إن من حق رسول الله عليه وسلم ومن واجبات من يتبع الدين الإسلامي على حق وليس المنافق هو أن يتم اتباعه والتحاكم إليه وإلى سنته فهذا جزء من شرع الله تبارك وتعالى، وفي هذا قال ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم في سورة النساء “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ” وقال أيضًا في سورة آل عمران “وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” وقال أيضًا في سورة محمد “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ” ومن هنا يتبين لنا أن عدم اتباع النبي والتحاكم إلى النبي فيها خروج عن طاعة الله عز وجل وفيها خروج عن شرع الله.
وجوب التحاكم إلى النبي
سنوضح لكم في النقاط التالية مدى وجوب التحاكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
يجب علينا الانتباه إلى أن شرع الله لا يوجد فيه تهاون وأن من خرج عن التحاكم إلى الله ونبيه صلى الله عليه وسلم فقد خرج عن الملة والهدى والاستقامة بدين الله، ومن ترك التحكيم في شرع ربنا عز وجل فقد أصبح معتد وكافر وآثم، وهو من الكفر الأكبر المخرج عن الدين، ومن يقول أن قواني البشر أفضل من حكم الله فهو كافر أيضًا ومن يقول أن قوانين الطاغوت أفضل فإن ذلك كفر، ومن قرر الاحتكام بعقله وهواه ومنطقه وقوانينه الخاصة بدلًا من الاحتكام إلى شرع الله فهو خارج عن ملة الله، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا“.
ويقول الله تعالى أيضًا في سورة النجم” وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى” وفي تلك الآية ما يوضح لنا أن النبي صلى الله عليه يسلم لا يتكلم إلا ما ينزله الله عليه من وحي وهدى كي ينفعنا به، فكلامه ليس من آرائه الشخصية لا لاحتكامه بهواه ونفسه وإنما بشرع الله الذي ينزله عليه عن طريق جبريل عليه السلام.
ونحن المسلمون علينا حينما نقرأ القرآن الكريم ونرى آيات الله سوف نتمكن بسهولة من إدراك مدة وجوب الاحتكام إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فكثير من الآيات القرآنية يأمر الله فيها بطاعته هو ورسوله من بعد، فكم من مرة مرت أعيننا على آيات “وأطيعوا الله ورسوله” باختلاف مواضعها، وهذا أمر من الأمور التي جدال عليها أبدًا بين الشيوخ ورجال الدين وفقهائه، فهي من أساسيات وركائز من ينتمون إلى الدين الإسلامي، فالدين هو قرآن الله وسنة نبيه.
آيات الحكم بشرع الله
هناك العديد من الآيات التي ذكرها لنا الله تبارك وتعالى في كتابة من أجل الاحتكام بشرعه، وهي من الأمور الواجبة على كل مسلم ومسلمة بلا أي تهاون في أخذها وتطبيقها، ومنها ما نذكره لكم في الآتي:
يقول ربنا تبارك وتعالى في سورة الشورى “”وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ” وفي تلك الآية الكريمة دلالة على أن اختلافنا كبشر مؤمنون وموحدون بالله مرجعه إلى الله والاحتكام إليه وحده فيما اختلفنا فيه.
يقول ربنا تبارك وتعالى في سورة النساء: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرً“، ويتبين لنا في تلك الآية الكريمة أن الحكم بشرع الله هو الأساس ولا إيمان بإتباع هوى النفس، فمن شروط الإيمان العدل مع النفس وعدم ترك الهوى محل الاحتكام في الأمور.
يقول ربنا تبارك وتعالى في سورة الحديد “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ” في تل الآية دلالة على أن الله سبحانه وتعالى ينزل علينا شرعه وبينته من خلال رسوله عليهم السلام وعلينا كمسلمين الاحتكام بتلك البيانات التي أرسلها معهم والتي ذكرت على ألسنتهم فهم لا ينطقون عن الهوى إنما عن طريق وحي الله إليهم.
يقول ربنا تبارك وتعالى في سورة المائدة: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” وفي تلك الآية الكريمة إلمام كامل بحالة المنافقين الذي توعدهم الله بأن يكونوا في الدرك الأسفل من النار لأنهم ينافقون في دين الله ولا يحكمون إلا بهواهم
حكم تبديل شرع الله
في السطور التالية سوف نوضح لكم حكم تبديل شرع الله في ذلك:
إن حكم من يبدل شرع الله واضح وصريح، فهو كفر صريح وخروج عن ملة الله تبارك وتعالى، ومن فعل ذلك فهو كافر فاسق لا يمكن احتسابه على المؤمنين ولا حتى المسلمين، والدليل على ذلك قوله ربنا وتعالى في سورة النساء “فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” أي أنه من تمام الإسلام والإيمان أن يحتكم كل فرد منا بدين الله وسنة نبيه ولا يستبدله بأي قانون أو حكم أو شرع آخر.
يقول تبارك وتعالى أيضًا في هذا الصدد في سورة المائدة “وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” وفي نفس السورة قال تعالى ” وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” وهنا الدليل الحاسم على أن ترك الاحتكام إلى شرع الله وما أنزله في كتابه هو كفر لا خلاف عليه وظلم كبير للنفس فيه هلاكها، وفي نفس السورة كذلك قال تعالى”وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ”.
ومن هنا يتبين لنا أن عدم الامتثال لدين الله تعالى وتبديل شرعه واللجوء إلى أي حكم غير حكمه هو كفر واضح وظلم للنفس وفسق كبير، ومن يفعل ذلك فهو في الآخرة من الخاسرين وفي الدين من الخائبين.
اقوال العلماء في الحكم بغير ما أنزل الله
سنقدم لكم في السطور التالية بعض من أقوال العلماء في الحكم بغير شرع الله:
من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر
ابن تيمية
الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرا ينقل عن الملة، وقد يكون معصية كبيرة، أو صغيرة، ويكون كفرا مجازيا، وذلك بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر، وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعلمه في هذه الواقعة، وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا عاص، ويسمى كافرا كفرا مجازيا، أو كفرا أصغر، وإن جهل حكم الله فيها، مع بذل جهده، واستفراغ وسعه في معرفة الحكم، وأخطأه، فهذا مخطئ، له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور
ابن أبي العز
الحكم بقانون غير الشريعة يكون فيه الفاعل كافرًا كفرًا أكبر، أما إذا فعل ذلك لأسباب خاصة كان عاصيًا لله من أجل الرشوة، أو من أجل إرضاء فلان، وهو يعلم أنه محرم يكون كفرًا دون كفر، أما إذا فعله مستحلاً له، يكون كفرا أكبر