ابحث عن أي موضوع يهمك
تعد سورة البلد أحد السور العظيمة بالقرآن الكريم، إذ يتحرى المسلم عبرها معاني إسلامية كثيرة هامة والتي ينبغي على جميع المسلمين إدراكها، كما تتضمن مبادئ إسلامية ضرورية وأساسية يلزم معرفتها وتدبرها، ويتبين فضل سورة البلد ببعض الأحاديث الواردة عن الصحابة الأجلاء والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن أبرز ما ورد حول فضل سورة البلد التالي:
سورة البلد من بين سور المفصل المكيّة، وتعرف كذلك بسورة فلا أقسم، وقد نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل سورة الطارق وعقب سورة ق، وتُعتبر هي السورة الخامسة والثلاثين بترتيب النزول والسورة التسعين بترتيب سور المصحف العثمانيّ، وآياتها العشرون تقعُ بالربع السادس من الحزب الستين من الجزء الثلاثين، وهي أحد السور القرآنية التي افتتح الله آياتها بأسلوب القسم من خلال استخدام اللام لتأكيد وإثبات القسم، وبذلك دليل على تكريم المُقسَم به.
إنّ العلماء المشتغلين بأسباب النزول ممن صنّفوا بها كتبًا لم يضعوا سببًا بنزول سورة البلد على العموم، ومن بينهم السيوطي حيث لم يذكرها بكتابه (لباب النقول)، وكذلك لم يذكرها الواحدي بكتابه (أسباب النزول)، ومن المفسّرين من يعقد ببداية تفسيره لها بعض أسطر يتحدّث بها عن أسباب النزول، ولكن لم يذكر بالرغم من ذلك أحدًا منهم أسباب لنزول سورة البلد، ولكن ورد سبب نزول لبعض آياتها وهي:
وهي الآية الخامسة من بين آيات سورة البلد، وقد ورد بسبب نزولها أنّها نزلت برجلٍ اسمه (أبا الأشد بن كلدة الجمحي)، وكان ذلك الرجل مغترًّا بقوته الجسدية ومعتدًّا بنفسه، وكان هذا الرَّجل شديد العداء للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك ورد عن ابن عباس أنّ أبي الأشد ذكر إنّه قد أنفق بعداوة الرسول صلى الله عليه وسلّم الكثير من المال، وهو كاذبٌ في ذلك القول، ونزلت به الآية السابقة؛ وتعني أيحسب هذا المغتر والمتكبّر بما يتمتع به من قوّة البدني أن لن يقدر عليه الخالق جل وعلا.
وقد ورد إنّها إنكارًا لما يدّعيه ويقوله أبو الأشد وآخرين من الناس ممن يتصفون بصفاته، واغتراره بالأموال التي أنفقها في سبيل عدائه للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وذلك ما كان يفعله أهل الجاهليّة؛ إذ يفتخرون بالمال الذي ينفقوه بهدف إظهارهم أنهم لا يكترثون بالمال.
وقد ذكر مقاتل أنّها قد نزلت برجلٍ اسمه الحارث بن عامر بن نوفل، فبيومٍ من الأيام أقترف الحارث ذنبًا ما؛ فذهب للرسول صلّى الله عليه وسلم حتى يأخذ مشورته ويستفتيه في أمر ذنبه، فأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم بدفع كفارةً حتى يغفر الله له ما قد اقترف من ذنبٍ ويتوب عليه، ولكن الحارث ادّعى أنّه منذ دخوله دين النبي صلّى الله عليه وسلم وإسلامه أنفق جلّ ثروته وماله على النفقات والكفارات، ويمكن أّنه ندم على المال الذي أنفقه، أو أنّه كذب وبالغ بما قال، لذا نزلت الآية السابقة من سورة البلد.
وقد ورد بأحد التفاسير أنّ زوجة أبي لهب كان لديها قلادةً ذهب، وقامت ببيعها حتى تنفق ثمنها على عداء النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول تعالى بسورة البلد: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)، ويعد لفظ النجدين من الألفاظ التي قد انفردت سورة البلد بها، وكلمة النجدين مفرد كلمة نجد، ويشير معناها للسبيل والطريق، ويقصد في هذه الآية بها الطريقيْن، أي طريق الخير وطريق الشر، حيص فرق الله تعالى لعباده بين طريق الخير وطريق الشر عبر بعثه الأنبياء والرسل عليهم السلام منذ بدء الخليقة، وطريق الخير يتحدد بكل ما يسير الإنسان به من أعمال تتضمن فعل الخيرات والتوحيد والأعمال الصالحة بالقول والفعل، وطريق الشر يتحدد بجميع ما يقوم الإنسان به من أعمال تتضمن الشرك والكفر واتباع الهوى والضلال والاستماع لوسوسة الشيطان، وتشير كلمة وهديناه للبيان والبلاغ الذي منحه الله تعالى للإنسان من خلال الأنبياء والرسل.
سميت سورة البلد بهذا الاسم لأنّ الله سبحانه قد ابتدئها بالقسم بالبلد الحرام ويقصد به مكّة المكرّمة (لَآ أُقْسِمُ بِهَٰذَا ٱلْبَلَدِ)، وبذلك تعظيمًا لشأنها، حيث شرف الله تعالى مكة فجعل بها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين، وقد ورد بترجمة سورة البلد بصحيح البخاري أنّ اسمها: لا أقسم، بينما بالمصاحف وفي كتب التفسير تعرف بسورة البلد.
اشتملت سورة البلد على جزءًا من المواضيعِ التي تقوم السور المكيّة بمعالجتها كأصول العقيدة الإسلامية والحساب والبعث والجزاء والتمييز بها ما بين المؤمنين المتقين والفجّار الكفار، كما تضمنت السورة بعض المواضيع من بينها:
ورد عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّه قال: (من قرأ هذه السورة أعطاه اللّه تعالى الأمان من غضبه يوم القيامة، ونجّاه من صعود العقبة الكئود، ومن كتبها وعلّقها على الطفل، أو ما يولد، أمن عليه من كلّ ما يعرض للأطفال).