علاج الانحراف الفكري يتضمن اتباع مجموعة من الخطط والاستراتيجيات للمساهمة في التخلص منه وتعزيز الفكر السليم القائم على طرد كل أفكار العبث والغلو بصفة عامة من الحياة إلى جانب تعزيز السلوك القويم، فعبر موقع مخزن سوف نشير إلى هذا العلاج بالتفصيل، كما سنوضح نبذة مختصرة عن هذه المشكلة المزعجة.
يعد الانحراف الفكري وكما صنفه العلماء والفقهاء بمثابة أخطر المهددات على مستوى كل من الأفراد والمجتمعات وكذلك الدول حيث إنه من العوامل الأساسية وراء إجراء الأعمال الإرهابية والمتطرفة وزرع العدوات وربما تشويه الدين الحنيف، فهو يتطلب إلى اتتباع استراتيجية علاجية مناسبة لمكافحته وضمان تحصين الأجيال المخلتفة منه، إذ تتمثل أبرز الطرق الناجحة في علاجه فيما يلي:
تعزيز دور العلماء
يُمكن تعزيز دور العلماء وكذلك طلبة العلم من خلال توعية الناس بالثقافة الإسلامية المعتدلة فضلًا عن العقيدة الوسطية الصحيحة.
حيث إن هذه العوامل تلعب دورًا كبيرًا في إعلاء مقاصد الشريعة وهو ما يضمن تصحيح المفاهيم الخاطئة والمرتبطة بمسائل التكفير والجهاد والموقف من الحكام وغيرها، فمما لا شك فيه أن الفكر لا يُعالج سوى بالفكر.
إذ إن العقيدة المختلفة بسبب الانحراف الفكري لا تُعالج إلا بالعقيدة التي تتسم بكونها ناصعة وسديدة.
فكلما تشبع الشباب بالمعتقدات السليمة والعلم النافع يتحقق التحصن من الأفكار المضللة والدخيلة.
تطوير أسلوب الخطاب الديني
يساعد تجديد أسلوب الخطاب الديني بفاعلية على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، إذ يفيد الأمر في جعل الإنسان قادرًا على الحصول على أصالته وقواعده وكذلك أحكامه من الكتاب والسنة.
وبالتالي سيواكب في أسلوبه وطريقة العرض لمتغيرات ومشكلات العصر، وهو ما يضمن أن يجعله قريبًا من واقع وقضايا الناس وثقافاتهم.
حيث سيخاطبهم بما يعقلون بل ويتجه إلى تبيين الصواب لهم فيما يحتاجون.
ترسيخ ثقافة التعاون
تلعب ثقافة التعاون والتضامن وكذلك تحمل المسؤولية المشتركة في كبح ومكافحة الانحراف الفكري دورًا كبيرًا في مساعدة المصابين على التخلص من هذه الأفكار السيئة.
حيث ينبغي أن يشمل الأمر كل من الوالدين في المنزل والواعط في المسجد والمعلم في المدرسة والمثقف في وسائل الإعلام فضلًا عن المؤسسات التي من شأنها مباشرة العلاجمثل الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف ووزارة التربية والتعليم ووزارة العدل وجميع الجهات التي يتركز أهدافها على تعزيز أفكار الشباب والارتقاء بالمجتمع.
احتواء أصحاب المصابين
لا بد من احتواء أصحاب الفكر المنحرف وذلك من خلال مناقشتهم باستمرار ومحاورتهم فضلًا عن بيان الحق لهم.
إذ إن هذا الأسلوب يلعب دورًا كبيرًا في إرشادهم إلى الطريق السليم وإزالة الغشاوة عن أبصارهم كما جاء في قوله تعالى (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل، 125].
مما لا شك فيه أنه يوجد العديد من الأناس غُرّر بهم ولكن بمحاورتهم علموا الحق بل وعملوا به.
تخفيف الضرر
هناك مجموعة من الأشخاص قد لا يُمكن دفعهم بسهولة من أصحاب الفكر المنحرف، إذ لا بد من تخفيف الضرر عليهم لعلاجهم من هذا الأمر.
وذلك من خلال استخدام الأساليب الحكيمة التي تساهم في تقليل شرور المنحرفين وتضعف أثرهم.
فلقد أشار العلماء إلى أن الشريعة أتت من أجل تعطيل وتقليل المفاسد ودفع الضرر بقدر الإمكان.
فمن الممكن الوقاية بصفة عامة من الانحراف الفكري من خلال التصدي لمروجيه إلى جانب تحذير الناس من فتنهم.
تعزيز القوانين التي تُجرم الفكر المنحرف
يُمكن السيطرة على الفكر المنحرف من خلال تعزيز الأنظمة والقوانين التي تُجرمه والمندرجة من التعزيز الشرعي.
فلقد ورد عن عمر وعثمان – رضي الله عنهما- أنهما قالا فيما معناه “إنَّ الله لَيَزَعُ بالسُّلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن”.
حيث يتبين من ذلك أنه لا يُمكن منع الناس من ركوب الانحرافات أو نشرها سوى العقوبة السلطانية والتي تكون بسبب ضعف الإيمان وقلة العلم بشكل كبير.
ما هو الانحراف الفكري
لقد تم تعريف الانحراف الفكري على أنه كل ما يؤدي إلى ميل العقل تمامًا عن الحق والمنهج الوسطي الإسلامي وذلك تفريطًا وإفراطًا لا سيما في مجال الغلو والتطرف والأرهاب، حيث إنه يتضمن عدة أنواع كالآتي:
الانحراف العقدي
يُمثل أولى درجات الانحراف وهو يضمن عدة مراتب ودرجات كالآتي:
مرتبة الكفر:
الإلحاد وعدم الإيمان بالله – عز وجل-.
الخروج بشكل كامل عن الإسلام.
الشرك بالله – سبحانه وتعالى- عبر عبادة غيره من الأوثان.
الانحراف بعقيدة أهل الكتاب من النصارى واليهود وهو ما يشير إلى التثليث وتعظيم البشر كما ذكر القرآن الكريم.
مرتبة الخروج عن المنهج الوسط المعتدل: لا تؤدي إلى الخروج عن الملة ولكنها تتضمن أصول البدعة في العقيدة، ويدخل إليها الجامعات المتطرفة المنتسبة إلى الإسلام مثل داعش وغيرهم.
الانحراف الخلقي والسلوكي
يتضمن القيام بالسلوكيات السيئة والأخلاق التي تخالف مبادئ الشريعة الإسلامية.
ومع ذلك فإن الله – عز وجل- لم يجعل ترك العبادات والقيام بالمنكرات بمثابة كفرًا ما دام الإيمان به وبما أنزل قائمًا كما في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء، 48].
أسباب الانحراف الفكري
على الرغم من اختلاف وجهات النظر بين الباحثين والسياسيين إلا أنهم توصلوا في النهاية إلى أن أسباب الانحراف الفكري واحدة، حيث إنهم قاموا بتقسيمها إلى الآتي:
أسباب داخلية
التربية الدينية الخاطئة المنتشرة في المجتمع سواء في المنزل أو المدرسة أو الجامعة أو غيرها من الأماكن.
ضعف الإيمان الحقيقي وكذلك العقيدة الصحيحة فضلًا عن غياب المنهج الصحيح وهذا بسبب الخلط والشك.
منع حرية الآراء والأفكار بسبب الاستبداد والدكتاتورية والتعرض للقهر السياسي.
عدم الفقه في الدين والجهل المركب بسنن الله – تعالى وهذا نتيجة لترك المحكمات والتباس المفاهيم وضعف المعرفة بالتاريخ والأخذ بشكل النص وظاهره دون مقاصده وربما التضييق في دائرة الولاء والتوسع في دائرة البراء والاعتماد على بعض الأحاديث والآيات وترك ما سواها فضلًا عن الإسراف في إطلاق التحريم والفتاوى.
ترأس الجهال الضلال في علم أصول الفقه العميق وبالتالي تضليل الشباب عبر تضخيم دور هؤلاء الرؤوس وإسقاط بقية العلماء في أعينهم.
انتشار الفقر والبطالة وبعض المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.
أسباب خارجية
رؤية الفساد يستشري في حين أن الباطل يتبجح، حيث إن العلمانيين يبوحون بكل ما يرغبون، وها ما يأتي تحت مقولة غربة الإسلام في ديار الإسلام.
إعلان الحرب بشكل مباشر على الإسلام دون عناية الحكام أو الالتفات لهذه الهجمات الخطيرة.
عدم ترك المجال للدعوة والدعاة أي مصادرة حرية الدعوة.
وجود العدو الصهيوني وانتشاره على الأراضي الفلسطينية العربية المسلمة.
التآمر بشكل كبير على ثورات الشعوب والتي ثارت ضد الاستبداد وحكم العسكر والدكتاتورية.
آثار الانحراف الفكري
هناك العديد من الآثار الخطيرة التي تعود على الجميع بسبب الانحراف الفكري لذا فإنه يلزم عدم تجاهله السعي وراء علاجه، فمن هذه الآثار ما يلي:
التطرف في كل من الأفكار والأقوال إلى جانب التعسير في الفتاوى والأحكام.
نشر الفوضى الهدامة للأمم والخلاقّة للأعداء.
انتشار الفتن بين الأمة الإسلامية وهو ما يؤدي إلى طمع الأعداء وكثرة مشاريعهم للقضاء عليها.