تطفيف المكيال والميزان من الأمور التي نهى الله عباده عنها لما فيها من ظلم للبشرية وأخذ لحقوق الغير، أما عن مفهوم التطفيف فيمكننا القول بأن:
كلمة (تطفيف) هي من كلمات اللغة العربية، وتعتبر صيغة مبالغة على وزن تفعيل من فعل طفَّ، ومعناها لغويًا التعدي فتأتي بمعنى أنه أعطى أقل مما أخذ وبخس بحقه وأنقص منه.
من الناحية الاصطلاحية كلمة تطفيف تعني تقليل نصيب الفرد من الكيل المحدد والمتفق عليه، أو زيادة نصيب المكيل له على حساب صاحب الكيل وذلك يكون بأكثر من طريقة كأن يبيع للغير فيعطيهم أقل من المستحق لهم، أو يشتري لنفسه فيأخذ أكثر من المحدد له وهو أمر مهلك لمن يفعله من الناس.
التطفيف قد يكون في حق العباد، وكما جاء في أكثر من موضع فإن الله لا يسامح في حق عباده ولا سبيل لمغفرة هذا الذنب إلا بأن يسامح صاحب الحق ظالمه، بينما هناك نوع آخر من التطفيف وهو في حق الله -عز وجل- وذلك من أبشع الذنوب وأقبح المعاصي.
ذكر في القرآن الكريم سورة كاملة عن التطفيف وعدم العدل في الوزن، وهي سورة المطففين والتي تناولت القضية كاملة والعقوبة الإلهية بهذا الصدد.
قصة سيدنا شعيب في القرآن
في إحدى المدن الشمالية الواقعة في شبه الجزيرة العربية، عاش قوم كانوا يُعرفون بقوم مدين، وكانوا أهل شرك فلم يعبدوا الله، وكان لهم شجرة تعرف بشجرة الأيكة فكانوا يعبدونها ويقدسونها، ويخوفون الناس بها في الطرقات، وكانوا يعملون بالتجارة فكانوا يبخسون الناس أشيائهم، فلا يعطون الحقوق ولا يوفوا الكيل، وإذا وزن إليهم الناس انقلبوا على النقيض، يحرصون على حقوقهم أشد الحرص.
استمر فساد حالهم لوقت طويل، حتى أرسل الله لهم نبي من لدنه، لقب بخطيب الأنبياء نظرًا لفصاحة لسانه وصبره على قومه، فبدأ مع قومه في النصح بالأهم فالمهم، وأمرهم بعبادة الله الواحد القهار وجعل إصلاح عقيدتهم قضيته الأولى.
أما الأمر الثاني الذي حرص عليه شعيب -عليه السلام- أمرهم بالعدل ونهيهم عن ظلم الناس والتطفيف، وعدم سرقة حقوق الغير والافتراء في المعاملات، وأشار إليهم أن لديهم من الأموال ما يغنيهم عن مثل هذه الأفعال، ولكن قومه لم يسمعوا لنصحه لا في الأمر الأول ولا الثاني، فحذرهم من العاقبة وغضب الله عليهم، فظنوا أنهم ينهاهم عن التطفيف ليخلو له الطريق إليه ويقوم هو به.
لم يتوقف قوم شعيب عن الاستهزاء بنصيحته والصد عن عمل الخيرات، فاستحقوا عقاب الله لهم حيث جاءتهم الصيحة، وهي شيء شديد الصوت والانفجار، يهتز بالأرض ويزلزلها، فتحول بعدها قوم مدين إلى جثث هامدة داخل بيوتهم وصارت أرض مدين كأن لم يعمرها مخلوق من قبل.
من صفات المطففين
ذُكر في القرآن الكريم كثير من الآيات في وصف المطففين، وذلك لخطورة هذه القضية وآثارها على الفرد والمجتمع، وكان من أهم أوصافهم كما جاء في سورة المطففين قوله تعالى:
لذلك يمكننا أن نستخرج من الآيات السابقة أبرز هذه الصفات، والتي تم توضيحها بشكل كبير وسردها من خلال قصة قوم سيدنا شعيب -عليه السلام- وأهم هذه الصفات التي يمكننا أن نوجزها من خلال النقاط القليلة الآتية:
المطففون هم أشخاص شديدو الأهتمام بالحصول على حقهم كاملًا، سواء في الميزان والكيل، أو في أي معاملات حياتية أخرى، حيث يحرصون أشد الحرص على نيل ما لهم او حتى أزيد منه قليلًا وهي صفة غير مذمومة إذا كان الإنسان يطبقها على نفسه وعلى غيره ويكتفي بحقه فقط، وهو ما لا يفعله المطففون.
في حالة ما وزن المطففون أو كانوا في موضع توزيع الحقوق، فإنهم لا يعطون الناس حقوقهم كما يجب ويظلمونهم ظلمًا بينًا، ويحاولون الأخذ من حقوق الغير أو بقدر الإمكان الانتقاص من هذه الحقوق لصالحهم ولأغراضهم الخاصة فيتعجب القرآن من مدى قدرتهم على الظلم ونسيانهم لحساب الله لهم في الآخرة.
هل التطفيف يقتصر على البيع والشراء
ذكر التطفيف في القرآن الكريم بأكثر من معنى، ورغم أن سورة المطففين ذكرت قصة شعيب وقومه والذين كان تطفيفهم في المقام الأول في التجارة والبيع والشراء، ولكن ينبغي أن تعرف أن مفهوم التطفيف في الكيل والميزان لا يقتصر على هذه المعاملات حيث أنه:
أداء المرء لحق الله عليه من الأمور الهامة، فالتطفيف لا يكون في المسائل المادية فحسب، بل يمتد لأكثر من ذلك، فالطاعات والتقصير فيها يجعل الإنسان من المطففين ولكن في حق خالقه وهو ذنب أعظم وأكبر وأولى بالتوبة.
من الأمور التي تقع تحت مسألة التطفيف في حق الله أن يكون الله قد أنعم على العبد بالخير والرزق الوفير، ولا يشكر المرء نعم الله عليه ويجحد بها ولا يؤدي شكره نحو الله كما يجب.
التطفيف أيضًا قد يكون في العمل، فهناك من يأخذ كامل حقوقه من الموظفين ويخسرهم حقوقهم، فحين يطالبون بها يرفض إعطاءهم إياها ويجحدها، وعليه أن يتق الله ويومه الذي سيلاقيه فيه ويقف للحساب.
من المطففين أيضًا الذي ينعم بخيرات وطنه وأرضه فيأكل منها ويتعلم عليها ويصبح ذو شأن في المجتمع ويبخل على وطنه بالجهاد في سبيله أو تقديم العون لأبناءه، فهو كذلك ظالم لنفسه ولأرضه.
أي صورة من صور التطفيف هي صورة لغباء الإنسان وسوء تصرفه على الأرض، فما يزيده التطفيف إلا حسرة ولا يشعر حتى بهذه الزيادة لأنه ستر وبركة الله تنزع بسبب مثل هذه الأعمال.
ما الجزاء المترتب على من يطفف المكيال والميزان
إذا كان التطفيف فيه إيذاء للعباد أو للمجتمع ككل، فهل يترك الله المطففين بلا عقاب ولا جزاء؟ سبحانه وتعالى عدل لا يظلم الناس شيئًا، لذلك كانت عقوبة التطفيف وسلب الناس حقوقهم واضحة وعادلة، لكي تعيد للناس حقوقهم وتكون عبرة لمن تسول له نفسه التطفيف وظلم من حوله.
ويمكننا القول بأن من شدة ذنب التطفيف فإن العقوبة والجزاء عليه لا يكون على الجانب الدنيوي فقط، بل في الآخرة أيضًا يُعاقب عليه المطففين حيث:
عقوبة التطفيف في الدنيا هو القحط وسلب البركة من المرء، وجور الحاكم عليهم وتعرضهم للظلم لما قبلوا من ظلمهم لبعضهم، كما أن الله يغضب عليهم ويمقتهم وينال منهم بالعقاب الذي يستحقونه كما استحقه من قبلهم قوم مدين.
في الآخرة يوجد عقوبتان لمن قبل بالجور على حق الناس وعدم العدل معهم في الوزن لهم، أولها كما ذكر في القرآن في أول سورة المطففين بقول الله تعالى: “ويل للمطففين”، والويل هو عذاب أليم من الله، كما ذكر في بعض التفاسير أنه واد في جهنم شديد الحرارة أكثر من غيره، أما العقوبة الثانية فهي أن يهوى المرء في الآخرة إلى أبد الأبدين بسبب عدم أداءه لأمانة ما لأهلها وأصحابها.
التطفيف اعتبره كثير من الأمة والمفسرين من الكبائر وليس من صغائر الذنوب، لأنه أكل لأموال وحقوق الغير بالباطل، ودليل على حقارة النفس لذلك حق على المطففين العذاب.
أسئلة شائعة
ما الفرق بين المكيال والميزان؟
المكيال يستخدم أكثر في الزراعة، بينما الميزان يستخدم في التجارة أكثر.
من هو الزوج المطفف؟
الزوج الذي يأخذ من زوجته كل حقوقه ولا يعطيها حقوقها ويظلمها.