ابحث عن أي موضوع يهمك
لا تعني الأخوة فقط صلة الدم، ولكن الودية والعلاقات الطيبة التي تجمع الفرد بالمحيطين به، سواء عائلة أو جيران أو أصدقاء، وتعتمد الأخوة على تعاليم الدين والمبادئ السامية التي أمرنا الله عز وجل بها، وقد ورد أدلة كثيرة تؤكد على مدى أهمية الأخوة في الدين الإسلامي الحنيف، ومن الأمثلة على ذلك نذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي رواه الإمام مسلم، حيث قال (حول العرش منابرُ من نور، عليها قوم لباسُهم نور، ووجوههم نور، ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء، قالوا: صِفهم لنا يا رسول الله، فقال: المتحابون في الله، والمتجالسون في الله، والمتزاورون في الله) ، وسوف نذكر فيما يلي أهم الأعمال القلبية المفسدة للأخوة.
الطمع فيما يمتلكه الغير من الأعمال القلبية المفسدة للأخوة، أو الطمع بشكل سيء في نعم الدنيا، بطريقة تعتمد على الحسد والحقد، إذ أن الطمع بالناس وأرزاقهم والطمع بشكل مبغض بنعم الدنيا، هو السبب الأساسي وراء انتشار الكراهية والبغضاء ليس فقط بين الأخوة، ولكن بين جميع الناس، وقد وردت الكثير من الآيات القرآنية تحذر من الوقوع في ذلك الجرم، الذي يترتب عليه سوء التعاملات والأمور بين الأشخاص، وفي مثال على ذلك نذكر الآية رقم 131 من سورة طه (وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)، حيث إن الحياة من حول المرء تزخر بالكثير من العلاقات التي أصابها التحول الكلي من قمة المحبة لمدى العداء الصريح والواضح، بسبب نظر الأشخاص بأرزاق بعضهم البعض وما قسمه الله لكل منهم من نصيب بالدنيا، وذلك يتنافى مع ما أتى الإسلام به وهو أن المسلمين أخوة.
المحبة فيما بين الأخوة، عاطفة ووجدان والقلب هو مقرها، وعن طريق تلك العاطفة يظهر التعاطف والود والحب، ولكن حين غياب كل ذلك، يحل البرود بالمشاعر والقلب، ومن ثم تبدأ المفسدة بين الأخوة، لأنه يوجد الكثير يعتقدون أن إظهار المشاعر الطيبة الود والتعبير بالكلمات عنها أمرًا غير هاماً مطلقًا، وأن الأفعال تكفي لإظهار الحب، لكن ذلك يؤول بالنهاية لعواقب غير مستحبة وكراهية بين الاخوة، أما البشاشة والحب والابتسام هي أعمال تنبع من القلب، لذا يجب الحرص عليها من أجل الحفاظ على العلاقات الأسرية والاجتماعية.
من الأعمال القلبية التي من شأنها إفساد العلاقات الأخوية، وخلق حاجزاً فيما بين الأشخاص، هو ضيق الصدر حين سماع النصيحة، وضيق الأفق للمشورة والنصح، تلك الطريقة بها استعلاء وكبر، والتقليل من قيمة الأخرين، لما يؤديه ذلك من تجاهل النصح والأخذ بتجارب وآراء الآخرين، وهذا ما يتنافى مع مبادئ الأخوة الحسنة، إلى جانب أن ذلك الأمر يخالف الإسلام، الذي يدعو إلى المشورة، التي كان أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يحرص عليها، مع زوجاته وأصدقائه.
من مفسدات العلاقات الطيبة بين الأشخاص والأخوة، التشكيك بنواياهم بغير أدلة أو بينة واضحة، ثم البدء بالريبة والظنون السيئة تجاههم، حيث إنه من الأمور التي حذرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم منها هي الظن السيء، كما جاء في الآية 12من سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)، لذا من أداب التعامل الأخذ بظواهر الأمور، وتوكيل السرائر للخالق سبحانه وتعالي، لأنها غير مرئية، كما أن من عواقب سوء الظن بين الأخوة، الترصد للأفعال والوقوف على الأخطاء والزلات وتبادل الاتهامات بغير دليل، لإثبات الظنون السيئة، وحينها يصبح التعامل بغرض إثبات ان الشكوك صحيحة فقط دون نفيها.
كل تلك صفات مفسدة للعلاقات بين الأخوة، ليس هذا فقط ولكنها تخلق جواً من الضغينة والعداء، وحينما تعامل أخاك بأسلوب يختلف عما تضمره بقلبك له، وحينما تقوم بالاستعلاء عليه بحضوره سواء كان ذلك بينكما أو أمام الناس بمهارة أو التفاخر برزق قد حرم منه، بهدف التباهي بالذات، ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، ولكن التسلط والوقوف على الأخطاء والتصرفات، بطريقة ينفر ويصاب متلقيها بالحزن، فضلًا عن الأنانية والتفكير بالمصلحة الذاتية، دون النظر إلى العواقب الخاصة بالمحيطين، وجميع تلك التصرفات نهانا عنها الإسلام.
كما ذكرنا المفسدات القلبية بين الأخوة، نعرض كذلك الأفعال التي نقوم بها باللسان والقول، وتفسد الاحترام والود بين الأخوة ومن بينها، الصراخ، رفع الصوت، الجرأة بالقول، دون اتباع أداب الحوار ومقاطعة الغير حين التحدث أو عدم منحهم الاهتمام، والتحدث إليهم بكلام فظ وأسلوب حاد أو التناحر والسب والتراشق بالألفاظ، بطريقة تسئ للآخرين وتشعرهم في داخلهم بالحزن، فقذ أمرنا الدين الحنيف ألا نرفع أصواتنا حين الحديث، إذ أن أنكر الأصوات هو صوت الحمير، كما يجب أن ننتقي في الحديث الكلمات الطيبة، فطيب الكلمات وحسن القول صدقات نثاب عليها.
من بين مفسدات الأخوة التي يرتكبها المرء باللسان، هو توجيه بشكل عام للأشخاص أمام الناس، ذلك الفعل من شأنه إفساد العلاقات الطيبة بين الناس، النصيحة أو اللوم، يُبدي عيوب الشخص أمام الملأ، وطبيعة البشر تكره إظهار العيوب للعلن، ليس هذا فقط فالناس تعير ولا تغير، لذا يأمرنا الإسلام عدم قول النصيحة أمام الناس، إلا في حال استدعت الضرورة لذلك.
تعد الغيبة والنميمة أحد أكثر الأفعال التي تفسد لمشاعر الأخوة، والمجتمعات كافة وليس فقط على مستوى الأفراد، فالتحدث عن الغير بما يسيء لهم أو سرد عيوبهم بظل غيابهم، جميع تلك التصرفات تخلق جواً يسوده التشاحن والفتنة والعداء المستمر.
لا تفسد المعاتبة الطيبة الود بين الأخوة، في حين أن عدم التغاضي وكثرة العتاب عن بعض الأمور، والوقوف عند كل صغيرة وكبيرة، هو ما يميت العلاقات الطيبة ويمحي المشاعر والحب بين الأشخاص، ومن بين القواعد الهامة بالتعامل هو إدراك أن جميعنا يرتكب الأخطاء وكل فرد لديه جوانب إيجابية وجوانب أخرى سلبية.
إذاعة أسرار الغير ليست فقط مفسدة للأخوة، بل هي من الأفعال التي نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنها، ومن الأحاديث التي أكدت ضرورة حفظ السر قوله صلى الله عليه وسلم (أن الرجل إذا حدث أخاه بحديث ثم التفت فهو أمانة)، حيث إم إفشاء السر يعد خيانة ثقة الأشخاص، وبشكل خاص إن حدث ذلك خلال فترات الخصومة والمشاحنات.
من بين أسباب محو الود وانتشار الضغائن والخلافات بين الأخوة، الحديث للغير حول ما يضرهم ونقل ما يسيء إليهم من أحبار أو يؤثر على حالتهم سلباً ، خاصةً إن كان الكتمان هو ما يفيده كما ويدفع الضرر عنه، وفي ذلك قال الإمام يحي بن معاذ (ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة، إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه وإن لم تمدحه لا تزمه).