لا شك أن الصلاة هي أهم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادة، ونستدل على ذلك من خلال حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: “بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً)، فالصلاة إذن فرض واجب على كل مسلم بالغ عاقل.
أما عن صلاة الرجل في جماعة بالمسجد فلا شك أنها الأفضل له عنه صلاته في بيته أو في عمله، والأفضلية له هنا من حيث الأجر، فصلاة الجماعة أفضل للرجل بسبع وعشرين درجة، وصلاة الجماعة هنا لم تقتصر على الفروض فقط أو النوافل، بل أنها تشمل كلا من الصلوات الخمس المكتوبة، وصلاة الجمعة، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف والخسوف، وصلاة التراويح في ليالي شهر رمضان، ولعلنا نتناول من خلال مخزنفوائد صلاة الجماعة للرجل كما سوف يتجلى لك عزيزي القارئ فيما يلي:
توحيد المسلمين واجتماع كلمتهم، وذلك لأنهم يصلون جميعاً خمس مرات في اليوم في مكان واحد وفي صفوفاً متراصة، وخلف إمام واحد، وباتجاه قبلة واحدة، مما يؤلف ذلك بين قلوبهم.
التعارف والتآلف بين المسلمين الذي يعمل على تقوية العلاقة بينهم وخلق المودة والرحمة في قلوبهم.
تعليم الجاهل، وهذا يظهر من خلال حضوره للصلاة في الجماعة وتعليمه حلق الذكر ودروس العلم، وسماع المواعظ والنصائح من أهل العلم والدين.
النور التام يوم القيامة، ونستدل على ذلك من خلال قول بريدة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد، بالنور التام يوم القيامة).
وفي صلاة الجماعة بالمساجد فضل وفائدة عظيمة لهم، وذلك من خلال شعورهم بالمساواة وعدم التفرقة بين جاهل وعالم، وبين غني أو فقير، فهنا كل المسلمين سواء.
الحكم في هوى النفس، وذلك من خلال اتباع المصلي للإمام من خلال حركاته في الصلاة.
كتابة الملائكة لمن يدخل المسجد يوم الجمعة قبل خروج الإمام من المسجد، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا كان يوم الجمعة، وقفت الملائكة على باب المسجد، يكتبون الأول فالأول، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشا ثم دجاجة، ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر).
يحفظ الله المُصلّي في جماعة من الشيطان، ونستدل على ذلك من خلال حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيقول: (ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تقامُ فيهمُ الصَّلاةُ، إلَّا قدِ استحوذَ عليْهمُ الشَّيطانُ فعليْكم بالجماعةِ، فإنَّما يأْكلُ الذِّئبُ القاصيةَ).
كما ينال المسلم وهو في انتظار إقامة صلاة الجماعة أجر عظيم، وتدعي له الملائكة بالرحمة والمغفرة، فيقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَزَالُ العَبْدُ في صَلَاةٍ ما كانَ في مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَتَقُولُ المَلَائِكَةُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، حتَّى يَنْصَرِفَ، أَوْ يُحْدِثَ).
رفع الدرجات بسبب الخطى إلى المساجد، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في جماعة، تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ، فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد، لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة، فلم يخط خطوة، إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم مادام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يحدث).
يزداد أجر صلا الجماعة بسبب كثرة عدد المصلين في المسجد، فعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: (صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما الصبح، فقال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا. قال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا. قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته، لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل، أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين، أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله -عز وجل-).
فضل صلاة الجماعة
يقول الله -تبارك وتعالى- في الآية رقم 40 من سورة البقرة: “الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”، فبعد أن توصلنا من خلال الفقرة السابقة إلى فوائد صلاة الجماعة للرجل، فسنتناول من خلال السطور القادمة فضل صلاة الجماعة على الرجل من خلال سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل صلاة الجماعة للرجل وثوابها العظيم: (صلاةُ الجماعةِ تَفضُلُ على صلاةِ الفذِّ بسَبعٍ وعِشرينَ دَرجةً).
ودلالة على فضل صلاة الجماعة يشير إلى عظمتها رسول الله عليه وسلم، ويقول: (مَن صلَّى العِشاءَ في جماعةٍ، فكأنَّما قامَ نِصفَ اللَّيل، ومَن صلَّى الصبحَ في جماعةٍ فكأنَّما صلَّى اللَّيلَ كُلَّه).
والجدير بالذكر أن العبد المؤمن إذا توضأ للصلاة، ومشى إلى الصلاة جماعة في المسجد، فقد غفر الله -عز وجل- له ذنوبه.
حكم صلاة الجماعة
في حقيقية الأمر أن أهل العلم والفقهاء -رحمهم الله- اختلفوا في حكم صلاة الجماعة على أقوال عدة:
فكان رأي جمهور العلماء أن صلاة الجماعة هي سنة مؤكدة.
وذهب الشافعية إلى أن صلاة الجماعة هي فرض كفاية، بمعنى أنها إذا قام جماعة من المسلمين بأدائها فسقط الحكم عن الباقية.
أما عن الحنابلة، فذهبوا إلى أن صلاة الجماعة واجبة، وفرض على كل مسلم.
والجدير بالذكر هنا أن الرأي الأصح في تلك الآراء هو أن صلاة الجماعة في المسجد واجبة، ونستدل على ذلك من قول عطاء بن أبي رباح والحسن البصري والأوزاعي وأبي ثور، والإمام أحمد في ظاهر مذهبه.
وفي الحقيقة أن الشافعي قال في مختصر المزني: “وأما الجماعة فلا أرخص في تركها إلا من عذر”.
أدلة صلاة الجماعة من السنة النبوية
يقول أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (والذي نفسي بيده لقد هممتُ أن آمر بحطبٍ، فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقاً سميناً، أو مِرْمَاتين حسنتين لشهد العشاء).
وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار).
كما قال أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (صلاة الرجل في جماعة تزيد في صلاته في بيته صلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: (أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ أَعْمَى وهو ابن أم مكتوم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ: فَأَجِبْ).
الأدلة على وجوب صلاة الجماعة في المسجد
نستدل عن وجوب صلاة الجماعة في المسجد من خلال الآية 43 من سورة البقرة، فيقول الله عز وجل: “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ”.
أما عن صلاة الجماعة للمرأة فهي ليست واجبة، بل أن صلاتها في بيتها بمفردها أفضل لها من حيث الأجر، وهذا ما ذهب إليه الشيخ ابن باز -رحمه الله-، فقال: ” وأما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن سواء كن فرادى أو جماعات وإذا أقيمت صلاة الجماعة في البيت فالأفضل للمرأة أن تصلي معهم ولا تصلي منفردة، سواء كانت الجماعة نساءً أو رجالاً من محارمها”.
لكن الصلاة في المسجد للنساء ليست من المحرمات ولها أجر الصلاة، ولكن الأفضل لها الصلاة في بيتها، ونستدل على ذلك من خلال قول ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ).
فذكرنا من خلال فوائد وفضل صلاة الجماعة للرجل أن أجرها أعظم له عن صلاته في بيته أو في عمله، أما النساء عكس ذلك، فكلما كان النساء تصلي في بيوتهن فضلا عن ذهابهن المساجد، فكان ذلك أفضل لهن وأعظم في الأجر.