ابحث عن أي موضوع يهمك
قصه عن عيسى عليه السلام وهو الرسول الذي أتى برسالة توحيد انتشرت بالعالم، وحمل إلى قومه الإنجيل وبلغهم به، ويعتبر النبي عيسى عليه السلام واحد من الخمسة أولي العزم من الرسل الكرام، وسوف نذكر فيما يلي أهم الجوانب من قصة سيدنا عيسى عليه السلام في مخزن.
إن قدوم النبي عيسى عليه السلام لم يكن أبدًا قدوماً طبيعياً، ولكنه حدث على نحوٍ لم تعهده البشريَّة مطلقًا، وبقي أمراً فريداً، حيث لم ينل هذا الشَّرف قبله إنسان ولا بعده، وفيما يلي عرض لتلك القصة العظيمة.
كانت السيدة مريم الصِّديقة مقيمة بمحرابها داخل مسجد للتعبد، وكانت إن حاضت ذهبت لبيت خالتها إلى أن تطهر ثمّ ترجع للمسجد لكي تتمّ عبادتها، ولكنها ذات يوم ذهبت إلى مكانٍ بعيدٍ ناحية شرق الدار حتى تغتسل، فقامت بوضع ساتراً ثم اغتسلت، وفور انتهائها وارتداء ملابسها أتى إليها جبريل عليه السلام، وكان على هيئة رجلٍ بشري حتى لا تفزع منه وتقدر على مخاطبته.
أقرأ أيضًا: قصص عن عوض الله
وقد ورد ذلك بقوله تعالى في سورة مريم الآيات 16، 17 (وَاذكُر فِي الكِتابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِها مَكانًا شَرقِيًّا، فَاتَّخَذَت مِن دونِهِم حِجابًا فَأَرسَلنا إِلَيها روحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا سَوِيًّا)، وحين شاهدته فزعت وظلت تذكر الله تعالى له بأن يتَّقيه لكي تردَّ عنها شرَّه، ولكنه سرعان ما هدَّأَ من روعها، قائلًا لها بأنَّه مَلَكٌ أرسله الله لها، وبشرها بغلامٍ، وأنَّ ذلك أمرُ الله وأنه قد قُضِي.
قال تعالى في سورة مريم الآية 18 (قالَت إِنّي أَعوذُ بِالرَّحمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا، قالَ إِنَّما أَنا رَسولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا)، فقد حفظت الورعة التَّقيَّة فرجها عن الحرام، وأرسل لها الله تعالى جبريل حتى ينفخ بجيب قميصها لكي يصل رحمها ثم تحمِلُ بإذن ربِّها به ويكونا آيةً ومعجزة خالدةً للعالمين، وفي ذلك قال تعالى في سورة الأنبياء الآية 91(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ).
أمَّا عن طريقة حدوث ذلك الحمل؛ فهو من الغيبيات الغير مذكورة من الوحي، كما توقف السَّلَف الصَالح عندها، وآمن المسلمون بها دون البحث تفصيلًا باعتباره من الأمور الغيبيَّة، وفي ذلك قال تعالى في سورة آل عمران الآية 47 (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ).
شاهد أيضًا: قصص عن ذكاء أبي حنيفة النعمان
حين بدأت السيدة مريم تشعر بآلام المخاض قامت بالاستناد على نخلةٍ، وبالحال لمع بذهنها لوم النَّاس إليها واتِّهامهم لها بدينها وعفَّتها، فقالت في نفسها يا ليتني كنت متُّ قبل ذلك الحال، وهو ما قال فيه تعالى في سورة مريم الآيات 23، 24 (فَأَجاءَهَا المَخاضُ إِلى جِذعِ النَّخلَةِ قالَت يا لَيتَني مِتُّ قَبلَ هذا وَكُنتُ نَسيًا مَنسِيًّا، فَناداها مِن تَحتِها أَلّا تَحزَني قَد جَعَلَ رَبُّكِ تَحتَكِ سَرِيًّا).
ثمَّّ ولدت النبي عيسى عليه السلام فجائها من تحتها صوتٌ حسب قول الإمام ابن كثير وغيره هو صوت عيسى عليه السلام لاتحزني واشربي من النَّهر وكلي من الرُّطب حتى تقرَّ عينكِ، كما أُمرها الله أن تمتنع عن الحديث مع النَّاس حتى يُترك لابنها الأمر بالرَّد عليهم، لكي يمنع عن أمِّه الحرج وتتحقَّق المعجزة.
وكان يجب عليها القول لجميع من تلاقيه إنها قد نذرت لرَّبها صوماً عن الكلام، وكان ذلك الصوم مشروعاً عندهم ونسخ بشرعنا، وهو ما قال فيه تعالى في سورة مريم الآية 26 (فَكُلي وَاشرَبي وَقَرّي عَينًا فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَدًا فَقولي إِنّي نَذَرتُ لِلرَّحمنِ صَومًا فَلَن أُكَلِّمَ اليَومَ إِنسِيًّا).
أقرأ أيضًا: قصص الصحابيات رضى الله عنهم
كانت رسالة النبي عيسى عليه السلام هي امتداداً لرسالة النبي موسى عليه السلام موجهة خاصة لبني إسرائيل، ولم تتحوَّل إلى العالميَّة سوى بوقتٍ متأخِّر بواسطة الإمبرطور قسطنطين وبولس، وأتت رسالته ترفض الشرك وتحمل مبادئ التوحيد، حيث قال تعالى في سورة الآية (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)، فقد كان النبي عيسى عليه السلام موحِّداً يدين بدين الإسلام وكان على ملَّة النبي إبراهيم حنيفاً، فهو لم يدَّعِ قط للأُوهيَّة، وما كان إلَّا مثل باقي الرُّسل والأنبياء صاحب رسالةٍ ويجب عليه إبلاغها وهو شأنه في ذلك شأن سائر الرُّسل.
وقد أوضح الله جل وعلا أنَّ عيسى عليه السلام أحد أولي العزم بالقرآن الكريم، وهو رسولٌ كريم ونبي، وأنه مثل أي رسولٍ مُوكل بمهمَّة البلاغ بالدَّعوة لتوحيد الله وعبادته، وقد قال تعالى في سورة مريم الآية 30 (قالَ إِنّي عَبدُ اللَّهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَني نَبِيًّا)، وكان متوجهاً لبني اسرائيل قومه الذي طغوا وعصوا الله وابتعدوا عن شريعة النبي موسى عليه السلام، ومن دلائل نبوَّته في الإنجيل نفسه “ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة من هذا فقالت: الجموع هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل”، وكذلك: “ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم، وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبي”
أيَّد الله تبارك وتعالى عيسى عليه السلام ببعض المعجزات منها؛ إبراء الأبرص والأكمه، النَّفخ بالطين على هيئة طير فيصير طيراً بأمر الله، إحياء الموتى، والإخبار عما يدَّخر النَّاس بالبيوت، ويستدل على ذلك بقوله تعالى في سورة آل عمران الآية 49 (وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
إلى جانب تلك المعجزات كانت كذلك من بين معجزاته المائدة التي أنزلها الله له من السماء وللحواريين حتى تكون عيد للأولهم وآخرهم، وهو ما قال تعالى فيه بسورة المائدة الآية 114 (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
حينما بدأ النبي عيسى عليه السلام بدعوة قومه إلى عبادة الله جل وعلا وتوحيده، وعرض المعجزات العظيمة العديدة التي آتاه إياها الله عليهم، كان حالهم الإعراض عنه بل والكفر بما قد دعاهم إليه، وآمن بدعوته قلة قليل وقد أخبر الله سبحانه أن نتيجة دعوة النبي عيسى عليه السلام هو إيمان وتوحيد طائفة من بني إسرائيل إعراض وكفر طائفة، حيث قال تعالى في سورة الصف الآية 14(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ۖ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ ۖ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ).
بعد أن ذهبت السيدة مريم العذراء لقومها، مع ابنها عيسى المسيح، انهال اللّوم والعتب عليها، فبدأوا بالتكلم بأن ما أتت به لا يوافق المنطق والعقل، فكيف تلد مولود بدون أب؟ ولِكي يشعروها بالذنب ذكروها بأن أهلها من الصالحين وبأنّها من نسل الأنبياء، ولكن مريم لم تنطق بكلمةٍ واحدة؛ لأنها نذرت عدم الحديث، وكل ما قامت به أنّ أشارت لابنها بحضنها.
فتكلم النبي عيسى عليه السلام وهو بمهده بمشيئة الله وقدرته، ليندهش جميع الحاضرين ويستمعوا لقوله الوارد في الآيات 30: 33 من سورة مريم (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}.
قبل خروج يأجوج ومأجوج وقبل أن تطلع الشمس من مغربها وعقب خروج الدجال والمهدي.