لقد تداولت الكثير من الصور على مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث الإلكترونية تتضمن سيدات صاحبات سلطة في المجتمع، وكانت تلك الصور مصحوبة بعبارة من حديث شريف، وهي؛ “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” إشارة إلى الاعتراض على مبدأ تحكيم المرأة للسلطة العامة على المجتمع، سواء في الرئاسة أو الوزارة وما إلى ذلك، والسؤال الذي نطرحه من خلال مخزن الآن هو؛ ما هي صحة حديث ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة؟ ومن أجل ذلك سنتناول الإجابة عن هذا السؤال عن طريق السطور القادمة.
ففي حقيقة الأمر أن حديث “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” هو حديث صحيح، روي عن أبو بكرة نفيع بن الحارث، ومن الجديد بالذكر أن أهل العلم أجمعوا بالحديث على قبول رواية أبي بكرة رضي الله عنه، ولا شك في قبول رواية جميع الصحابة رضي الله عنه، وكونهم جميعا من العدول.
وأخرجه هذا الحديث البخاري (4425) في صحيحه، وحسنه الدارقطني في الإلزامات والتتبع، وأخرجه ابن كثير في البداية والنهاية، وصححه الألباني في صحيح النسائي، وصححه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، ورواه البزار في البحر الزخار، وأخرجه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الصغرى، ورواه أحمد في مسنده وغيرهم، ولم يضعفه أحدٌ من أهل العلم، ونستدل على صحة هذا الحديث مما يلي.
ورد عن أبي بكرة نفيع بن الحارث -رضي الله عنه- أنه روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:” لقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بكَلِمَةٍ سَمِعْتُها مِن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أيَّامَ الجَمَلِ، بَعْدَما كِدْتُ أنْ ألْحَقَ بأَصْحابِ الجَمَلِ فَأُقاتِلَ معهُمْ؛ قالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسولَ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّ أهْلَ فارِسَ قدْ مَلَّكُوا عليهم بنْتَ كِسْرَى، قالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ ولَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأَةً”.
فالكثير من المسلمين يعتقدون بأن هذا الحديث غير صحيح، لأنه من وجهة نظهرهم يتعارض هذا الحديث مع القيم والحقوق التي اختصها الدين الإسلامي للمرأة.
ولكن الجدير بالذكر هنا أن هذا الحديث الشريف يتداول حوله الكثير من الشبهات والتفسير الخاطئ له، ولا سيما حول تفسير عبارة “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”، وبناء على لك فسوف نوضح تفسير الحديث من خلال هذا المحتوى.
آراء العلماء حول صحة حديث ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
قال ابن قدامة في (روضة الناظر): المحدود في القذف إن كان بلفظ الشهادة فلا يرد خبره؛ لأنَّ نقصان العدد ليس من فعله، ولهذا روى الناس عن أبي بكرة، واتفقوا على ذلك، وهو محدود في القذف، وإن كان بغير لفظ الشهادة فلا تقبل روايته حتى يتوب.
قال الشيرازي في (شرح اللمع):وأما أبو بكرة ومن جُلد معه في القذف، فإن أخبارهم مقبولة؛ لأنَّهم لم يُخرجوا القول مخرج القذف، وإنما أخرجوه مخرج الشهادة، وجلدهم عمر -رضي الله عنه- باجتهاده، فلا يجوز ردّ أخبارهم.
قال العلائي في (تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة) عن البيهقي: “كل من روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن صحبه أو لقيه فهو ثقة، لم يتهمه أحد ممن يحسن علم الرواية فيما روى“. ثم قال: وقد ذكر جماعة من أئمة الأصول في هذا الموضع قصة أبي بكرة، ومن جلد عمر رضي الله عنه في قذف المغيرة بن شعبة، وأن ذلك لم يقدح في عدالتهم؛ لأنهم إنما أخرجوا ذلك مخرج الشهادة ولم يخرجوه مخرج القذف، وجلدهم عمر -رضي الله عنه- باجتهاده، فلا يجوز رد أخبارهم، بل هي كغيرها من أخبار بقية الصحابة رضي الله عنهم.
قال مغلطاي في (إكمال تهذيب الكمال):وفي «المدخل» لأبي بكر الإسماعيلي: لم يمتنع أحد من التابعين، فمن بعدهم من رواية حديث أبي بكرة والاحتجاج بها، ولم يتوقف أحد من الرواة عنه، ولا طعن أحد على روايته من جهة شهادته على المغيرة، هذا مع إجماعهم أن لا شهادة لمحدود في قذف غير تائب فيه، فصار قبول خبره جاريا مجرى الإجماع، فما كان رد شهادته قبل الفرية جاريا مجرى الإجماع.
الكلوذاني في (التمهيد): إذا كان الراوي محدوداً في قذف فلا يخلو: أن يكون قذف بلفظ الشهادة أو بغير لفظها، فإن كان بلفظ الشهادة لم يرد خبره، لأنَّ نقصان عدد الشهادة ليس من فعله، فلم يرد به خبره، ولأنَّ الناس اختلفوا: هل يلزمه الحد أم لا؟ وإن كان بغير لفظ الشهادة ردّ خبره، لأنَّه أتى بكبيرة إلاّ أن يتوب.
وقال ابن عقيل في (الواضح):قال أحمد: ولا يرد خبر أبي بكرة ولا من جُلد معه؛ لأنَّهم جاءوا مجيء الشهادة، ولم يأتوا بصريح القذف، ويسوغ فيه الاجتهاد ولا ترد الشهادة بما يسوغ فيه الاجتهاد.
حديث لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
وفي حقيقة الأمر أن “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” ما هي إلا عبارة في حديث شريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يغفل عنه الكثير، وتداولت تلك العبارة كما هي في الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي دون النظر عن بقية الحديث وتفسيره، وبناء على هذا فسوف نتناول من خلال السطور القادمة حديث “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.
عن أبو بكرة نفيع بن الحارث -رضي الله عنه- أنه روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:” لقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بكَلِمَةٍ سَمِعْتُها مِن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أيَّامَ الجَمَلِ، بَعْدَما كِدْتُ أنْ ألْحَقَ بأَصْحابِ الجَمَلِ فَأُقاتِلَ معهُمْ؛ قالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ أهْلَ فارِسَ قدْ مَلَّكُوا عليهم بنْتَ كِسْرَى، قالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ ولَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأَةً”.
تفسير حديث ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
وبعد أنا توصلنا إلى أن حديث “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” حديث صحيح روي عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، وأخرجه البخاري (4425) في صحيحه، وحسنه الدارقطني في الإلزامات والتتبع، وأخرجه ابن كثير في البداية والنهاية، وصححه الألباني في صحيح النسائي، وصححه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، ورواه البزار في البحر الزخار، وأخرجه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الصغرى، ورواه أحمد في مسنده وغيرهم، علينا إذن من خلال السطور القادمة أن نتناول تفسير هذا الحديث طبقا لآراء علماء التفسير، بالإضافة إلى الحادثة التي وقع فيها الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في بداية الأمر علينا أن نشير إلى موضع الخلاف في هذا الحديث وتداوله على نحو خاطئ على معظم مواقع التواصل الاجتماعي، وهو أن المرأة خلقت بطبيعة تختلف جل الاختلاف عن طبيعة الرجل، ونستدل على ذلك من خلال قوله تعالى: “الرِّجالَ قَوَّامونَ على النِّساءِ”.
فهناك الكثير من الأمور لن تستطع المرأة أن تقوم بأدائها وفقا لطبيعتها الفسيولوجية والعقلية التي خلقت بها، أما عن تفسير الحديث والواقعة التي قيل فيها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسوف نعرضه لك عزيزي القارئ من خلال النقاط التالية.
فعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أهل فارس قد ملّكوا بنت كسرى عليهم، وعندما علم بهذا النبأ قال “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.
والجدير بالذكر أن الهدف من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو أن المرأة لها طبيعة مختلفة عن الرجل ولا سيما في السيطرة أو في الحكم، وذلك لأنها المرأة عاطفتها ونفسيتها يسيطران عليها في الكثير من الأمور أكثر من أعمال وتحكيم العقل.
إضافة إلى ذلك فالمرأة بوجه عام ترغب في الاستكشاف والاطلاع إلى أدق التفاصيل حول قضية ما، ويكون حكمها بناء على التفاصيل الصغيرة، وليس القضية ككل وكنظرة عامة كما هو عند الرجل، بناء عليه فالمرأة لا يَصِحُّ أنْ تُوَلَّى الإمامةَ، ولا القَضاءَ.
ونظرا لأن الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- حثوا على رعاية المرأة وحمايتها من قبل الرجل، فبناء عليه أنَّه لا يَجوزُ أنْ تُعَرَّضَ المَرْأةُ للمَخاطِرِ والمصاعب، ويَنبَغي الرِّفقُ بها.
أحكام حديث لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
وبعد أن توصلنا إلى أن حديث “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” حديث صحيح روي عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، وتناولنا تفسيره أيضا، فالسؤال هنا؛ ما هي أحكام حديث “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”؟ فسوف نقوم بالإجابة عن هذا السؤال من خلال السطور القادمة.
إن أحكام حديث “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” أنه لا يجوز أن تتولى المرأة الولاية العامة كرئيسةً لدولة، أو أن تحكم بلدًا مسلمًا، أو تترأس الوزارة أو منصب المشورة العام، ولا القضاء.
وهذا الحكم بناء على اتفاق أهل العلم من المذاهب الفقهية الأربعة، فلا يجوز إذن أن تتولى المرأة أي منصب من المناصب القيادية التي ذكرناها وفقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.