ابحث عن أي موضوع يهمك
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أما بعد فالحمد لله الذي وصى عباده بالصبر وحثّهم عليه، وجعل لهم الصبر مفتاحًا لكل فرج، وجعل للصابرين أجرًا وثواباً عظيمًا، فيجزيهم الله أجورهم بغير حساب ولا سابقة عذاب، ونشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- عبده ورسوله وصفيه وخليله وحبيبه، خير الأنبياء وخاتم المرسلين والمبعوث رحمة للعالمين نبيٍ أرسله نوراً وهدايةً للعالمين اصطفاه وأرشده، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم ووالاهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
يا عباد الرحمن استقيموا يرحمكم الله، أوصيكم ونفسي الأمارة بالسوء المخطئة بتقوى الله سبحانه وتعالى، وأوصيكم بالحرص على طاعة الله واتباع أوامره وتجنب نواهيه وتجنب معصيته، يأيها المؤمنون أعلموا أنه لا معطي لا مانع ولا مضر ولا نافع ولا خافض ولا رافع دون الله عز وجل فقال الله جل جلاله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، وقال تعالى في سورة الأحزاب: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين الحمد لله على تمام النعمة واكتمال الفضل والمنة، فقد أمر الله -عز وجل- عباده بالتحلي بالصبر وذكر الله في كتابه العزيز ثواب الصابرين وأجرهم عند الله -عز وجل- وأعد لهم أجراً عظيماً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وكفى بالله عليماً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
يا أيها المؤمنون اتقوا الله وأطيعوه واصبروا على ما أصابكم فالصبر مفتاح الفرج فالإنسان يصيبه في هذه النفس تأمر الشر والخير، فإذا أصابه الخير يسر الله تعالى ويذكره، وإذا أصابه الشر يحمده ويتعين بالصبر على ما أصابه، ولقد ذكر الله الصبر في كتابه العزيز في تسعين موضعاً فإن الصبر هو نصف الإيمان، فينقسم الإيمان إلى نصفين الأول صبر والثاني شكر.
والصبر هو منع النفس عن الانسياق وراء أهوائها وشهواتها؛ وللصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر على معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة.
النوع الأول هو الصبر على طاعة الله، ويعنى الصبر على تأدية العبادات مثل الصلاة والصوم والجهاد في سبيل الله وإخراج الزكاة والصدقات وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
وأما النوع الثاني هو الصبر عن معصية الله، فمن المعروف أن فمن المعلوم أن النفس تأمر بالسوء والفحشاء فالنفس بفطرتها تميل إلى إشباع شهواتها كما تزيد وساوس الشيطان من حاجة النفس إلى إشباع تلك الشهوات، فإن لم يحكم بها صاحبها تزين له فعل المحرمات، وترك الطاعات فيجب كبح النفس عن المعصية بالصبر من البداية، وإن كان في ذلك مشقة وتعب.
ومما يساعد الإنسان على التمسك بالصبر والبعد عن المعصية شيئان وهما:
أما النوع الثالث من أنواع الصبر هو صبر الإنسان عند حدوث المصائب ومحاولة منع النفس عن اليأس من رحمة الله، ومنع اللسان عن التلفظ بالشكوى والسخط من أقدار الله، وحبس الجوارح عن ارتكاب الأفعال المحرمة كلطم الخد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصبر عند الصدمة الأولى” وكما قال الله تعالى في كتابه العزيز (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصابرين * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).
فيجب على الإنسان التسليم بقضاء الله وقدره فقال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)
وقد وعد الله الصابرين في البأساء والضراء بحسن العاقبة والثواب العظيم والفوز برحمة الله وهدايته فقال الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن عظم الجزاء مع عظم البلاء” ومن الأمور التي تعين على الصبر على المصائب انتظار الفرج بزوالها” وقال الله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)، وقال محمد صلى الله عليه وسلم: “واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً”وما يعين الإنسان على الصبر على أقدار الله هو محاولة التأمل في نعم الله على العبد والإقرار بفضل الله علينا وشكره على هذه النعم وذكر الله كثير.
كما يجب على الإنسان التوبة عن ذنوبه، وأن يستغفر الله كثيراً؛ لأن ما يصيبه من بلاء وكرب بسبب ذنوبه لقوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، فيجب على الإنسان أن يرضى بما قسمه الله، ويصبر على ما أصابه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.