ابحث عن أي موضوع يهمك
قصص عن المروءة عند العرب قديماً، فلا يزال العرب أسياد القوم قديماً وحاضراً، ففيهم تجلّت مظاهر الرجولة وسادت الشجاعة، ويُقصد بالمروءة النُبل والسع في قضاء حوائج الناس ببشاشة وجه وسعة صدر وحلاوة لسان وسلامة قلب، وأن يحب المرء للناس ما يُحيه لنفسه ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، ويعرّض موقع مخزن المعلومات عدة قصص مختصرة بشأن مروءة العرب وحُسن أخلاقهم.
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في شأن المروءة “وحقيقة المروءة تجنب الدنايا والرذائل من الأقوال والأخلاق والأعمال، فمروءة اللسان حلاوته وطيبه ولينه، واجتباه الثمار مِنْه بسهولة ويسر، ومروءة الخلق سعته وبسطه للحبيب والبغيض. ومروءة المال الإصابة ببذله في مواقعه المحمودة عقلاً وعرفًا وشرعًا”، وقد جاء في تاريخ العرب العديد من القصص الدالة على مروءتهم وشهامتهم ونُبل أخلاقهم في تلبية متطلبات الآخرين، ومن بينها القصة الآتية.
في يوم ما مر رجل بالقرب من أحد بائعي الخضار ليتوقف متبادلاً الحديث معه عن أخبار السوق والحياة، وأثناء ذلك مرت امرأة كبيرة السن تحمل ثِقلاً كبيراً عن ظهرها، وما أن رآها الرجل حتى سألها عن مقصدها وإلى أين هي ذاهبة، ردّت عليه المرأة عل استحياء أنها قادمة من إحدى الممالك الكبيرة ولا تدري إلى أين تذهب فليس لها موضعاً للمبيّت، وذلك لكونها جارية لا تملك مالاً أو مأوى وهي في انتظار أخيها حتى يأتي لتذهب معه، إلا أنها لا تدري متى سيأتي ، فأخذ منها الرجل الثِقل الذي تحمله وطلب منها الذهاب معه إلى منزله حتى يُعرفها إلى زوجته وتجلس لديهما حتى يعود أخيها من مكانه.
بالفعل شكرت المرأة الرجل على مروءته وذهبت معه وعرفها إلى زوجته فأحبتها بشدة وتعلقت بها ولم تجد منها سوى الكرم وحُسن الضيافة والمعاملة، وبعد أسبوع جاء أخ المرأة ليشكر الرجل ويقول له لو كان معي أمولاً لمنحتك إياها إلا أنه ليس في يدي سوى العرفان والشكر، ليقول له الرجل لا بأس فأختك هي أخت لي، وذهبا بعد أن سأله عن اسمه ليقول له أنه عمر بن ميسرة، وذهبا في طريقهما.
وبعد مرور عام كامل جاء إلى الرجل رسول من مملكة بعيدة حاملاً لرسالة يدعو فيها الملك الرجل لزيارة قصره اليوم في السابعة مساءً، فتعجب الرجل بشدة لعدم وجود أية علاقة له بالملك، وظن أنه ربما يُسجن هناك فهدأت زوجته من روعه وأخبرته أن يتوكل على الله ويذهب.
وحينما ذهب في الميعاد تفاجأ بالمرأة التي استضافها في بيته أخيها هما الملك والملكة جالسين على العرش وأمامهما الكثير من الأموال والذهب، وقد كانا في رحلة للبحث عن رجل ذو مروءة ليمنحوه كنزاً عظيماً، وإذ به كان هذا الرجل، فقال له الملك خذ جميع الأموال والذهب التي أمامك فأنت حقاً تستحقها وزوجتك، بلغها تحياتنا وأكرمها وأسعدها فهي ونعم النساء، وأنا واثق أن المال لن يُنسيك ربك أو دينك أ مروءتك، فخرج الرجل مسروراً يحمد الله على ما منحه له من جزاء، وعاش سنوات طويلاً من الخير والإحسان جزاءً لمروءته.
اقرأ أيضًا: قصص عن دعوة المظلوم
من أفضل القصص الدالة على خصال المروءة والشهامة عند العرب هي مروءة نبي الله يوسف الصديق ـ عليه السلام ـ الذي أسرع بتأويل المنام الذي شاهده ملك مصر دون أخذ أجره، كما أنه لم يساومه في الحصول على حريّته من السجن على الرغم من كونه مسجوناً لسنوات طويلة ظلماً، فجاء رده فورياً على العبد الذي جاء يسأله عن تفسير رؤية الملك في قول الله تعالى:”«يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ”، وجاء تأويل يوسف للرؤية كطوق نجاة للبلاد والعباد وإغاثة الملهوف.
اقرأ أيضًا: قصص عن دعاء الكرب
جاء نبي الله موسى ـ عليه السلام ـ مثالاً في الشهامة ونبل الأخلاق، فعلى الرغم من ذهابه فراراً من مصر خوفاً من بطش فرعون وجنوده، وكان مصاباً بالإعياء والجهد، إلا أنه حينما رأى بئراً للمياه تتزاحم الناس عليه للحصول على المياه لسقي أغنامهم، ورأى أيضاً امرأتين قد تنحيتا في جانب حياءً وانتظاراً حتى يفرغ الرجال حتى يسقيا أفنامهن، فلما شاهد ذلك لم يفكر في نفسه بل تقدّم إليهما لمساعدتهم وسقي أغنامهم، فكانتا ابنتي نبي الله شعيّب، وجاء ذلك في قول الله تعالى “وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ”.
اقرأ أيضًا: قصص عن التوبة
قي عهد الفاروق عمر بن الخطاب جاء إليه ثلاثة شباب ممسكين برجل وقاله له يا أمير المؤمنين فلتقتص لنا من هذا الرجل، فقد قتل أبنانا، نظر إليه عمر وقال له لما قتلته يا رجل؟، أجاب الرجل لم أقصد فما أنا إلا راعي إبل وماعز، وقد أكل جمل من عندي شجرة من حديقة الرجل، فضربه الرجل بحجر ومات، فأمسكت الحجر وأعد رميّه على الرجل فأصابه فمات.
قال له عمر إذا فسأقيم عليك الحد، قال له الرجل فلتمهلني فقط ثلاثة أيام، فقد مات أبي وترك لي كنزاً ولأخي الصغير، فإن ضاع الكنز قتلتني وضاع أخي من بعدي، قال له عمر ومن يضمنك، فأشار الرجل إلى أبي ذر الغفاري وقال هذا الرجل يضمنني، سأل عمر أبا ذر وقال له أتضمنه، أجاب أبو ذر نعم يا أمير المؤمنين، فأجابه أنت لا تعرفه وإن غاب سأقيم عليك الحد بدلاً منه، لأجاب أبا ذر أضمنه يا أمير المؤمنين.
رحل الرجل ومر يومين وفي اليوم الثالث تأخر الرجل قليلاً عن الحضور وأصبح الجميع قلقاً حول مصير أبا ذر الغفاري، وما أن حضر الرجل يلهث من التعب وسلّم نفسه بين يدي أميز المؤمنين وسأله لم رجعت كان يُمكنك الهرب، فأجابه خفت أن يقول الناس انتهي الوفاء بالعهد، فسأل أبي ذر وأنت لما ضمنته قال خشيت أن يقول الناس ذهب الخير من الناس، فتأثر أبناء القتيل وعفّوا عن القاتل خوفاً من أن يُقال ذهب العفو عن الناس.
اقرأ أيضًا: قصص أطفال قبل النوم عن الأمانة
كان هناك جارية صغيرة السن تذهب إلى خير الخلق محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتأخذه من يده فيمشي معها حتى يقضي لها حاجتها دون امتعاض أو رفض.
كان الفاروق عمر بن الخطاب إن كان في غير وقت الجهاد ورفع راية الإسلام يسير في شوارع المدينة المنورة وينادي على الناس “إن غاب الرجال فأنا أبو العيال” ليطمئن النساء بذلك أنه موجود في خدمتهم وراع لمصالحهم وقضاء حوائجهم حتى يعود إليهم أزواجهم من الجهاد، فكانت المرأة تُخرج الإناء وتعلقه أمام باب بيتها، فيعلم أنها في حاجة لأغراض من السوق ليحضرها إليها على الفور.
اقرأ أيضًا: قصص الصحابيات رضى الله عنهم
أن يكون المرء متصفاً بالأخلاق النبيلة وفي عون أخيه، خُلق حسن يوجب الابتعاد عن كل سيء.