في حقيقة الأمر أن العلماء أجمعوا على أن الدعاء للكافر بالشفاء يجوز إن كان من الأقارب، في حال إن كان أبوه أو أمه أو أخوه أو أخته أو ابن أو ابنة، أو يربطهما صلة قرابة بشكل عام، فلا حرج إذن في الدعاء للكافر بالشفاء العاجل.
أما إذا كان الكافر ليس بقريب ولا يربطهما صلة قرابة؛ فلا يجوز في هذه الحالة الدعاء للكافر بالشفاء، إلا إذا طلب الرقية الشرعية فلا حرج في ذلك.
ودلالة على هذا الأمر قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل بدر فلما كان بِحَرَّة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رأوه فلما أدركه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- جئت لأتبعك وأصيب معك، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال فارجع فلن أستعين بمشرك).
كما يجوز أيضا زيارة الكافر في مرضه بصدق أن يرق قلبه خشوعا للدخول في الإسلام، لأن الإنسان في حالة المرض يكون في أضعف حالاته.
وبعد أن توصلنا من خلال الفقرة السابقة التي قدمناها لك عزيزي القارئ من خلال مخزن إلى حكم الدعاء للكافر بالشفاء؛ وذكرنا أن الدعاء له بالشفاء لا حرج فيه إن كان من الأقارب، ولا يجوز إذا كان من غير الأقارب، ولكن ما هو إذن حكم الرقية الشرعية على قبر المسلم؟ هذا ما سوف نتناول الإجابة عنه من خلال السطور القادمة:
الجدير بالذكر أن الرقية الشرعية على غير المسلم تجوز ولا حرج في ذلك، فيجوز للمسلم أن يرقي غير المسلم، وخاصة إذا كان ذلك الأمر مرتبطاً بدعوته إلى الإسلام.
ونستدل على حكم الرقية الشريعة على الكافر من خلال ما رواه خارجة بن الصلت، عن عمه، أنه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسلم، ثم أقبل راجعا من عنده، فمرَّ على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فقال أهله: إنا حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير، فهل عندكم شيء نداويه؟ فرقيته بفاتحة الكتاب، فبرأ، فأعطوني مئة شاة، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فقال: “هل قلت غير هذا؟” قلت: لا، قال: “خذها، فلعمري لمن أكل برقية باطل، لقد أكلت برقية حق”.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري): (زاد البزار في حديث جابر فقالوا لهم: قد بلغنا أن صاحبكم جاء بالنور والشفاء! قالوا: نعم).
أما عن ابن القيم فقال في (مدارج السالكين): (تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه، فأغنته عن الدواء، وربما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدواء. هذا مع كون المحل غير قابل، إما لكون هؤلاء الحي غير مسلمين، أو أهل بخل ولؤم، فكيف إذا كان المحل قابلا).
أحوال الدعاء للكافر
إن الدعاء في الإسلام هو عبادة تقوم على سؤال العبد المسلم ربَّه والطلب منه، سواء كان الدعاء من أجل الشخص الداعي أو الدعاء لأجل شخص آخر بالشفاء أو بالرزق أو بالرحمة، ولكن الدعاء للكافر له أحكام في الشريعة الإسلامية، وهذه الأحكام بناء على حالة الدعاء للكافر كما سيتجلى من خلال السطور القادمة:
الحالة الأولى: الدعاء لهم بالرحمة
ففي هذه الحالة لا يجوز الدعاء للكافر بالرحمة والمغفرة، كما في قوله تعالى بالآية رقم 113 من سورة التوبة: “مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ”.
ونستدل على هذا الحكم أيضا من خلال قوله تعالى في الآية رقم 4 من سورة الممتحنة: “قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ”.
أما في السنة النبوية فلقد ورد في حديث أبي بردة، عن أبيه قال: (كانت اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم: يرحمكم الله، فكان يقول لهم: “يهديكم الله ويصلح بالكم”، حيث قال السندي في ذلك: أن الحديث يدل على أنه لا يجوز الدعاء للكافر بالرحمة، بل يدعى له بالهداية، وصلاح البال).
الحالة الثانية: الدعاء لهم بالهداية
أما عن الحالة الثانية وهي الدعاء للكافر بالهداية فهي جائزة ولا بأس في ذلك، بل من الأفضل الدعاء للكافر المسالم الذي لا يؤذي غيره من المسلمين بأن يهديه الله، ويصلح من حاله إلى الأفضل، واتفق أهل العلم على ذلك أيضا.
ونستدل على ذلك من خلال حديث جابر -رضي الله عنه- قال: (قالوا: يا رسول الله، أحرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم. قال: “اللهم اهد ثقيفًا”).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- حيث قال: (قال رسول الله: “اللهم اهد دوسًا وأت بهم”).
الحالة الثالثة: الدعاء عليهم
الجدير بالذكر أن الدعاء على الكافرين بالهلاك أمر واجب على كل مسلم حتى لا ينشروا كفرهم في الأرض ويؤذوا المسلمين.
وعن هذا الأمر قال النووي: (أن الله تعالى قد بيّن في مواضع كثيرة من القرآن الكريم عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بدعائهم على الكافرين).
وجاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف”).
إضافة إلى ما سبق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم عليك بأبي جهل).
ودعا عليهم أيضا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الخندق فقال: (ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا، كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس).
وبالنسبة إلى الأحزاب فدعا عليهم -صلى الله عليه وسلم- وقال: (اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم).
الحالة الرابعة: الدعاء لهم بالأمور الدنيوية
أما عن الدعاء للكافرين بالأمور الدنيوية كالرزق والصحة والعمل، وما إلى ذلك؛ فلقد أجمع أهل العلم على أنه يجوز الدعاء لهم بذلك حتى يكون بابا لهدايتهم ودخولهم إلى الإسلام.
ولكن في حقيقة الأمر أن بعض أهل العلم ذهبوا على أن الدعاء للكافرين بالأمور الدنيوية كالرزق والصحة وغيرهم لا يجوز.
وعن هذا الأمر قال النووي: (وأما الدعاء له بالهداية فمستحب، وأما التشميت فيستحب تشميته، بأن يقال له: يهديكم الله، كما جاء به الحديث، ويجوز غسله إِذا مات، وزيارة قبره، ولا تجوز الصلاة عليه، ولا الدعاء له بالمغفرة).
وقال أيضا المناوي في فيض القدير: (يجوز الدعاء للكافر أيضًا بنحو هداية، وصحة، وعافية، لا بالمغفرة {إن الله لا يغفر أن يشرك به} … وخرج باليهود، والنصارى؛ الذميين أهلُ الحرب، فلا يجوز الدعاء لهم بتكثير المال، والولد، والصحة، والعافية؛ لأنهم يستعينون بذلك على قتالنا).