العفو كلمة تحمل العديد من المترادفات فالعفو يعنى التجاوز، والتسامح، فالعفو في الأصل هي صفة، وهذه الصفة يستحب أن يتحلى بها الفرد المسلم.
فالإنسان من الممكن أن يتعرض للإساءة من قبل عدة أشخاص، كما أنه من الممكن أن يتعرض لعدد من المواقف المحرجة والظلم من بعض الناس، وقد ينتج عن هذه المواقف حدوث بعض الخلافات بين الناس، والتي قد تؤدي في معظم الأحيان إلى قطع الصلة بينهم، ومن الممكن أن تحدث هذه المواقف بين الأهل؛ مما يؤدي إلى قطع صلة الرحم بينهم، لذلك فالعفو هام وضروري جدا للحفاظ على الصلة التي تربط الإنسان بأهله وأصدقائه ومعارفه.
يجب على الإنسان التجاوز عن الإساءة التي تعرض لها، حيث أن هذا التجاوز له عدة فوائد سوف تعود على الشخص، أول هذه الفوائد يكمن في أن الشخص سوف يجازى من الله عز وجعل على فضل التجاوز عن الإساءة عند المقدرة، وهذا إضافة على أن الشخص سوف يصبح لديه قدرة هائلة على التركيز بشكل أفضل على حياته وعمله.
فالخلافات عموما والتشاجر يؤدى إلى عدة آثار سلبية أهمها تعطيل الفرد على مواصلة عمله ودراسته حيث أنه يكون ذا تركيز قليل؛ مما يؤثر بالسلب على كفاءته.
ومن هنا جاءت أهمية العفو والتسامح في جميع الأديان السماوية، وخاصة الدين الإسلامي الذي يعتبر دين السماحة، والتسامح والذي يحث المسلمين على ضرورة التحلي بهذه الصفات وغيرها من الصفات، التي تساعد الفرد على أن يتخلى عن مشاعر الكراهية وغيرها من المشاعر السلبية تجاه الناس.
أنواع العفو
عفو الله -عز وجل- عن العباد: فعفو الله عن عباده يكون من خلال التجاوز عن مجموعة السيئات التي قاموا بفعلها، والتجاوز عن السيئات هو أن يتم محو هذه السيئات تماماً ولكن الله -سبحانه وتعالى- لا يكتفي بأن يقوم بمحو السيئات التي قد قمنا بها فقط، لا بل يقوم بجعل هذه السيئات حسنات! وهذا ورد في قول الله تعالى: “إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا” (الفرقان-70) لذلك فإن محو السيئات واستبدالها بحسنات يتطلب عدة شروط أهمها:
أن يقوم المسلم بالعودة إلى الله -عز وجل- وطلب المغفرة منه عن كل ذنب قام باقترافه.
أن يتوب المسلم عن الذنب الذي قام به توبةً نصوحة، وأن يكون لديه شعور حقيقي بالندم عن قيامه بهذا الفعل، وأن يقوم بالالتزام أمام الله -عز وجل- بعدم القيام بهذا الفعل مرة أخرى.
أن يقوم الفرد بعمل العديد من الأعمال الصالحة، وأن يزيد من معدل أعمال الخير التي يقوم بها حتى ينال المغفرة والعفو من الله سبحانه وتعالى.
العفو بين الناس: نصح الدين الإسلامي المسلمون بضرورة القيام بالعفو والتجاوز عن الإساءة فيما بينهم، حيث أن العفو من أكثر الأخلاقيات الحسنة التي يجب أن يتحلى الفرد بها مثلما علمنا رسولنا ونبينا سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث ورد على لسان السيدة عائشة رضي الله عنها:” – يا رسولَ اللهِ، إنْ وافقْتُ ليلةَ القَدْرِ، فما أدعو؟ قال: قولي: اللهُمَّ إنك عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ، فاعفُ عني.” فهذا دليل قاطع على أهمية العفو في الدين الإسلامي حيث ورد في هذا الحديث السابق أن الله -سبحانه وتعالى- يحب العفو، ويحب أن يعفو عن الناس لذلك يجب أن نقوم بالعفو عن بعضنا البعض عند مقدرتنا بفعل ذلك من أجل أن يحبنا الله تعالي ويعفو عنا وعن السيئات والذنوب التي نقوم بفعلها في حياتنا اليومية.
العفو في الإسلام
صفة العفو ليست فقط واحدة من الصفات الحميدة التي من المفضل أن توجد في الصفات الشخصية للإنسان، لا بل العفو هو واحد من أسماء الله الحسنى وصفة من الصفات الله عز وجل، وهذا يعتبر بمثابة دليل على أهمية هذه الصفة وأهمية وجودها في حياة الإنسان.
هناك العديد من الأشخاص يعتبرون أن العفو يعتبر من مظاهر ضعف الشخصية، ولكن هذا خطأ فادح فقدرة الشخص على أن يقوم بالعفو عن غيره، وأن يقوم بالتجاوز عن الظلم والإساءة التي تعرض لها من قبل أحد الأشخاص هذا يعتبر دليلاً على قوة الشخص، حيث أن كان هناك فرصة لهذا الشخص أن يقوم بالانتقام، ولكنه قام باختيار وتفضيل العفو والتسامح عن الآخرين، فهذا دليل على قدرة الشخص الهائلة في التجاوز عن الإساءة.
أهمية العفو والتسامح في الإسلام
من أكثر الفوائد التي تتبع قدرة الفرد على مسامحة من قام بإيذائه هي أن الفرد يصبح لديه قدرة هائلة على التخلص من جميع المشاعر السلبية التي تشمل الكراهية والعداوة، مما يساهم ذلك في زيادة التآخي والترابط بين المسلمين، فهذا دليل قاطع على أن الشخص يقوم بتطبيق قول الله تعالى “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” (فصلت-34)
انتشار مشاعر الحب بين أفراد المجتمع سوف يكون لها عدة نتائج إيجابية على تقدم المجتمع وازدهاره، وذلك من خلال التعاون بين الناس في العديد من المجلات، حيث أن التعاون من أكثر السمات التي ينتج عنها نهضة كبيرة في المجتمع، والتعاون يتحقق في حالة أن يكون هناك علاقات طيبة بين الناس، وهذه العلاقات الطيبة تُكون نتيجة لاختفاء المشكلات والخلافات بين الناس.
صفاء الذهن من أكثر العوامل التي تساعد الفرد على تحقيق ذاته في عمله وفي دراسته، لذلك فخلو حياة الفرد من المشاكل يكون له عدة فوائد أهمها أنه يصبح أكثر انشغالاً بتحقيق ذاته، ويصبح لديه طموح أكبر يجعله يسعى حتى يحقق مزيداً من النجاحات.
ومن أهم فوائد ومزايا العفو هي الحصول على مغفرة من الله عز وجل، بالإضافة إلى فوز هذا الشخص بحب الله -عز وجل- مثلما جاء في قوله تعالى: “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ” (النور-22)
الفرق بين العفو والصفح
العفو والصفح لهم نفس المعنى تقريبا حيث أن هناك فرق بسيط بينهم يكمن في:
العفو يعنى المقدرة على التجاوز عن ذنب أو ظلم، وتفضيل ترك الانتقام على القيام بالانتقام من الشخص الذي تعرضنا للظلم منه، والصفح أيضا يعنى العفو والتسامح، ولكن يكون بالإضافة إلى تجنب القيام حتى بلوم الشخص الذي ظلمنا أو عتابه، أو حتى تأنيبه عن الأذى الذي لحق بنا من أفعاله.
العفو أيضا هو أن نقوم بسماح الشخص الذي قام بإيذائنا حتى ولو كان الفعل الذي قام به ما زال له أثر في أنفسنا، وهذا ما يُعرف بالتجاوز، ولكن الصفح يتحقق من خلال التجاوز وكذلك نسيان ومحمو الأثر السلبي الذي سببه لنا الشخص الظالم. وهذا ما يجعل الصفح أبلغ من العفو.
العفو يكون مرتبطاً أكثر بكل ما هو ظاهر، أي أن ظاهرياً لقد قمت بمسامحة شخص ما عن الأذى الذي قام بفعله لي، ولكن في الباطن لم أسامحه من أعماق قلبي، لذلك فالصفح هو الذي يشمل التسامح والتجاوز عن الظلم والذنب الذي تسبب فيه أحد الأفراد، ولكن يكون هذا التجاوز ظاهرياً وباطنياً، أي أن يكون شيئا لم يحدث على الإطلاق.
فوائد العفو والصفح
من الممكن أن تكون قدرة شخص ما عن العفو وتجاوز الإساءة سبباً في أن يحبه الله عز وجل.
العفو والصفح من أكثر الصفات التي تؤدي إلى زيادة شعور الفرد بتحسن في حالته النفسية، حيث أن العفو والصفح هم بمثابة طرد لعدد من الآثار السيئة والسلبية التي كانت تسكن بداخل الإنسان، مما يؤدي إلى زيادة شعور الطمأنينة والسكينة لدى الفرد.
في كثير من الأحيان يساعد العفو والصفح في تكوين صداقات جديدة بين البشر، حيث أن الكلمة الطيبة والابتسامة تلين القلوب، مما يزيد ذلك من احتمالية أن يكون العدوان أصدقاء.
زيادة الترابط بين الناس من خلال تقوية الروابط الاجتماعية التي كانت ضعيفة بوجود النزاعات والخلافات، بمجرد زوال هذه المشاكل تعود هذه الروابط لتصبح قوية من جديد.
انتشار الخير في المجتمع من خلال انتشار عدد من المشاعر التي تحمل المودة والتسامح والعفو، وخصوصا بعد اختفاء مشاعر الضغينة والحقد والكراهية.
الفوز بمغفرة الله تعالى عن الذنوب حيث أن من يقوم بالعفو عن الناس يقوم الله بالعفو عنه بمشيئة الله تعالى.