ابحث عن أي موضوع يهمك
قصه عن عائشه رضي الله عنها نعرضها في مخزن فقد حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم وزوجته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بلاء عظيم، وقد أُطلق عليه حادثة الإفك؛ فقد افترى على أم المؤمنين جماعة من المنافقين، ولكن الله تعالى نجّاها من شرّهم.
أطلق المختصّون بعلم السيرة النبويّة الحادثة التي اتهمت فيها عائشة أم المؤمنين رضيَ الله عنها بحادثة الإفك، ويقصد بالإفك الكذب، وهو ما قال به الله تعالى في سورة النور الآية 11 (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ)، إذ أراد مختلقها جعل الباطل حقّاً، وتغيير الحقيقة لكي يجعلها مثلما يريد، فبتلك الحادثة أراد عبد الله بن أبي سلول التغيير في حقيقة سيرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوجة النبي الطاهرة المبرّأة المطهّرة، للباطل الممتلئ بالفواحش.
خرجت السيدة عائشة رضيَ الله عنها مع الرسول صلى الله عليه وسلم بغزوةِ بني المُصطلق، مثلما ورد بحديث عائشة رضيَ الله عنها أنها قالت (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذَا أرَادَ أنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أقْرَعَ بيْنَ أزْوَاجِهِ، فأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بهَا معهُ، فأقْرَعَ بيْنَنَا في غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي)، وذلك عقب أن فرض الله جل وعلا على النّساء الحجاب.
وبطريقِ الرجوع من الغزوة نزلت عائشة من هودجها لأمرٍ ما، وحين رجعت للهودجِ تفقّدت عقدها ولكن لم تجده، فعادت للبحثِ عنه، وخلال ذلك قام الرّجال بحمل الهودج ووضعوه فوق البعيرِ معتقدين وجودها في داخله؛ لصِغر سِنِّها وخفّتها، ومضوا تاركينها في الصّحراء وراءهم، وحين وجدت عقدها وعادت إلى مكانِ تجمُّع الصّحابة الأجلاء لم تجد منهم سِوى الصّحابيّ الجليل صفوان بن المعطل رضيَ الله عنه.
فكان السبب في رجوعها هو فقْد عِقْدها؛ لأنّ أختها هي من أعارتها إيَّاه، وحين انتشرت قصة حادثة الإفك، قال النبيّ عليه الصّلاةُ والسّلام لها (إنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ فاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إلَيْهِ)، ولكنها أقسمت رضي الله عنها له أنَّها بريئة.
كان الصحابي صفوان بن المُعطّل رضيَ الله عنه من خيرة الصّحابة الأجلاء، وهو من ساعد السيّدة عائشة رضي الله عنها، وحملها على بعيره، واتجه بها إلى المدينة عقب أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم وصل إليها، وذلك كان بعد رؤيته لها نائمةً بمكانها الذي كانت به حين فقدت عُقدها؛ لعلّهم يدركون غيابها ويَرجعون لها، فعرفها؛ وذلك لأنَّه قد رآها قبل فرض الله الحِجاب عليهنّ.
فاستيقظت السيدة عائشة رضيَ الله عنها من النوم بعد سماعها قول الصحابي صفوان رضيَ الله عنه “إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم”، وكان السبب في تأخُّر صفوان رضيَ الله عنه؛ كثرة نّومه، فغطّت بجلبابها وجهها رضي الله عنها، ولم تتحدث إليه، وانطلقت لتركب على راحلتِه إلى أن أتى بها لمكانِ نُزول الجيش، وذلك كان بوقت الظهيرة.
شاهد أيضًا: قصه عن النبي ابراهيم
انتشر في المدينةِ المنّورةِ حديثُ الإفك قُرابة الشّهر، وكانت عائشة رضيَ الله عنها لا تسمع به ولا تشُعر بشيءٍ، ولكنّها شعرت بأن مُعاملة الرسول عليه الصلاةُ والسلام تغيرت لها، وعقب خُروجها وجدت أُمّ مسطح تسُب ابنها، فقالت لها: هل تسبّين رجلاً قد شهد بدراً؟ فأعلمتها بما تحدّث عنها الناس من الإفك.
وهو ما جعلها تزداد على مرضها مرضاً، وذهبت لبيت أهلها، تسأل أُمّها حول ما سمعتهُ من كلامِ، فطمأنتها، ولكنَّها ظلت تبكي اللّيل كله، واستمرت كذلك شهراً كاملاً، وقد ضاق بالنبيّ عليه الصّلاةُ والسّلام الأمر بما سمِع في أمر زوجته من ترويج المُنافقين، وكُلُّ هذا تم بتحريضٍ عبد الله بن أُبي بن سلول، واشاعته وإذاعته للخبر، وهو مّا ساهم بانتشار وتداول الخبر ما بين النّاس.
أقرأ أيضًا: قصص عن دعوة المظلوم
أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم للسيّدة عائشة رضيَ الله عنها وحدثها بما سمِع، ثم تشهّد وقال (يا عَائِشَةُ، فإنَّه بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذَا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إلَيْهِ، فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عليه).
فلم تتمكن من إجابته ولكنها طلبت من أبيها أن يجيبه، فلم يدري ماذا يقول، فطلبت أن تجيبه أمّها، ولكنها تعرف ماذا تقول، فقالت (إنِّي واللَّهِ لقَدْ عَلِمْتُ أنَّكُمْ سَمِعْتُمْ ما يَتَحَدَّثُ به النَّاسُ، ووَقَرَ في أنْفُسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ به، ولَئِنْ قُلتُ لَكُمْ إنِّي بَرِيئَةٌ، واللَّهُ يَعْلَمُ إنِّي لَبَرِيئَةٌ لا تُصَدِّقُونِي بذلكَ، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ، واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، واللَّهِ ما أجِدُ لي ولَكُمْ مَثَلًا، إلَّا أبَا يُوسُفَ إذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، واللَّهُ المُسْتَعَانُ علَى ما تَصِفُونَ} [يوسف: 18])، وقد قالت هذا وهي تعلم في داخلها أنَّ الله سبحانه سوف يُبرّئها.
شاهد أيضًا: قصص عن دعاء الكرب
أنزل الله جل وعلا بكتابه الكريم آياتٍ تُبرّئ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ وذلك جزاءً على وتوكّلها على اللهِ وصبرها على ما حدث، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقول لنفسها أنَّ الله سبحانه سوف يُبرّئها، ولكنَّها قالت: (ولكن والله ما كنت أظن أنَّ الله منزل في شأني وحياً يُتلى) حيث كانت ترى أنها أقلّ شأناً من أن يتحدث الله تعالى بأمرها بقرآنٍ يُتلى لقيام الساعة، وتوقّعت أن تتم تبرئتها برؤية الرسول عليه الصّلاةُ والسّلام ذلك بالمنام.
وحين نزل الوحي ببراءةِ عائشة رضيَ الله عنها، ذهبَ الرسول صلى الله عليه وسلم إليها، وقالَ (أبشري يا عائشة! أمَّا الله فقد برّأك)، وأنزلَ تعالى عشر آياتٍ بتبرئتِها في سورة النور، وبدأت بقول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ، لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ).
حتى قولهِ تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
فقد أوضحت الآيات بشكلٍ صريح براءة أم المؤمنين عائشة رضيَ الله عنها ممَّا قد اتُهمت به من أصحابُ الإفك، فطلبت والدة السيّدة عائشة رضيَ الله عنها منها أن تذهب إلى النبيّ عليه الصّلاة والسّلام وتشكره، فقالت لها: لا أحمدُ إلَّا الله؛ وهو مَّا يدلُ على مدى صفاءِ عقيدتها، وإيمانها بالله ووتوكّلها عليه.
هناك الكثير من الدروس المستفادة من تلك المحنة العظيمة، أوصلها العلماء لأكثر من خمسين فائدة، ولكن نعرض فيما يلي أهمّ هذه الدروس وهي:
توفيت عائشة رضي الله عنها وفاة طبيعية، وذلك بإجماع من أهل العلم .
