ابحث عن أي موضوع يهمك
يصل المسلم لدرجة الإحسان باتباعه لدين الله تعالى وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة المفروضة، حيث إنّ الدين عند الله سبحانه ثلاث درجات، إسلام، إيمان ثم إحسان، ويوجد إجماع من العلماء حول أنّ المؤمن هو أعلى درجة للمسلم، والمُحسن أعلى من المؤمن درجة، وقد قال تعالى في سورة فاطر الآية 32 (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ).
ويقصد بالظالم نفسه في تلك الآيات صاحب الذنب ممن أصرّ على ذنبه، فهو بالظاهر مسلمًا ومصدقًا بالباطن ولكنّ لا يؤتي ما يفرضه إيمانه عليه من الفرائض من اجتناب المحرمات، وذلك هو الإيمان، بينما السابق للخيرات ممن يؤدي النوافل والفرائض فقد بلغ درجة الإحسان.
الإحسان، هو ما أوضحه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينما قال لجبريل عليه السلام (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وهو ما يعني استحضار مراقبة الله جلّ وعلا للعبد خلال أدائه للعبادة إلى إن يؤديها على أكمل وجه، وكأن حساب الله سبحانه سوف يأتي عليها بالقريب العاجل، حيث إن العبد إن لم يكن يرى الله لضعفه وعجزه، فالله عز وجلّ يراه بكلّ وقت وحين، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم بالعديد من الآيات، كقوله تعالى في سورة الحديد الآية 4 (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ)، وقوله تعالى في سورة ق الآية 16 (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ).
إن مراتب الدين هي ثلاثة؛ أوّلها الإسلام ويقصد به ظواهر الأعمال والذي يظهر على الجوارح، والثانية هي الإيمان وهو بواطن الأعمال ويكون محلّه القلب، والأخيرة هي الإحسان، وهو أعلى المراتب، وقد ذكرت مراتب الدين فيما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ فَقالَ: ما الإيمَانُ؟ قالَ: الإيمَانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلَائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، وبِلِقَائِهِ، ورُسُلِهِ وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ. قالَ: ما الإسْلَامُ؟ قالَ: الإسْلَامُ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، ولَا تُشْرِكَ به شيئًا، وتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وتَصُومَ رَمَضَانَ. قالَ: ما الإحْسَانُ؟ قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ).
الإسلام لغة يقصد به الإذعان والانقياد والاستسلام، وفي الاصطلاح هو توحيد الله جل وعلا والاستسلام والانقياد والخضوع له وحده، وفيما يلي تفصيل وبيان معناه، إنْ أتى لفظ الإسلام في المطلق بغير اقترانه مع كلمةٍ أخرى فإنه الدين كلّه باطنه وظاهره من أقوالٍ، واعتقادات وأفعالٍ، ، والإيمان يعد جزء منه استناداً لقوله تعالى في سورة آل عمران الآية 85 (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
إن اقترن لفظ الإسلام بالإيمان فيُراد حينئذٍ كُلّ قولٍ وفعلٍ ظاهرٍ يقوم العبد به استناداً لقوله تعالى في سورة الحجرات الآية 14 (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
وما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عندما وصف سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه رجلاً بأنه مؤمن والرسول عليه الصلاة والسلام يَصفه بالمسلم ويَردُّه لأنّه لا يدري بما في قلبه، حيث روى سعد: (فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما لكَ عن فُلَانٍ، واللَّهِ إنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا؟ قالَ: أَوْ مُسْلِمًا).
المعنى الخاص للإسلام
الإيمان لغةً يقصد به التصديق ويستدل على ذلك بقوله تعالى في سورة يوسف الآية 17: (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)، والإيمان يُعرّف اصطلاحاً بأنه إن ورد لفظ الإيمان دون أن يقترن بالإسلام ولكن يأتي مفردًا فيُقصد به التصديق وكذلك الانقياد إلى كُل ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتضمن ما يقوم المسلم به من أعمال وأقوال عملية وأخرى قلبيّة).
وقد وردت آيات قرآنية عدة وأحاديث نبوية تدلّ على ذلك المعنى، كقوله تعالى في سورة النمل الآية 2، 3: (هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)، وما أخرجه الإمام الترمذي بسُننه عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه- أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يَدْخُلُ الجنةَ إلا نفسٌ مؤمنةٌ).
إن أتى مقترناً بلفظ الإسلام فإنه يعني التصديق؛ بمعنى اليقين والتصديق بالأركان الستّة والمعتقدات التي ذكرت في الحديث، ولعل أساس وأصل مَرتبةَ الإيمان هو الإيمان بالله سبحانه، فلا يتحقَّق إيمان العبد دون إيمانه بالله ودون شهادة أنْ لا اله الا الله وتصديقها والإقرار بها، فجميع من يُؤمن بالله سوف يؤمن بأركان الإيمان الباقية؛ لأنَّها جميعها تابعة إلى الإيمان بالله تبارك وتعالى.
الإحسان لغةً إتقان وإتمام العمل على أكمل نحو والإخلاص به، والإحسان أعلى مستوى بمراتب الدين؛ حيث يجمع فيما بين الإيمان والإسلام، فيُحسّن العباد الأفعال القلبية والعملية.
ويتمثّل الإحسان في مقامين، أولهما عبادة الله كأنَّ المسلم يراه، والثاني إذا لم يكن المسلم يراه فإنه الله يراه، والمقصود من الإحسان استشعار وجود رقابة الله تعالى ورعايته، واليقين برؤية الخالق جل وعلا للعباد، وقد قال تعالى في سورة الشعراء الآية 217: 218 (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ).
حيث إن المسلم ممن يَتعبَّد الله سبحانه عند مشاهدة أفعال الله بقلبه فإن ذلك يُثمر خوفًا وخشيةً وتعظيماً لله، حيث لا يتحقَّق الإحسان دون الامتثال إلى درجات الإيمان لأحكام الإسلام، وتتمَّةٌ مراتب الإحسان هي الدين، والإحسان يدخل بأفعال العباد جميعها باطنها وظاهرها، والذي يقوم مقام الإخلاص، حيث إن الله جل وعلا مُطَّلع على حال العباد وخفايا النفوس.
إن العلاقة بين مراتب الدين تتمثَّل بما يلي: