فُرض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة وتحديداً في شهر شعبان، علماً بإن سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام قد صام تسع رمضانات، كما أشار العديد من العلماء بإن أول إنسان صام هو سيدنا آدم عليه السلام، وذلك حدث بعدما نزل غلى الأرض بعد خروجه من الجنة، فأمره الله عز وجل بالصيام من أجل أن يكفر عنه سيئاته ويتوب عليه.
والجدير بالذكر أن تم فرض صوم رمضان من قبل الله عز وجل بعد مرور شهر تقريباً من تحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة بعدما كانت القبلة متجه إلى المسجد الأقصى.
ومنذ تلك اللحظة أصبح الصيام واجب على كل مسلم قادر وبالغ وعاقل، لذلك سوف يعاقب الله عز وجل المسلمين الذين لا يؤدون فريضة الصيام بالعذاب الشديد، إلا لمن كان له عذر مقبول كما قال الله تعالى :”شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” ( البقرة:185)
مراحل فرض الصيام
فرض الصيام على عدة خطوات ومراحل وتمثلت تلك المراحل في ثلاث مراحل رئيسية، شملت كل مرحلة عدة خصائص وظروف تختلف تماماً عن المرحلة التي سبقتها أو التي تبعتها، وهذا يتضح خلال الأسطر التالية:
المرحلة الأولى
عندما نتمعن أكثر في الشريعة الإسلامية نجد أن كافة المبادئ التي تقوم عليها تلك الشريعة تمتاز بانها ذات تدرج في إقرار الحكم النهائي، وهذا التدرج كان يستند على مبدأ مراعاة الظروف لكافة الأشخاص حرصاً على عدم إلحاق أي بأس أو ضرر بهم، لإن تلك الأحكام الشرعية لا تتغير أو تتبدل نهائياً مع تغيير المكان أو الزمان، وهذا المبدا هو ما قامت عليه المرحلة الأولى كما يتبين في الأتي:
في البداية فرض الله عز وجل على المسلمين صيام العاشر من المحرم الذي يُعرف باسم يوم عاشوراء، ويُعد هذا اليوم بمثابة الفرض الأول من الله عز وجل لفريضة الصيام على المسلمين.
علماً بإن هذا اليوم كانت تقوم قوم قريش بصومه في الجاهلية، كما أن سيدنا محمد عليه أفضل الصلوات والسلام كان يقوم بصوم هذا اليوم عندما كان يقطن في مكة المكرمة قبل أن يهاجر إلى المدينة المنورة بسبب بطش الكفار له ولمن أمنوا معه.
والجدير بالذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام أستمر في صوم هذا اليوم حتى أخر سنوات حياته، بمعنى أنه بعدما فرض الله عز وجل صيام رمضان على المسلمين ظل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يصوم يوم عاشوراء.
ولكن بعدما تم فرض صوم رمضان على المسلمين قام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بتخيير المسلمين ما بين صيام هذا اليوم أو إفطاره على حسب رغبة كل فرد، كما روت السيدة عائشة رضي الله عنها بإن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”مَن شَاءَ صَامَهُ وَمَن شَاءَ تَرَكَهُ” ( صحيح مسلم)
المرحلة الثانية
نسخ الله تبارك وتعالى وجوب تأدية فريضة الصيام الخاصة بصيام يوم عاشوراء بوجوب تأدية فريضة صيام رمضان عبر التخيير بين الصيام أو تأدية الفدية.
وهذه الفدية وردت في سورة البقرة في قول الله تعالى:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚوَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ” ( البقرة :183, 184)
المرحلة الثالثة
وتُعد تلك المرحلة هي الأخيرة من مراحل فرض الصيام حيث أن هذه المرحلة شهدت فرض الصيام على كل المسلميين من دون تخيير نهائياً لكل مسلم عاقل قادر، ومن هنا ألزمنا الله عز وجل بضرورة الالتزام بالصيام طول شهر رمضان.
كما ألزمنا الله تبارك وتعالى على ضرورة الامتناع عن أي من المفطرات التي قد تفطرنا خلال ساعات الصيام اليومية طوال الشهر الكريم، علماً بإن ساعات الصيام تبدأ منذ بزوغ الفجر وحتى غروب الشمس طوال الشهر المبارك.
فضائل شهر رمضان المبارك
يغفر الله عز وجل في شهر رمضان كافة الذنوب والخطايا للمسلمين الذين يتوبوا إلى الله عز وجل ويطلبون منه العفو والمغفرة عن الذنوب التي قاموا باقترافها طيلة السنوات الماضية، وعندما يأتي المسلم إلى ربه وهو تائب عن الخطأ الذي قام به في ليالي رمضان المباركة يمحو الله له كل الذنوب الذي قام بها بل أن الله يبدل تلك الذنوب والخطايا إلى حسنات تجعل هذا المسلم التائب يدخل الجنة.
وردت عدة أحاديث نبوية لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام تشير إلى أن للمسلم الصائم دعوة مستجابة يومياً لا ترد أبداً، إلى جانب أن شهر رمضان هو أكثر الأشهر السنوية التي يستجب الله فيها دعاء عباده، وذلك نظراً إلى أن شهر رمضان هو موطن الإجابة للأدعية والأمنيات المختلفة.
والجدير بالذكر أن شهر رمضان قد شهد حدثاً عظيماً وهو نزول القرآن الكريم، لذلك فإن اختيار الله عز وجل لهذا الشهر المبارك دون غيره من باقي اشهر السنة يشير إلى مدى تفضيل الله سبحانه وتعالى لهذا الشهر، فالله عز وجل أشار إلى فضل شهر رمضان في عدد كبير من الآيات القرآنية المختلفة التي ورد فيها مدى الخيرات التي تكمن في هذا الشهر، لذلك يجب على المسلم أن يلتزم في شهر رمضان بتأدية الصلوات والصدقات والزكاة من اجل أن ينال رضا الله سبحانه وتعالى.
أشارت عدة أحاديث نبوية على أن شهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار، كما أن هذا الشهر يشهد حبس الشياطين نهائياً كما قال سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام:”إذا جاء رمضانُ فُتِّحَتْ أبوابُ الرحمةِ، و غُلِّقَتْ أبوابُ جهنَّمَ، و سُلسِلَتِ الشياطينُ” ( صحيح الجامع) وهذا يكون بسبب إحساس الله عز وجل بالمسلمين ورغبته في أن يجعلهم يكثرون من طاعتهم وأعمالهم الصالحة حتى يرضى الله عز وجل عنهم.
ومن أهم فضائل شهر رمضان المبارك هي أنه يضمن ليلة القدر التي قال نبي الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام عنها بانها ليلة خير من ألف شهر، فالعبد الذي يتمكن من أن يؤدي كافة العبادات في تلك الليلة بأفضل طريقة ممكنة يغفر الله عز وجل له جميع الذنوب التي قام بها في حياته.
آداب الصيام في شهر رمضان
توجد عدة آداب من المفضل أن يتبعها المسلم خلال صيامه لشهر رمضان المبارك اقتضاءاً بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، تتمثل تلك الآداب فيما يلي:
الحرص على كسر الصيام بالتمر سواء التمر الطري أو التمر الجاف.
محاولة تأخير السحور مع الحرص على تبكير الإفطار.
عدم نسيان المسلم بإن يدعو الله عز وجل أثناء كسر الصيام.
ضرورة أن يتحلى المسلم الصائم بعدة صفات حميدة كاللطف والإحسان والإكثار من عمل الخير، أي السعي في العبادات بوجه عام وبالأخص في الليالي العشر الأخيرة من هذا الشهر الكريم.
على المسلم أن يهتم بقيام الليل أثناء شهر رمضان بالإضافة غلى الإكثار من تلاوة القرآن والأذكار.
كما أنه يجب أن يبتعد المسلم الصائم عن الغيبة والنميمة والكذب وغيرها من الأفعال السيئة التي ينهانا الله عز وجل عن فعلها.
