يقول الله تبارك وتعالى في الآية رقم 5 من سورة البينة: “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ”، ففي حقيقة الأمر أن هناك آداباً يجب على طالب العلم الالتزام بها تجاه المعلم أو الشيخ الذي يقوم بتدريسه، وتجاه العلم الذي يتعلمه، ومن أجل ذلك سنتناول من خلال مخزناداب طالب العلم كما سيتجلى لك عزيز القارئ في النقاط التالية.
إخلاص العلم لوجه الله
لا شك في أن الطالب الذي أراد طلب العلم يخلص في هذا الطلب، وهذا يرجع إلى أن العلم وسيلة من وسائل العبادة، ويجب أن تكون العبادة خالصة لوجه الله تعالى وحدة، فكما ذكرنا في مقدمة محتوانا هذا قول الله تبارك وتعالى في الآية رقم 5 من سورة البينة: “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ”.
ويقول الله عز وجل في الآية رقم 14 من سورة غافر: “فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”.
فعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يُصِيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن أولَ الناس يُقضَى يوم القيامة عليه: رجلٌ استُشهد فأُتي به فعرَّفه نعمه فعَرَفها، قال فما عملت فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدت، قال: كذبتَ، ولكنك قاتلتَ لأنْ يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسُحِب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلَّم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرَّفه نعمه فعَرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلَّمت العلم وعلَّمته وقرأتُ فيك القرآن، قال: كذبتَ، ولكنك تعلَّمتَ العلم ليقال: عالم، وقرأتَ القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمِر به فسُحِب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعَرَفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تحب أن يُنفَق فيها إلا أنفقتُ فيها لك، قال: كذبتَ، ولكنك فعلتَ ليقال: هو جَوَاد، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه، ثم ألقي في النار).
وعليه؛ فيجب على طالب العلم أن تكون نيته حاضرة لأن يرفع الجهل عن نفسه، وأن يعبد الله عز وجل على بصيرة، بالإضافة إلى أنه ينبغي عليه أن يتقرب من الله تبارك وتعالى بطلب علمه هذا لأن طلب العلم جهاد.
وإخلاص طلب العلم لوجه الله يكون بمثابة زيادة خشية من الله عز وجل، حيث نستدل على ذلك من خلال قوله تعالى في الآية 28 من سورة فاطر: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ”.
والجدير بالذكر أن إخلاص العلم لوجه الله يرفع طلاب العلم إلى منازل ودرجات عالية فقريبه منه عز وجل، وهذا ما سوف نستدل عليه من قوله تعالى في الآية 11 من سورة المجادلة: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”.
وإخلاص طلب العلم لوجه الله يعاكس طلب العلم لتحصيل الدنيا، وهذا ما أشار إليه أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن تعلَّم علمًا مما يُبتغَى به وجهُ الله – عز وجل – لا يتعلَّمه إلا ليصيبَ به عرَضًا من الدنيا لم يجدْ عَرْف الجنة يوم القيامة).
تقوى الله
فعلى طالب العلم أن يتقي الله عز وجل في جل الأمور ولا سيما في تحصيل العلم.
فيقول الله عز وجل في الآية 282 من سورة البقرة: “وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”.
كما يقول الله تعالى عن تقواه في الآية رقم 4 من سورة الطلاق: “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا”.
ويقول أيضا سبحانه وتعالى عن أهمية القوى في الأعمال الصغيرة أو الكبيرة في سورة الليل من الآية (5 :7) :”فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى”.
الرحلة في طلب العلم
فالاجتهاد في رحلة طلب العلم تعد واحدة من أهم الآداب التي يجب أن يلتزم بها طالب العلم، وذلك من خلال حضور الدروس والحفظ والفهم والمذاكرة، والاطلاع على المزيد من المعارف والمعلومات.
فكان الصحابي جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – يسافر مسيرةَ شهر كامل ليأخذ حديثًا واحدًا، ونستدل على ذلك من خلال السطور القادمة:
فعن عبد الله بن محمد بن عقيل، أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: بَلَغني حديثٌ عن رجل سَمِعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاشتريتُ بعيرًا، ثم شددتُ عليه رَحْلي، فسِرْتُ إليه شهرًا حتى قَدِمتُ عليه الشام، فإذا عبد الله بن أُنَيس، فقلت للبوَّاب: قل له: جابرٌ على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم.
فخرج يطأ ثوبه فاعتنقنِي واعتنقتُه، فقلت: حديثًا بلغني عنك أنك سَمِعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القِصاص، فخشيتُ أن تموت أو أموت قبل أن أسمعَه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يُحشَر الناسُ يوم القيامة – أو قال: العبادُ – عُرَاةً غُرْلاً بُهمًا).
قال: قلنا وما بهمًا؟ قال: (ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوتٍ يسمعُه مَن قَرُب: أنا الملِك، أنا الديَّان، ولا ينبغي لأحدٍ من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحدٍ من أهل الجنة حق حتى أقصَّه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصَّه منه، حتى اللطمة)، قال: قلنا: كيف وإنَّا إنما نأتي الله – عز وجل – عُرَاةً غُرْلاً بُهْمًا، قال: (بالحسنات والسيئات).
الحرص على الوقت
من أهم آداب طالب العلم القدرة على إدارة وتنظيم الوقت، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار في أكثر من موضع في أحاديثه إلى أهمية الوقت والحرص على إدارته بشكل مفيد ومنظم.
فيقول علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ويصف حال النبي – صلى الله عليه وسلم-: (كان إذا أوى إلى منزله جزّأ نفسه دخوله ثلاثة أجزاء، جزء لله، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، ثم جزأ جُزأه بينه وبين الناس).
كما قال ابن أبي نصر الحافظ عن الوقت:
الفقه في الدين بالآثار مقترن فاشغل زمانك في فقه وفي أثر
فالشغل بالفقه والآثار مرتفع بقاصد الله فوق الشمس والقمر
عدم الجلوس وسط الحلقة
فمن آداب طالب العالم أنه لا يجلس في وسط حلقة من الطلاب.
فعن أبي مِجْلَزٍ أن رجلاً قعد وسط حلقة، فقال حذيفة: ملعون على لسان محمد، أو لعن الله على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم- مَنْ قَعَدَ وسط الحلقة.
الصبر على طلب العلم
إن الصبر صفة من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمن بشكل عام، ولاسيما في طلب العلم، فتعد واحدة من أهم صفة يتصف به طالب العلم.
فكما ذكرنا أن طلب العلم رحلة طويلة وبها مشقة، بناء على تلك المشقة فيجب على طالب العلم أن يتسم بالصبر، فيقول الله عز وجل في الآية 85 من سورة الإسراء: “وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا”.
فكما أبي يوسف أنه قال: (العلم شيء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، وأنت إذا أعطيته كلك من إعطائه البعض على غرر)، كما أننا لا نغفل عن قول يحيى بن أبي كثير في صفة الصبر لطلاب العلم: (لا يستطاع العلم براحة الجسم).
أما عن الإمام الشافعي فيقول:
سأطلب علماً أو أموت ببـــلدة يقل بها هطل الدموع على قبري
وليس اكتساب العلم يا نفس فاعلمي بميــراث آباء كرام ولا صهر
ولكن فتى الفتيان من راح واغتـدى ليطلب علمــاً بالتجلد والصبر
فإن نال علماً عاش في الناس مـاجداً وإن مات قال الناس بالغ في العذر
إذا هجع النوام أسبـــلت عبرتي وأنشدت بيتاً وهو من ألطف الشعر
أليس من الخسران أن ليــــالياً تمر بلا علم وتحسب من عمـري
العمل بالعلم
ففي حقيقة الأمر أن الغاية الأولى من طلب العلم هي العبادة، والغاية الأخرى هي العمل بهذا العلم.
وهذا لم يقوم به اليهود بما تعلموه في التوراة، فيقول الله عز وجل عنهم في الآية 5 من سورة الجمعة: “مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”.
كالقوم الذين يقولون ما لم يفعلوا في الآية 2/ 3 من سورة الصف: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ”.
آداب طالب العلم مع معلمه
استخارة الله عز وجل فيمن يأخذ عنه العلم.
التواضع للمعلم أو الشيخ.
الجلوس بأدب بين يدي المعلم.
ألا يماري لاب العلم شيخه.
آداب طالب العلم في درسه
البداية في طلب العلم تكون بدراسة وحفظ القرآن الكريم.
عدم الانشغال في بداية التعلم بالخلاف بين العلماء في الآراء.
التأدب مع حاضري مجلس العلم.
عدم الاستحياء في طرح السؤال.
الالتزام بما يقره عليه معلمه.
آداب طالب العلم في نفسه
تطهير القلب لاستقبال العلم.
المبادرة في تحصيل العلم.
عدم المبالغة والإكثار في ساعات النوم.
ألا يفتي في بغير علم.
تجنب المعاصي.
صفات طالب العلم
الإصرار على طرح الأسئلة الغامضة بالنسبة له على معلمه.
أن يكون مستمعا جيدا أكثر من كونه كثير الأسئلة.
الاجتهاد في الدراسة.
أن يكون ذو شخصية قيادية.
أن يكون منضبطاً للوصول إلى الأهداف المرجوة.
القدرة على إدارة وتنظيم الوقت.
والجدير بالذكر ومن أبرز صفات طالب العلم هي التفاؤل في تحقيق الأهداف.