ابحث عن أي موضوع يهمك
هل يجوز الترحم على اهل الكتاب ؟ ، فمن المعروف أن أهل الكتاب هم أصحاب الديانات السماوية من النصارى واليهود، فهل في حالة موت أحدهم يجوز للمسلم الترحم عليه أم لا ؟ ، وبالإجابة الوافية عن الأمر فقد أجمع أهل العلم والدين بأنه لا ، لا يجوز في الشريعة الإسلامية الترحم على من مات من أهل الكتاب، سواء كان نصرانياً أم يهودياً.
وقد استدل العلماء في قولهم هذا بقول الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)، كما أن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد ثبّت عنه قوله 🙁 والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بي أحَدٌ مِن هذِه الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، ولا نَصْرانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ ولَمْ يُؤْمِنْ بالَّذِي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كانَ مِن أصْحابِ النَّارِ).
حدثنا الإمام ابن تيمية أن المسلم الذي يقوم بالترحم على أحد من أهل الكتاب بعد وفاته يُعد مُعتدياً بالدعاء، وقد نهانا الله ـ جل شأنه ـ عن الاعتداء بالدعاء، حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، وقد أوضح الإمام ابن تيمية في هذا الأمر أن الدعاء لغير المسلم يُعد اعتداءً بالدعاء، حيثُ يسأل العبد ربه ما لم يكن ـ جل شأنه ـ ليفعله ، والله تعالى أعلم بالغيب.
جاءت آراء أهل العلم في المذاهب الفقهية الأربعة مختلفة بشأن حُكم تعزية أهل الكتاب في موتاهم، فذهب أهل المالكية والحنفية والشافعية إلى جواز تعزية أهل الكتاب في موتاهم، وقد جاء دليلهم على هذا الأمر في قول الله تعالى بالقرآن الكريم: ((لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
أما الإمام أحمد بن حنبل فقد جاء مذهبه على روايتين، الرواية الأولى تجيز للمسلم تعزية أهل الكتاب في موتاهم، والرواية الثانية هي تحريم تعزية أهل الكتاب في موتاهم، والتحريم هو القول الأكثر ترجيحاً في مذهبه.
إن بعض العلماء الذين قد أجازوا تعزية أهل الكتاب في موتاهم قد قيّدوا جواز التعزية بشرط اختيار المُعزيّ للألفاظ التي لا يوجد بها أية محاذير شرعية، وألا يدعوا المعزي للميت بالرحمة أو المغفرة حتى لا يُعد ذلك اعتداءً بالدعاء، بل تتم التعزية بالحديث الطيب والألفاظ التي لا ريب فيها، ومن بين مثل هذه الألفاظ:
عندما تم سؤال اللجنة الدائمة للبحوث الإسلامية في المملكة العربية السعودية بشأن حُكم حضور جنائز أهل الكتاب، فقد جاء جواب اللجنة بعدم جواز هذا الأمر إن كان يتوافر من يتكفل بدفن الأموات من دينهم، وقد استدلت اللجنة في قولها هذا بقول الله تعالى في كتابه العزيز :(وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)، بينما في حالة عدم وجود من يتكفل بدفن الميت من دينه فيجوز للمرء المسلم في هذه الحالة دفن الميت من أهل الكتاب.
وفي السؤال ذاته فقد أجابت دائرة الإفتاء الأردنية بجواز حضور المسلم لجنائز أهل الكتاب وذلك بشرط ألا يقوم المسلم بالمشاركة في أي من شعائر أهل الكتاب الدينية بل عليه البقاء بعيداً، كما أنه يُشترط ألا يوجد في هذه الجنازة أي أمر يخالف معتقدات الشريعة الإسلامية، لأنه في حالة وجود ذلك فإنه يحرم على المسلم اتباع جنازة أهل الكتاب.
أوضح الإمام الشيخ الشعراوي ـ رحمه الله ـ في سؤال هل يجوز الترحم على غير المسلم بأنه لا يجوز الترحم على غير المسلم بعد موته، ولا يقتصر هذا الأمر على الكافرين فقط، بل كذلك أياً مما كان مشركاً أو نصرانياً أو يهودياً، ومن بين أقوال الشيخ الشعراوي ـ رحمه الله ـ التي جاءت في بيان حكم الدعاء بالرحمة لغير المسلمين بعد موتهم:
يُعد موقع إسلام ويب أحد أبرز المواقع الإسلامية الموثوقة التي يعتمد عليها الكثير من المسلمين في معرفة الأحكام الدينية الشرعية الواردة عن الأئمة المسلمين، وقد جاء في هذاموقع إسلام ويب بيان حكمم الترحم على غير المسلم بأنه من الأمور غير الجائزة على الإطلاق ويحرم فعلها على المسلمين، وقد جاء بيّان الحكم في النص الآتي:
فالترحم على أموات الكفار لا يجوز، سواء كانوا من اليهود والنصارى، أو كانوا من غيرهم، لقوله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {التوبة:113}.
ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: والذي نفسي بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، ولا يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم وغيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: وقد قال تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ـ في الدعاء، ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله، مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك. انتهى.
أفاد الدكتور أحمد ممدوح أمين عام الفتوى في دار الإفتاء المصرية في فتواها بشأن جواز الترحم على غير المسلم بشرط أن يكون الرجل المتوفى المترحم عليه شخص ذو أخلاق طيبة وصفات حميدة في نفسه، وعُرف عنه وضوحاً أنه لم يكن يعادي أو يكره الإسلام أو يتعمد محاربته، وقد جاءت هذه الفتوى من دار الإفتاء المصرية عقب ورود السؤال الآتي إليها
كما هو الحال عند أهل السُنة والجماعة فقد حرّم المذهب الشيعي أمر الترحم على غير المسلمين، ليكون طلب الرحمة والاستغفار والدعاء لغير المسلمين عند المذهب الشيعي من الأمور المحرمة، وذلك باختلاف الديانات سواء كانت النصرانية أو اليهودية، وقد استدل أهل الشيعة في قولهم هذا على قول الله تعالى في سورة التوبة: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ).