بدأت الدولة العثمانية في السقوط والاضمحلال بعد وفاة السلطان العثماني سليمان القانوني وتحديداً في عام 1566 ميلادياً، حيث إنه بمجرد موت السلطان سليم هذا كان بمثابة انتهاء عصر السلاطين العظماء في الدولة العثمانية، ومنذ ذلك الحين بدأت مجموعة من التغيرات والتطورات السلبية في أن تطرأ على الدولة العثمانية لذا، فبدأت الدولة في أن تنحدر للأسفل حتى سقطت.
ومن أبرز النتائج الخاصة بتلك التطورات السلبية التي شهدتها الدولة العثمانية بعد موت السلطان سليم هي أن الجيش العثماني واجه مجموعة متتالية من الهزائم سواء عبر البحر أو البر، واستمرت تلك الهزائم المتتالية التي شهدتها الدولة العثمانية حتى عام 1718 ميلادياً.
وفي خلال تلك السنوات العديدة لم يظهر نهائياً أي سلطان كفء بتولي المهام الرئيسية للدولة العثمانية سوى اثنين فقط من السلاطين وهما السلطان مراد الرابع والسلطان مصطفى الثاني، ومع الكفاءة العالية التي كانوا يتمتعون بها وحسن إدارتهم للمواقف، ولكنهم لم يتمكنوا من إصلاح الأمور؛ نظراً إلى الوضع السيئ الذي قد وصل إليه حال الدولة العثمانية؛ نظراً إلى الهزائم المتلاحقة التي قد شاهدتها.
حيث إنه بعدما كانت الدولة العثمانية أي الإمبراطورية العثمانية تعتبر واحدة من أهم القوى الاقتصادية والعسكرية على المستوى العالمي حيث إنها كانت تسيطر على عدة أراضي على مستوى الكرة الأرضية بأكملها بداية من آسيا الصغرى وحتى جنوب شرق أوروبا وشمال أفريقيا.
كانت الدولة العثمانية تتحكم في الأرض على مستوى الشرق الأوسط ككل بصفة خاصة، وذلك بامتداد نهر الدانوب، وذلك ما مكن الدولة العثمانية من أن تحقق عدة إنجازات باهرة في مجال التجارة، وهذا ما جعلها تزدهر أكثر وأكثر، واستمر هذا الوضع حتى منتصف القرن الخامس عشر، وبدأت الأسطورة العثمانية في التفكك والانهيار.
ولكن الجدير بالذكر أن الدولة العثمانية تفككت وانهارت ببطء عبر مدى طويل الأمد للغاية، وعلى الرغم من المحاولات العدة التي كانت تهدف للتصدي لهذا الانهيار، ولكن الدولة العثمانية لم تستجب نهائياً لتلك المحاولات، على الرغم من مساندة بعض الدول الأخرى لها مثل ألمانيا التي قدمت لها الدعم المادي والمعنوي، ولكن هذا لم يمنع الدولة العثمانية من أن تسقط فوراً بعد الحرب العالمية الأولى.
أسباب سقوط الدولة العثمانية
هناك عدة أسباب ساهمت في سقوط الدولة العثمانية، وتتمثل تلك الأسباب فيما يلي:
الافتقار المتزايد لقدرة وقوة السلاطين العثمانيون
عدم وجود سلاطين أقوياء يُعد هو السبب الرئيسي وراء سقوط الدولة العثمانية حيث إن غالبية السلاطين الذين حكموا الدولة العثمانية لم يلتفتوا نهائياً إلى مصلحة الدولة العثمانية، ولكنهم بدؤوا في الانغماس في ملذات الدنيا واتباع أهوائهم وملذاتهم الشخصية فضلاً عن اهتمام بمصلحة الدولة العثمانية.
ومن أبرز الأمثلة على السلاطين الذين ساهموا في هدم الدولة العثمانية وسقوطها هو السلطان سليمان خان الأول حيث ابتعد السلطان سليمان خان عن الاهتمام بالمصالح الخاصة بالشؤون العامة للدولة، وفضل أن يتفرغ للاستمتاع بحريته وملذاته.
وكان السلطان سليمان خان يسند كافة الأمور الإدارية في الدولة العثمانية إلى الوزير الأعظم للدولة في ذاك الوقت، مما جعل الوزير الأعظم في عهد السلطان سليمان خان لديه فرصة في أن ينفرد بكافة الأمور الإدارية الخاصة بالدولة؛ مما جعل هذا المنصب يحتل المرتبة الثانية في الدولة العثمانية بعد السلاطين.
حتى وصل الأمر إلى جعل الوزير الأعظم له حق في أن يطلب الطاعة من كافة أفراد الشعب، وفي حال إن خالفه أحد، فيفاجئ بأنه يلاقي عقاباً مريراً للغاية.
اعتماد الاقتصاد العثماني على حرفة الزراعة
اعتمدت الدولة العثمانية على الحرف الزراعية بشكل كلي خاصة مع الغزو الصناعي الأوروبي الذي حدث في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر.
ولكن في هذا الوقت كانت الإمبراطورية العثمانية تعتمد بشكل رئيسي على المطاحن البدائية بدلاً من أن تعتمد على المصانع حتى تستطيع أن تنافس الدول الأجنبية الأخرى كدولة فرنسا وبريطانيا وروسيا.
لذا فهذا يعتبر من أهم الأسباب التي ساهمت في تدهور الوضع الاقتصادي للدولة العثمانية، حيث إنه عندما حان وقت الحرب العالمية الأولى لم تجد الدولة العثمانية لديها أي موارد تمكنها في خوض تلك الحرب نهائياً.
حيث إنه لم يكن لدى الدولة العثمانية أي قوة صناعية تكفيها بأن تنتج أي من الذخيرة أو الأسلحة النارية الثقيلة، وحتى لم يكن لديها أي موارد مالية كافية تمكنها من شراء تلك الأسلحة.
جهل غالبية الشعب العثماني
في بداية عهد الدولة العثمانية كان هناك العديد من الجهود المبذولة من أجل تحسين المستوى التعليمي لكافة أفراد تلك الدولة، ولكن مع بداية انهيار الدولة العثمانية كما أشارنا في السابق بدأت الدولة العثمانية من أن يبدو عليها بعض من مظاهر التخلف، وخاصة عندما يتم مقارنتها بالدول الأوروبية المنافسة.
ومع قدوم عام 1914 ميلادياً أجريت إحصائية في الدولة العثمانية أشارت إلى أنه هناك 5% من سكان الدولة العثمانية من هم فقط يستطيعون القراءة ومع نهاية هذا العام تغيرت تلك النسبة وأصبحت 10% فقط.
وهذا يشير إلى أن الدولة العثمانية عانت بشكل واضح من نقص حاد في المهن الأساسية في الدولة كالمهن الخاصة بالطب والهندسة وكذلك المهن العسكرية الهامة، وهذا ما ساعد في انهيار الدولة العثمانية وتخلفها عن باقي الدول.
نتائج سقوط الدولة العثمانية
سوف نقوم بعرض مجموعة بارزة من نتائج سقوط الدولة العثمانية في النقاط التالية:
بدأ الاحتلال الأوروبي في أن يسيطر على البلاد الإسلامية وذلك عبر محاولة بعض الدول الأوروبية من أن ينشروا العديد من العادات والتقاليد الخاصة بهم في العالم العربي وخاصة الدول الإسلامية.
قام البريطانيون والفرنسيون بالاتحاد معاً من أجل تقسيم دول الشرق الأوسط، ولكنهم لم يهتموا نهائياً بأي من العوامل العرقية الخاصة بمواطني تلك الدول، فعقب سقوط الدولة العثمانية مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى بدأت قوى استعمارية عظيمة في السيطرة على العالم.
وبعد مرور عدة سنوات بدأت دولتا سوريا والعراق في تشكيل تلك القوة الاستعمارية الهائلة التي شملت عدداً كبيراً من الفصائل والطوائف المختلفة، وهذا ما يجعلنا نلاحظ حالياً بأن دولة العراق يوجد فيها العديد من المواطنين الذين ينتمون للأكراد، علماً بأن تلك القوة الاستعمارية التي شكلتها دولة العراق ودولة سوريا ساهمت في استقرار دولة العراق لفترة طويلة للغاية في فترة عهد صدام حسين.
ومن أبرز النتائج التي تبعت سقوط الدولة العثمانية هي أن هناك العديد من الدول التي كانت جزءاً من الدولة العثمانية بدأت في أن تسترد استقلالها وتحريرها مرة أخرى، حيث بلغ عدد تلك الدول التي أصبحت مستقلة بعد نهاية الإمبراطورية العثمانية حوالي 56 دولة.
وبعدما استقلت تلك الدول عن الدولة العثمانية لم يبق نهائياً أي دول تابعة لتلك الدولة العثمانية، فأتى كمال أتاتورك في عام 1924، وقام بتأسيس دولة تركيا وجعلها بمثابة امتداد للدولة العثمانية.
