ابحث عن أي موضوع يهمك
من هي التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم هي امي بعد امي؟، فقد كان من عادة العرب في قريش قديماً هي أن يجعلوا لكل مولود جديد مُربية ومُرضعة خاصة به، وكان هذا الأمر شائعاً بين كبار القوم وسادتهم، وهو نفسه في شأن النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- حين وضعته أمه السيدة آمنة، وتُعد أم أيمن الحبشية هي السيدة التي قال عنها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هي ” هي أمي بعد أمي “.
وفي ذلك فقد جاء قول شيخ من بني سعد بن بكر:” كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول لأم أيمن (يا أمه)”، وقد عرفت أم أيمن النبي محمد مُنذ أن كان طفلاً صغيراً، وبعد أن أصبح نبياً مُرسلاً من عند رب العالمين، لتخوض معه مراحل النبوة والرسالة جميعها، حيث كانت تعمل في منزل والد النبي محمد عبد الله بن عبد المطلب، وتعمل على خدمته طوال حياته وحتى توفي إلى رب العالمين، وقد بقيّت أم أيمن في بيت والد النبي بعد وفاة زوجته أم النبي السيدة آمنة بنت وهب، حيثُ نالت أم أيمن شرف تربية النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- بعدما توفيت أمه، كما عملت على رعايته وخدمته حتى تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-.
أم أيمن الحبشية مُربية النبي، وهي بركة بنت ثعلبة بن عمر بن حصن بن مالك بن عمر النعمان، مولاة النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- وحاضنته في صغره وشبابه، كانت زوجة لزيد بن حارثة، وابنها هو الشهيد أيمن بن عبيد الخزرجي، كما كانت أم لفارس من فرسان الأمة الإسلامية وهو أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- وقد ورثّها النبي محمد عن أبيه عبد الله بن عبد المطلب، ثم أعتقها النبي لتصبح حُرة بعد أن تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-.
وقد عاصرت أم أيمن الحبشية كافة أحداث البعثة الإسلامية لتكون من أولى المهاجرات في الإسلام، وقد حظيت أم أيمن الحبشية بمكانة كبيرة في قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان يُقدرها ويحبها حباً شديداً، ويعتبرها من أهل بيته أيضاً، ومن الجدير بالذكر أن أم أيمن قد كانت برفقة والدة النبي السيدة آمنة بنت وهب حينما ذهبت إلى المدينة المنورة لزيارة أخوالها، وحينما توفيت السيدة آمنة، فقد عادت أم أيمن حاملةً رسول الله إلى مكة المكرمة ليُربيه جده، وحرصت على البقاء بجواره لرعايته فأصبحت حاضنته التي تهتم بجميع شؤونه في صغر سنه.
وهبت أم أيمن الحبشية نفسها طوال حياتها لرعاية النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- والاعتناء به مُنذ كان صغيراً، فقد غمرت عليه بحنان الأم وعطفها ليعوضه الله تعالى بوفاة أمه بأمومة أم أيمن وحنان وعطف جده عبد المطلب، فقد كان خير الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- يتيماً فقد مات أبوه عبد الله قبل ميلاده وتوفيت أمه حينما كان لا يزال طفلاً صغيراً.
وقد تربى النبي محمد على رعاية واهتمام أم أيمن فنشأ يُقدرها ويُكرمها ويرفع من قدّرها ويعاملها كأحد أهل بيته، وذلك لقيامها برعاية أموره وشؤونه جميعاً، ولا تألوا جهداً لرعايته رعاية طيبة حسنة، فما كان من خير الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يُناديها بأمي وذلك تقديراً لها على ما فعلته لأجله طوال حياته، وكان دوماً يخبر الناس بأنها “أمي بعد أمي”.
جاءت السيدة أم أيمن إلى مكة المكرمة من الحبشة مع جيش أبرهة الحبشي وذلك في عام الفيل وهو العام نفسه الذي وُلد فيه خير الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- ، فقد جاء أبرهة الحبشي حينها مُعتقداً في قدرته على هدم الكعبة المشرفة التي حالت بين ذهاب الناس إلى كعبة أبرهة لعبادتها والحج إليه هو بدلاً من الحج بالطواف حول الكعبة المشرفة، وحينما جهّز أبرهة الحبشي جيشه وذهب إلى مكة لهدم الكعبة، فلم ينال سوى شر هزيمة من طير الأبابيل التي أرسلها الله بحجارة مُدمرة أخذت أرواح أبرهة ومن ناصروه حينها، لتقع أم أيمن في الأسر.
وقد كانت الفتاة الحبشية حينها من نصيب بيت كريم في مكة وهو بيت جد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عبد المطلب أحد أكبر سادة قريش، ليهبها عبد المطلب إلى أبنه عبد الله الذي توفي تاركاً خلفه زوجته السيدة آمنة وهي حامل في طفله محمد، وبعدما توفيت السيدة آمنة فقد بقيت أم أيمن في رعاية النبي والعطف والحنان عليه كالأم حتى تعوضه عن فقدان أمه.
أعتقها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد زواجه من السيدة خديجة، لتتزوج بركة بنت ثعلبه من عبيد بن عمرو وتنجب منه ولداً، وهو الصحابي أيمن بن عبيد بن عمرو الذي توفي في غزوة حنين وهو حاملاً لراية الإسلام.
كانت أم أيمن من أولى المهاجرات إلى الحبشة موطنها الأصلي وبعدها إلى المدينة المنور للنجاة بإسلامها ودينها الحق من عذاب كفار قريش، وبعدما توفي زوجها عبيد بن عمرو حين استشهاده في غزوة مؤتة وانتهاء عدتها الشرعية، فقد وجّه النبي محمد حديثه إلى صحابته الكرام بشأنها قائلاً: ” من سّره أن يتزوج من امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن”، لتتزوج أم أيمن بعدها من الصحابي الجليل زيد بن حارثة -رضي الله عنه- وقد انجبت منه الصحابي أسامة بن زيد بن حارثة ، والذي كان النبي محمد يُناديه قائلاً (الحب ابن الحب).
وحينما جاء أم أيمن خبر وفاة زوجها زيد بن حارثة واستشهاده، وكذلك ولدها أسامة بن زيد، فقد صبرت على قضاء ربها، واحتسبت الأجر والثواب عند الله وحده قائلة: “حسبنا الله ونعم الوكيل”، ثم قالت :” إنا لله وإنا إليه راجعون”.
قيّل أن السيدة أم أيمن الحبشية قد توفيت بعد وفاة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بخمسة أو ستة أشهر، ودُفنت في المدينة المنورة، وفي حياة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد كان يحرص على زيارتها دوماً وتقديرها نظراً لمكانتها الكبيرة في قلبه وحبه الشديد لها، وبعد وفاة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- حينما زارها الصحابي أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- اقتداءً بالنبي، حين دخلا عليها وجداها تبكي بكاءً شديداً لوفاة النبي وانقطاع الوحي من السماء، فقد حزنت عليه بقدر كبير حتى توفيت إلى رحمة الله.