حسب ما توصل إليه إبن عباس وإبن مسعود والحسن وعكرمة رضى الله عنهما إلى أن سورة الكافرون نزلت في مكه المكرمة ونزلت سورة الكافرون عقب نزول سورة الكوثر.
وقال إبن عباس في موقف أخر هو وعبد الله بن الزُّبير وقتادة والضحاك رضي الله عنهما إلى كون سورة الكافرون نزلت في المدينة المنورة.
وتبلغ عدد أيات سورة الكافرون إلى ست أيات وأما بالنسبة لعدد كلماتها فهو ست وعشرون كلمة وتصل عدد الحروف إلى أربعه وتسعون حرفاً.
وحسب ما قاله الإمام المراغي أم مناسبة سورة الكافرون لما قبلها وهي سورة الكوثر أنّ الله سبحانه وتعالى أمر رسولنا الكريم صلى الله علية وسلم بعبادته وشكره والامتثال لأوامره واجتناب نواهيه والإخلاص التام لله عز وجل جلاله، وفى سورة الكافرون توجد إشارة لنفس المعاني والأوامر.
وأما عن سبب التسمية بسورة الكافرون فيرجع السبب إلى ذكر كلمة الكافرون فيها كما يرجع إلى ترتيب السورة في المصحف فهي تعد السورة رقم 109 في المصحف الشريف.
وتضمنت السورة براءه من الكافرون وما يعملون والإخلاص لله عز وأجل وأتباع أوامره واجتناب نواهيه.
ويوجد لسورة الكافرون عدة مسميات أخرى منها: سورة العِبادة، وسورة المقشقشة أي المبرئة من الشرك، وقد ورد هذا الاسم في التفسير الوسيط للطنطاوي، سورة الجحد، وسورة الدِّين، وقد ذكرها الواسطي في تفسيره سورة المُنابذة، وسورة الإخلاص، وقد وردت هذه الأسماء عند الزّحيلي في تفسيره.
سبب نزول سورة الكافرون
وقد قال ابنُ عباس رضي الله عنه عن السبب وراء نزول سورة الكافرون أن مجموعة من كبار قبيلة قريش في مكه منهم الوليد بن المُغيرة وأبي جهل وغيرهم من سادة قريش ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يكون له الملك عليهم ، وأن يتخلى عن دعوته للدين الإسلامي وقالوا له إذا كنت لا تريد أن تكون ملكاً علينا فنعقد اتفاقا بأن تعبد ألهتنا يوماً ونعبد إلهك يوم وبالطبع لم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم لن أعبد ما تعبدون من دون الله ولا أنتم عابدون ما أعبد.
وذكر أيضاً في رواية أخري أن جماعه من رجال قريش ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له “يا محمد، هلمّ اتّبع ديننا ونتّبع دينك”،فنزلت السورة في هذا الموقف.
وقد ذكر إبن عباس رضي الله عنه أن بعض المشركين ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدموا له المال الكثير حتى يصبح من أغنى أغنياء قريش وأن يختار أحلى وأجمل نساء القبيلة ويتزوجها وهذا في مقابل أن يتخلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعوة للإسلام وأن يعبد ألهتهم يوماً وفي المقابل سيعبدون إلهه يوماً فنزلت سورة الكافرون في هذا الموقف.
وقد ذكر بعض المفسرين رواية أخري وهي أنه إثناء تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لسورة النجم في مكه المكرمة على الكافرين وعند وصلوله للأية التي تحتوي على أسماء الأصنام والتي يعبدها المشركين ظنوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دخل في دينهم ،فرد عليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ونزلت سورة الكافرون بسبب هذا الموقف وعندما قام النبي صلى الله عليه وسلم بتلاوتها عليهم سبوه وآذوه لأنهم تأكدوا أنه تبرأ منهم ومما يعبدون من دون الله.
وودت رواية أخري عند بعض المفسرين وهي أن المشركين كانوا يستهزئون برسول الله عليه الصلاةُ والسلام إثناء تلاوته لسورة النجم في مكه المكرمة فلما وصلى النبي صلى الله عليه وسلم لقول الله سبحانه وتعالى-: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى)، قالوا: “ألقى الشيطان على لسانه” فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالرد عليهم ، فطلبوا منه عليه الصلاةُ والسلام أن لا يفارق الكعبة الشريفة إلا إذا قام بعبادة ألهتهم والإيمان بمعتقداتهم ودينهم أو أن يؤمن ببعض دينهم وهم في المقابل سوف يدخلون معه في بعض دينه ويعبدون ألهه ،أو يختار أن يتبرأ منهم ومن دينهم ومما يعبدون من دون الله عز وجل وهم في المقابل سوف يكفرون بدين الإسلام ولا يتبعونه ولا يومنون بإلهه فنزلت سورة الكافرون بسبب هذا الموقف وتلاها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ردا على طلبهم هذا.
فضل سورة الكافرون
تعبر سورة الكافرون من الصورة العظيمة ولها فضل كبير وقد ورد فضل سورة الكافرون في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة.
فقد ذكر أنه إذا قرأها المؤمن فإن ثوابها يعادل ثواب قراءة ربع القرآن الكريم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ قرأَ قُلْ يَا أيُّهَا الْكَافِرُونَ عَدَلَتْ لهُ بِرُبْعِ القُرآنِ، ومَنْ قرأَ قُلْ هو اللهُ أحَدٌ عَدَلَتْ لهُ بِثُلثِ القُرآنِ).
كما ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة الكافرون كثيراً فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قراها إثناء ركعتي الطواف ، وإثناء ركعتي الفجر كما كان يقرأها قبل صلاة الفجر وعقب صلاة المغرب وقبل الخلود إلى النوم.
وقد ذكر أن قراءتها قبل النوم براءه من الشرك بالله سبحانه وتعالي استناداً إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم -: (اقرأْ قُلْ يَا أيُّهَا الكَافِرُونَ عند منامِك، فإنها براءةٌ من الشركِ)، كما أنها تقرأ إثناء الرقية الشرعية.
تفسير سورة الكافرون
قل يا أيها الكافرون: وفي هذه الأية ذكر لحقيقتهم وأسمهم الحقيقي ولذلك ناداهم به وأطلق عيهم صفتهم الحقيقية فهم يكفرون بدين الله ولا يؤمنون به ولا يوحدونه فهم كافرون.
لا أعبد ما تعبدون: فأنا أعبد وأؤمن بما لا تعبدونه ولا تؤمنون به فأنا أومن بالله عز وجل ليس كمثله شيئاً وهو إله واحد لا شريك له وأنتم تكفرون به وأنا لن أقوم بعبادة ألهتكم وأصنامكم.
ولا أنتم عابدون ما أعبد: وأنتم لن تقوموا بعبادة ما أعبد حتى لو قلتم هذا بأفواهكم فقلوبكم كاذبة.
ولا أنا عابد ما عبدتم :وهذا تأكيد على الأية الأولى فقد أكد تبرأه من عبادتهم والهتم فقد كرر نفي عبادته لكي ييأسوا من دعواهم له بعبادة ما يعبدون من دون الله عز وجل.
ولا أنتم عابدون ما أعبد: وفي هذه الأية أيضاً تأكيد على الأية الثانية أن المشركين لن يعبدون ما يعبد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الله تعالى الواحد الأحد كي لا يبقى شك في هذا الأمر بعد التأكيد. وكما ذكر أبو مسلم الأصفهاني في معنى الأية السابقة: لا أنا عابد عبادتكم، ولا أنتم عابدون عبادتي.
فهناك اختلاف تام بين ما يعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما يعبد المشركين فليس هناك تشابه لا في العبادة ولا المعبود فالرسول صلى الله عليه وسلم يعبد الله عز وجل وحده ولا شريك له والكافرون يعبدون الأصنام ويشركون بالله تعالى ولا يؤمنون بدينه.
لكم دينكم ولي دين: لكم دينكم وألهتكم ومعتقداتكم التي تؤمنون بها فهي خالصة لكم ولي ديني الذي أؤمن به والله الواحد الأحد الذي أدين له بالعبادة والتوحيد فلا تعقدوا أنى سوف أؤمن بدينكم أو ببعض منه.
