تُعد العفة هي خُلق كريم عظيم حث عليه الدين الإسلامي، وجاء ذلك في الأحاديث النبوية الشريفة والقرآن الكريم، وظهرت العفة في المواقف الكثيرة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعفة هي خُلق من الأخلاق التي تعمل على إبعاد صاحبها عن كل ما فيه معصية وخطأ، والنأي بالنفس وتنزيهها عن رغبات الدنيا والُمحرمات والكبائر، والحفاظ على النفس في حالة من العفاف.
مقدمة بحث عن العفه
نبدأ بحثنا بالحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد رفع دين الإسلام مكانة الإنسان ونزهة عن كافة الأفعال الشيطانية، ويكون الخُلق الحسن هو صفة من صفات الإنسان التقي المؤمن، ومن المعروف أن النفس البشرية إمارة بالسوء، فمن الممكن أن تغلبها الشهوات، والرغبات، وفي حالة اتبع الإنسان شهواته، فإنه بذلك يكون في طريق المعاصي والذنوب، وإن خلق العفة يُعد واحد من أهم الخٌلق التي يلزم على الفرد التحلي بها، حيث تبعد الفرد عن كافة المعاصي والذنوب.
تعريف العفه
تشتق كلمة العفة في اللغة من العفاف، وهو يعني كف واستعف، بينما يٌقصد بها في الاصطلاح أنها تعني ضبط النفس والبُعد عن كافة المُحرمات والشهوات، والاقتصار على إعطاء الإنسان لنفس حاجتها من كافة الأمور، بمعنى أن يتم الحفاظ عليها في حالة من الاكتفاء الصحي والبدني والجسدي دون زيادة، ومنع النفس من الإسراف في اللذات والاعتدال في هذا الأمر، ومن الجدير بالذكر أن كلمة العفة يقصد بها كبت جماح الإنسان لنفسه والنأي بها عن كافة المعاصي أو أمر يٌبعد المرء عن الله تعالى ويٌخالف أوامره.
أنواع العفه
تُعد العفه هي خٌلق من الأخلاق التي تذهب بالإنسان إلى مجاهدة النفس ومنعها من الحرام، وإن للعفه مجالات وأنواع، ومن خلال النقاط التالية نذكر نذكر تلك الأنواع:
عفه الفرج: يٌقصد به أن يحمي الفرد فرجه ويبعد به عن كل ما حرم الله تعالى من الرذائل، ومن ثم يحمي نفسه من الوقوع في الزنا أو النظر إلى المُحرمات والمشاهد الإباحية، حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم عن عفة الفرج في سورة النور في الآية رقم 33 “وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”.
عفة اللسان: يقصد به حفظ اللسان والتعفف عن كل الأقوال والأحاديث التي أنهى عنها الدين الإسلامية، والتي تتمثل في الغيبة والنميمة والاستهزاء والسخرية من الآخرين أو التنابذ بالألقاب، والحديث عن أعراض المسلمين والمسلمات.
العفة عن الآثام: يقصد به التعفف عن الآثام والابتعاد عن ظلم الآخرين وظلم النفس، وعدم المجاهرة بالمعاصي والابتعاد عنها، والحفاظ على النفس في حالة من الطاعة والالتزام بأوامر الله تعالى.
العفة عن سؤال الناس: وهي أن يتعفف الإنسان أن يسأل غيره أن يعطوه المال، فتجد المسلم عزيز النفس، يستغني عن سؤال الناس بسؤال الله عز وجل، حيث قال الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم في سورة البقرة في الآية رقم 273″ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ “.
عوامل تحقق العفة
يوجد عدد من العوامل التي اتي يتم من خلالها تحقيق العفة، ومن خلال النقاط التالية نذكر تلك العوامل:
الإيمان الصادق والحقيقي الذي يستحضر في قلب الإنسان الخوف من معصية الله تعالى، والذي يحث النفس على الالتزام بأوامر الله -سبحانه وتعالى-.
الإكثار من النوافل، فهي تقرب الإنسان إلى الله تعالى.
التربية الروحية التي تتولد وتنشأ عندما يُكثر الإنسان من اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع والتهجد، والإكثار من العبادات وقراءة القرآن الكريم.
نشر التوعية بين الناس من خلال بيان فوائد العفة التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير والصلاح.
الاستمرار على قراءة القرآن الكريم.
الإكثار من الاستغفار والدوام على قراءة الأذكار.
ثمرات العفة
نتناول في هذه الفقرة أهم ثمرات العفة، تأتي تلك الثمرات كما يلي:
العفة تجعل الإنسان من السبعة الذين يظلهم الله تعالى بظله يوم لا ظل إلا ظله.
العفة مرافقة لعون الله تعالى.
العفة تكون السبيل من سبل التي تؤدي إلى تفريج الهموم وزوال الكروب عن الإنسان.
العفة تنجي الإنسان من العذاب يوم القيامة.
العفة عن الأموال التي ليس للإنسان حق فيها يزيد في مال الإنسان، ويطرح فيه البركة.
انتشار العفة في المجتمع يعمل على انتشار الثقة بين الأفراد وزيادة التلاحم بينهم.
العفة في ضوء القرآن الكريم
العفة من الأخلاق التي حث عليها القرآن الكريم، في الكثير من الآيات الكريمة، حيث ورد ذكر لفظ بشكل صريح، كما ورد ذكر بعض الآيات التي تنهى عن الفواحش، والتي تُشير إلى معنى العفة، ومن خلال النقاط التالية نذكر تلك الآيات:
العفة هي صفة من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث ظهر هذا الخلق كما أسلفنا في الفقرات السابقة أنها ظهرت في مواقف رسول الله، والدليل على ذلك ما رواه أنس بن مالك “مَرَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ، فقالَ: لَوْلا أنْ تَكُونَ مِن صَدَقَةٍ لَأَكَلْتُها. وقالَ هَمَّامٌ، عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: أجِدُ تَمْرَةً ساقِطَةً علَى فِراشِي”، ويشير هذا الحديث إلى مدى عفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتزامه بكافة أشكال وأنواع العفة.
كما يوجد حديث رواه أبو سعيد الخدري رضى الله عنه يبين أجر المستعفين حيث قال ” إنَّ نَاسًا مِنَ الأنْصَارِ سَأَلُوا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فأعْطَاهُمْ، حتَّى نَفِدَ ما عِنْدَهُ، فَقَالَ: ما يَكونُ عِندِي مِن خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ”.
خاتمة بحث عن العفة
نختم بحثا عن العفة، بأن أن العفة خُلق عظيم لا بد لكل مسلم ومسلمة أن يتحلوا بيها، وأن يجاهدوا أنفسهم، ويبتعدون عن المحرمات والشهوات حتى يصلوا إلى تمام العفة وكمالها، وتكون العفة هي الأخلاق التي تعين الإنسان على الالتزام بأوامر الله والابتعاد عن ما نهى عنه، ومن ثم يكون عينا أن نسأل الله العفة والهدى والتقى والثبات على دين الإسلام.