ابحث عن أي موضوع يهمك
تأتي سورة البقرة في الترتيب الثاني بالمصحف الشريف بعد سورة الفاتحة، وهي سورة قرآنية ذات فضل عظيم كما ورد عن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقد ذهب العلماء إلى أنها سورة مدنيّة نزّلت في هيئة متفرقة وهي السورة القرآنية الأولى التي نزلت في المدينة المنورة ، وقد ورّد في فضائها العديد من الأحاديث النبوية الشريفة ففيها وقاية وحفظ للمسلم وزيادة في الأموال والرزق، كما أنها تأتي شفيعاً لمن قرأها يوم القيامة وتطرد الشياطين من البيت.
تُعد قراءة سورة البقرة في البيت بصفة دائمة من الأسباب التي تجعل الشياطين مطرودين منها لا يُمكنهم دخولها، فالشيطان يجد نفسه عاجزاً أمام إغواء أو إضلال من يلزم قراءة سورة البقرة ويُمنع عن إفساد دينه، وما جاء دليلاً على ذلك في صحيح الإمام مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ”.
تُعد آيات سورة البقرة والعمل بها من أسباب البركة والرزق في المنزل، فالبركة تتحقق في حياة المسلم بتحصيّل الحسنات من قراءتها وحفظ الآيات القرآنية الواردة بها وكذلك الاستماع إليها، لذا فإن من يفوت قراءة سورة البقرة يمنع نفسه من الحصول على العديد من الفضائل في الدنيا والآخرة.
ثبّت في السُنة النبوية الشريفة أن قراءة سورتي البقرة وآل عمران تأتيات شفيعة لقارئهما في يوم القيامة، وذلك لما جاء ثابتاً في صحيح الإمام مسلم عن الصحابي النواس بن سمعان ـ رضي الله عنه ـ أن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :”
يؤْتَى بالقُرْآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعْمَلُونَ به تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ، وآلُ عِمْرانَ، وضَرَبَ لهما رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثَلاثَةَ أمْثالٍ ما نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قالَ: كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ ظُلَّتانِ سَوْداوانِ بيْنَهُما شَرْقٌ، أوْ كَأنَّهُما حِزْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن صاحِبِهِما”، حيثُ وصف النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم أ سورة البقرة وسورة آل عمرات بالسحابتيّن العظيمتين ذاتا اللون الأسود ويأتي من بينهما نور ساطع، أي أنهما لا يمنعان الضوء.
يشير ذلك إلى حفظ وكفاية المسلم من شياطين الإنس والجن حال قراءته لآية الكرسي الواردة في أواخر سورة البقرة، وذلك مصداقاً لما جاء برواية الصحابي أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: “إذا أوَيْتَ إلى فِراشِكَ فاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزالَ معكَ مِنَ اللَّهِ حافِظٌ، ولا يَقْرَبُكَ شيطانٌ حتَّى تُصْبِحَ”، كما قال النبي:” اقرَؤوا سورةَ البقرةِ، فإنَّ أَخْذَها بركةٌ، وتركَها حسرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلَةُ”، ويُشير قول النبي “أخذها بركة” غلى كافة أنواع الأخذ، فحفظ آيات سورة البقرة فيها بركة لحياة المسلم، كما أنه تعصّمه من فتّن الدنيا وشرورها، وكذلك تنجيّه من العذاب يوم القيامة، ويُقصد بالبطلة السحرة.
جاء عن الإمام مسلم في صحيح السُنة النبوية الشريفة عن أبن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “يْنما جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِن فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقالَ: هذا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليومَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَنَزَلَ منه مَلَكٌ، فَقالَ: هذا مَلَكٌ نَزَلَ إلى الأرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَسَلَّمَ، وَقالَ: أَبْشِرْ بنُورَيْنِ أُوتِيتَهُما لَمْ يُؤْتَهُما نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بحَرْفٍ منهما إلَّا أُعْطِيتَهُ”.
حيثُ يخبرنا خير الخلق محمد عن فضل خواتيم سورة البقرة للمسلم، حيثُ تكون له نوراً يهتدي به إلى طريق الصواب والاستقامة في الدنيا، وكذلك النجاة من العذاب يوم القيامة، ويكون نور سورة البقرة في الدنيا من خلال هداية المرء إلى طريق الحق وهدايته للصالحات.
تكفي سورة البقرة المسلم في ليلته، وذلك وفقما جاء في صحيح الإمام البخاري في الحديث الشريف عن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: “مَن قَرَأَ بالآيَتَيْنِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ”، ويُشير لفظ كفتاه هنا إلى معاني عديدة من بينها أن قراءة خواتيم سورة البقرة تغني المسلم عن أداء صلاة قيام الليل، كما قيّل أنها تغني عن الأدعية والأذكار، وذهب البعض إلى منعها للسوء والمكروه عن المرء وذلك بما تتضمنه هذه الآيات من خير في الدنيا والآخرة.
تتضمن سورة البقرة على أعظم آيات القرآن الكريم وهي آية الكرسي، وعلى الرغم من كونها آية واحدة إلا أنها أثبتت لله ـ عز وجل ـ كمال الصفات والأفعال، حيثُ ثال عنها النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ :”يا أبا المُنْذِرِ، أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: يا أبا المُنْذِرِ أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: (اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا هو الحَيُّ القَيُّومُ”، فهي أعظم آيات القرآن الكريم.
كان صحابة النبي محمد ـ رضوان الله عليهم ـ يوقرّون حفظ سورة البقرة في نفوسهم توقيراً عظيماً ويعظمونه بقدر كبير، حيثُ ورد عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن أحد الرجال المسئولين عن كتابة الوحي عن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نال هذه المنزلة العظيمة بسبب قراءته لسورتي البقرة وآل عمران بصفة دائمة.
وقد ثبّت ورود حديثين شريفين عن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشيران إلى تقديم المسلم الذي يحفظ سورة البقرة وآل عمران عن غيره من المسلمين، وذلك لما جاء عن الصحابي عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ أنه النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :”اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَأَنَا أَصْغَرُ السِّتَّةِ الَّذِينَ وَفَدُوا عَلَيْهِ مِنْ ثَقِيفٍ، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ قَرَأْتُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ”، كما جاء حديث آخر عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قول النبي :”كان الرجُلُ إذا قرَأَ البقرةَ وآلَ عِمرانَ يُعَدُّ فينا عظيمًا”.
أورّد الله ـ عز وجل ـ للمسلمين ألجر العظيم الذين يتحصلون عليه حال قراءتهم لآيات القرآن الكريم في صلاة قيام الليل، فقد جاء عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ـ قال:”
من قامَ بعشرِ آياتٍ لم يُكتب منَ الغافلينَ ومن قامَ بمائةِ آيةٍ كتبَ منَ القانتينَ ومن قامَ بألفِ آيةٍ كتبَ منَ المقنطرينَ”، وتكون هذه القراءة من سورة البقرة أو غيرها من السور القرآنية، كما يصح للمسلم قراءة بعض آيات سورة البقرة في صلاة القيام ثم إتمام قراءتها خارج الصلاة.
الأحاديث الخاصة بفضل قراءة سورة البقرة 40 يوم متواصلة لا أساس شرعي لها، وفضل سورة البقرة عامةً زيادة البركة والرزق، طرد الشياطين، حفظ المسلم، هدايته إلى الصواب.
