الكثيرة التي تهديه إلى الطريق المستقيم، وطريق الحق وتُوسع إدراكه، ومن بين الأسرار البسيطة التي قد نكشفها عن سورة البينة، أنَّ مقصدها بأولها يُوضح ويُبين المغزى من بعثة النبي عليه الصلاة والسلام والسبب وراء نزول القرآن الكريم، والإجابة عليها تأتي بالبينة والهدى، ويوجد العديد من الفضائل لسورة البينة، وفيما يلي بيان البعض منها:
من بين الأحاديث الواردة عن سورة البينة التالي:
وتلك الأحاديث بها من الفضل الرفيع والعظيم لأُبي بن كعب رضي الله عنه، حيث بها أمر من الله تعالى للنبي عليه الصلاة والسلام أن يقرأ هذه السورة على أُبي، وهو ما يشير لأنه أقرأ الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فله عند المسلمين منزلة عالية وعند النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنه صحابي جليل وأفضل من قرأ القرآن الكريم وأحد كتّاب الوحي.
وعن ابن كثير رحمه الله؛ أنّ قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم على الصحابي أُبي لم تكن قراءة استذكار وتعلم ولكن كانت قراءة تثبيت وإبلاغ، فالله تعالى يتولى الصالحين كما ويكون دائماً معهم، وعندما كان أُبي عبداً لله ورجلاً صالحاً حنيفاً قانتاً؛ فالله تعالى لم يتركه للأوهام والشكوك والشبهات، ولكن يسّر صحبة النبي صلى الله عليه وسلم له.
سورة البينّة سورة مدنية، عدد آياتها يبلغ ثمانية آيات، وتقع بالجزء الثلاثون وهو جزء عمّ، وكانت بداية السورة الكريمة الحديث عن النصارى واليهود وموقفهم تجاه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم عقب أن اتضح لهم الحق كما وسطعت أنواره، وعقب أن عرفوا أوصاف الرسول المبعوث في آخر الزمان وكانوا منتطرين مجيئه وبعثته، فحين بُعث النبي محمد خاتم الرسل لم يؤمنوا به وكذبوا رسالته.
ثم تحدثت السورة حول عنصر هام من بين عناصر الإيمان ألا وهو؛ إخلاص العبادة لله جل وعلا، وتحدّثت حول مصير أهل الإجرام، إذ وصفهم الله جل وعلا بأنهم هو شر البرية، وهم الكفار من المشركين وأهل الكتاب، وتحدثت حول مصير المؤمنين مثلما وصفهم الله سبحانه بأنهم هم خير البرية، وأنهم أصحاب أعلى المنازل، وقد بشرّهم بالخلود مع النبيين والصالحين والشهداء والصدّيقين بجنات النعيم.
يرجع السبب في تسمية سورة البينة بذلك الاسم لورود لفظ البينة بالآية الأولى منها، وهي قول الله تعالى (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ)، كما يوجد لسورة البينة العديد من المسميات من بينها سورة البريَّة، سورة القيامة، سورة المنفكين، وسورة لم يكن.
نزلت سورة البينة عقب سورة الطلاق، فاتفق الجمهور أنَّها نزلت بالمدينة، وقال آخرون أنَّها نزلت بمكة المكرمة، وقد حدث خلافٌ بسبب نزولها ما بين الصحابة إذ نقلَ ابن مردويه أن ابن عباس قال (نزلت سورة لم يكن في المدينة)، كذلك نقل ابن مردويه عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت (نزلت سورة لم يكن في مكة)، والله تعالى أعلم.
نزلت سورة البينة بالصحابي الجليل أبيِّ بن كعب رضي الله عنه، وورد بذلك أحاديث صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ روى أنس بن مالك رضي الله عنه ذلك فقال (قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأُبَيٍّ: إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ قالَ أُبَيٌّ: آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قالَ: اللَّهُ سَمَّاكَ لي فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي، قالَ قَتَادَةُ: فَأُنْبِئْتُ أنَّهُ قَرَأَ عليه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهْلِ الكِتَابِ}).
والسبب في ذلك أن الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي الله عنه قد سمعَ الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرةً يقرأ القرآن الكريم وكان ذلك بقراءةٍ لم يألفها، كما لم يسمعها من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، لذا أنكرها عليه وعقب خلافٍ بينهما بصحة القراءة ذهبَا لكي يحتكمَا لدى الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
فقاما بعرضَ قراءتيهما على النبي فأقرهما الرسول صلى الله عليه وسلم على كلا القراءتين، وأخبرهما أن كلًا منهما على صواب بذلك، فدخل الشك لقلب أبيّ ووقع بنفسه شيء من الريبة.
فأخبره حينها النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه أوحى له أن يقرأ القرآن الكريم على سبعة أحرف، ويشار لأن تلك القراءات من لسان قريش وكلها قراءات متواترة وصحيحة وثابتة عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
فالله جل وعلا لم يُرد ترك أبي بن كعب رضي الله عنه بأوهامه وشكوكه، حيث كان رجلًا تقيًا عابدًا لله تعالى يتبع أوامر الله ويجتنب نواهيه فهيأ الله تعالى له ما يُزيل من قلبه الشك ويزيده إيمانًا على إيمانه، لذا نزلت السورة الكريمة.
تضمنت سورة البينة بإطارها العام ما اتخذه أهل الكتاب من موقف تجاه رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسألة إخلاص العبادة لله سبحانه، كما تضمنت ذكر مصير الأشقياء والسعداء بالدار الآخرة، ومما اشتملت عليه سورة البينة كذلك ما يلي:
البينة، هي الحجة الواضحة.