إن الحوار يعكس الواقع الثقافي والحضاري للشعوب والأمم كما يعكس العديد من الأشياء بين الناس، فالحوار حتى وإن كان قصيرًا ومحاوره قليلة فإنه في الأقل يُظهر خلفية المتكلم وكذلك شخصيته التي من المحتمل أن تكون نابعة من حضارته ومعبرة عن ثقافته الذي نشأ وتربى عليها وتأثره بها، ويرجع ذلك إلى كل ما يرتبط بالحضارة من عادات وتفاصيل وعادات وتقاليد وأعراف تتعلق وتتغلغل داخل نفس كل فرد من أفرادها، فمع أول حوار جاد ونقاش عميق مع شخص من حضارة ما يمكن بسهولة التعرف على مدى تأثره بالحضارة والثقافة التي جاء منها وتربى على معاييرها التي تميزها عن غيرها من الحضارات.
مفهوم الحوار الحضاري
يمكن الإلمام بمفهوم الحوار الحضاري وأبعاده في النقاط التالية:
إن الحوار الحضاري أو كما يقال عنه أيضًَا التواصل الحضاري هو ما يتم فيه التواصل بين عدد من الناس يختلفون حضاريًا وثقافيًا ولهم عادات وتقاليد غير متشابهة، وفي أغلب الأمور، وتظهر تلك الاختلافات فيما بين الأشخاص الذين يشاركون في محادثة ما بسبب الاختلاف في القيم وفي المعتقدات وكذلك المعايير والسلوكيات التي يحكموا بها على الأمور من حولهم، وكذلك التصرفات التي تصدر منهم في المواقف المختلفة.
إن الحوار الحضاري لا يكون نجاحًا إلا حينما يكون الإنسان على وعي كافي وأكثر تقبل للثقافات التي تختلف عنه، فيكون على علم ودرية بالأمور المتشابهة والأمور المختلفة على حد السواء، وكذلك بكل الاختلافات الجوهرية التي لا يمكن أن تتغير لكونها بالأساس سر التمييز بين كل مجموعة عن الأخرى.
أبعاد التواصل الحضاري
فيما يلي سنوضح لكم أكثر ما يشتمل عليه التواصل الحضاري:
إن أبعاد الحوار الحضاري وما ينتجه عنه تتمثل في التفاعل المادي والمعنوي الذي يؤدي إليه التواصل الحضاري، فالإنسان ما هو إلا كائن اجتماعي بطبعه كما ذكر الفلاسفة الأوائل وأكد عليه فلاسفة العصور الحديثة، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش قي عزلة لا من الناحية المادية ولا حتى المعنوية، ومن هنا نقول إنه حتى بين الحضارات والشعوب لا يمكننا أن نعزل بعضنا عن البعض فلا توجد حضارة قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من جميع جوانبها المختلفة، ولهذا فإننا نجد في عصرنا هذا أن التجارة الدولية أو العالمية هي أحد الركائز الأساسية في استقرار الدول والشعوب على اختلاف نوعية الموارد التي يتم تبادلها.
يجدر بنا في هذا الصدد أيضًا أن نؤكد على نقطة أنه لولا التواصل بين الشعوب لما استطاعت الشعوب الأخرى من الانفتاح على مجتمعتنا بسبب الطبيعة المغلقة لبعض الشعوب الأخرى أو اختلافاتهم الأخرى عنا والتي قد تكون من العواقب التي لا يمكن حلها إن بقيت، وحلها هو التواصل الحضاري والحوار بين الشعوب والأمم المختلفة.
أهمية الحوار ما بين الحضارات
إن الحوار بين الحضارات له أهمية لا يمكن الإغفال عنها، فهو له عوائد جوهرية وتأثيرات إيجابية على كل الأطراف المشاركة فيه، ومن أبرز تلك الفوائد ما يلي:
إن الحوار الحضاري يمكنه أن يقوم بإزالة الحواجز الثقافية بين الثقافات وبعضها البعض.
يفيد التواصل بين الحضارات والحوار فيما بينهم في تكوين روابط قوية وخلق بيئات متماسكة يمكنها أن تسند بعضها البعض وقت الأزمات العالمية والمشكلات الدولية، والقضايا الشائعة التي تقع عواقبها على أغلب أمم العالم.
إن التواصل الحضاري يقلل من نسب العنصرية والكراهية بين الشعوب وذلك لكونه يعطي مساحة كبيرة لمناقشة الأفكار وتقبل الآخر حتى وإن كان مختلفًا عنا اختلافات جوهرية.
إن التواصل الحضاري يمكنه أن يقوم بتعزيز التنمية البشرية بين الشعوب والأمم المختلفة.
إن الحور بين الشعوب والثقافات المختلفة من شأنه أن يفيد في ابتكار حلول فعالة للقضايا التي تواجه كل الحضارات باختلافها.
يزيد الحوار الحضاري من القدرة على الإحساس بالآخر ومشاركته ويزيد من إنسانية كل فرد من أفراد الحضارات المختلفة.
إن الحوار الحضاري يمكنه أن يقوم بتعرفينا طبائع الآخرين، وهو أحد الأهداف الأساسية للحوار بين الأمم والثقافات المختلفة، فهو يجعلنا نعرف أكثر طبائع وثقافات مختلفة، وهو أحد الأدوات الأساسية التي لا بد من أن يتم استخدامها في أغلب الأمور المتعلقة بالتواصل بين الشعوب، والتي تزيد من الوعي بين الشعوب.
إن التواصل الحضاري يمكنه أن يقوم بتوعيتنا بنوعية الحوار الذي لا بدّ أن يدور.
إن من شأن التواصل بين الحضارات أن يؤدي إلى خلق مناخ عام سليم وصحي بين الشعوب المختلفة.
ما يعزز التواصل بين الشعوب
هناك بعض الأمور التي تساهم في تعزيز التواصل بين الشعوب، ومن أبرزها ما سنذكره لكم في الفقرات التالية:
الدراية بلغة الشعوب الأخرى
إن اللغة جزء أساسي لا يتجزأ من الثقافة، وهي وسيلة التواصل ما بين الأمم والشعوب الأخرى، ولا يقصد باللغة هنا هو مجرد الحوار الكلامي مع الأجانب، بل هذا الموضوع أشمل من ذلك ويتعلق بالقدرة على التعرف على الثقافة نفسها والتراث الذي يرتبط بها، فمعرفة تراث الأمم وثقافتها من الأمور الهامة التي تزيد من وعي كل شخص يرغب في التعرف على الحضارات المغايرة لحضارته والتواصل مع أبنائها، ومن هنا نقول إن المعرفة باللغات تجعل الشخص قادر على التعرف على التراث والإرث الحضاري بصورة مثلى، فمجرد الترجمة قد تعيق الفهم الدقيق والتعمق للحضارات.
تجنب وضع صورة نمطية مسبقة
إن الصورة النمطية أو ما يعرف بـ Stereotype من الأمور المنتشرة للغاية بين الناس من مختلف الثقافات، ومن الممكن أن يكون جزء منها صحيح، ولكنها في الأغلب خدّاعة، وهي في كل الأحوال تعيق الفهم الصحيح والتعرف على الشعوب والأمم والحضارات، وفي الأغلب تكون أيضًا سيئة وغير مرنة؛ أي يكون من الصعب تغييرها، فمثلًا نحن الآن في عام 2023 وما يزال بعض الأجانب يعتقدون أن شعوب شبه الجزيرة يعيشون في خيم في الصحراء ووسيلة مواصلاتهم هي الجمال، ومن هنا ننوه غلى ضرورة التخلص من تلك القوالب والأحكام السابقة التي تخلق تحيز وعدم موضوعية قبل التطرق لمعرفة حضارة ما والقيام بتفعيل حوار حضاري فعال ومُثمر.
تعزيز التنمية البشرية
إن تعزيز التنمية بين البشر من الأمور الهامة للغاية لأنه ينتج عنها تواصل حضاري وثقافي حيث إنها تفيد في تعزيز التواصل الجيد بين الناس، لا سيما في تحفيز مشاركة الأفكار وتبادل المعلومات التي توسع الأفق الفكري، كما إنها تزيل العوائق التي توضع بين الحضارات من باب الانغلاق والتزمت والتشدد الذي لا ينتج عنه سوى كراهية وعنصرية بين الناس.
أسئلة شائعة
ما هو مفهوم الحوار والصراع بين الحضارات والثقافات؟
إن الحوار بين الحضارات هو التشاور والتفاعل الثقافي فيما بين الشعوب، مع القدرة على التكيف مع الأفكار المخالفة والتعامل مع جميع الآراء الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية، وهو الذي يؤدي إلى حدوث انفتاح وتقبل بين الآخرين.
ما هي فوائد حوار الحضارات؟
إن حوار الحضارات يمكن أن يعزز التعايش السلمي بين الناس والشعوب ويجعل هناك نوع من أنواع تبادل الثقافات والأفكار من مجتمع إلى آخر وتوسيع آفاق الشعوب وتجعلهم أكثر قابلية لقبول الاختلافات في العالم والتعرف على مختلف التصورات.