” من المواضيع التي يباح فيها الكذب ..” هي الأحوال المباحة التي سمحت الشريعة الإسلامية بالكذب فيها لأهداف وغايات، فالكذب من الذنوب والعيوب الكبرى التي قد يقع بها الشخص فتؤدي به إلى طريق خاطئ، لكن توجد أحوال محددة لا يدخل فاعلها في خطيئة الكذب للحكمة المرادة منها، فالكذب مستثنى في بعض الأمور، ومن خلال موقع مخزن نعرض لكم المواضيع والأحوال التي يكون بها الكذب مسموحًا، مع ذكر الأدلة الشرعية على ذلك، فلا ينبغي علينا الأخذ بكلام دون دليل شرعية، كما نعرض لكم بعض المعلومات والأحكام الهامّة في باب الكذب.
إن الصدق منجاةٌ في كافة الأحوال، وهو الطريق الواجب سلكه ابتعادًا عن الكذب ومسبباته، فالكذب من الأمور التي حرّمتها الشريعة الإسلامية، إلّا أنها استثنت منه ثلاثة مواضيع وحالات مباحة، وهي تتمثل في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل لزوجته والمرأة لزوجها، ونشرحها تفصيلًا فيما يلي:
الكذب في الحرب
إن الكذب على العدو في وقت الحرب مباح، لكن دون أن يتضمن غدرًا.
على سبيل المثال يخبر الناس بمكان غير الذي يريد غزوه، وذلك للهجوم على العدو وقت غفلة.
ومن الأمثلة أيضًا هي دعوة العدو لدين الكفر والإصرار عليه، فمباح أن يخدعه المسلم للهجوم عليه فجأة.
فالكذب في الحروب مباحٌ لما فيه من تحقيق غايات ومصالح الجهاد في سبيل الله، فهو لا يدخل ضمن الطباع الذميمة والمحرمة في تلك الحالة.
الكذب للإصلاح بين الناس
هو من أكثر حالات الكذب المباحة استخدامًا خاصة في وقتنا الحالي؛ وذلك لكثرة الخلافات بين فردين فأكثر، أو بين قبيلتين أو جماعتين.
وفي تلك الحالة يجوز للمسلم أن يكذب بغرض الإصلاح والتصافي، ولإزالة الخصام من بين الطرفين، وزيادة المحبة بينهما.
على سبيل المثال قد يمتدح أحد الأطراف قائلًا له أن ذلك كلام الطرف الآخر، وقد يقول بأن الطرف الآخر يرغب في الصلح.
كما قد يوصل هدية إلى الطرفين باسمهما، فيظنّان كليهما أن الطرف الآخر هو المرسل فتزيد محبتهما ويتلاشى الخصام.
فهذا النوع من أحوال الكذب المباح لا يؤدي إلى الإصابة بأي ضرّ، بل إنه ينفع كثيرًا وله غاية سامية.
الكذب في حديث الزوجين لبعضهما
دائمًا ما يكون الزوجين بحاجة إلى الكلام المنمق الذي يزيد من المحبة والمودّة بينهما، وقد يدخل في هذا الكلام بعض الأمور الغير واقعية أو حقيقية.
كما قد يوعد كل منهما الآخر بشيء لا يضرّ عدم فعله، وذلك بهدف زيادة الحب فقط حتى إن لم يُطبق ما قال.
فقد تخبر الزوجة زوجها بأنها سوف تعدّ له طعامًا معينًا بغرض التخفيف من الشحناء بينهما، وهو من الكذب المباح الذي لا يسبب ضررًا.
لا يَحِلُّ الكذب إلا في ثلاث
وردت أحاديث عدة عن حالات الكذب المباح، ومنها الحديث المتضمن تسمية النبي -صلى الله عليه وسلم- للحرب بالـ “خَدْعَة”، وهو المشير إلى معنى استعمال الحيلة قدر الإمكان، فالحالات الثلاث المستثناة في الأدلة النبوية للكذب الجائز لا تدخل ضمن الخلق الذميم الذي نهت عنه الشريعة الإسلامية.
وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه-: “سَمَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحَرْبَ خَدْعَةً” (صحيح).
عن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: “ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرًا، وينمي خيرًا” (صحيح).
فالمؤمن إذا كذب فإنه يواري أو يدارين فلا يكون كذّابًا، ويكون ذلك في الحوال المباحة فقط.
والتي تمثلت بتصريح الفرد لقولٍ يزيد من رضا طّرف عن آخر بغرض الإصلاح، فتكون الغاية منه رعاية المصلحة، أو التخلص من المفسدة.
كما يكون الكذب مباح إذا كانت غايته التخلص من العدو في الحرب، فالجهاد في سبيل الله والحرب يتضمن الحيلة كما ورد في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فقد خُلق الإنسان لغاية الدعوة ونشر الإسلام والاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لم يفعل أمرًا إلا وبه مصلحة للأمة، من العامة والخاصة.
فالكذب محرّم، إلا في الحالات الثلاث، ولكلّ منها غاية وحكمة حسنة، فالكذب في حدث الزوج لإرضاء زوجته يكون لحفظ العشرة بينهما واستمرارية الحياة بزيادة الودّ، فليس بكذب.
حكم الكذب في الشريعة الإسلامية
الكذب هو عكس الصدق، ويقال “كذّبتُ الرجل” أي نسبته إلى الكذب، فهو الإخبار بأمر ما على خلاف ما هو عليه حقًّا، سواء أكان بقصد وعمد أم بغير قصد، وسواء أكان أمرًا ما ضيًا أم مستقبليًا، ومن الواجب على المسلم أن يتعرف على حكم الكذب بأدلته الشرعية.
الكذب في الشريعة الإسلامية الذي يخرج عن الثلاثة حالات المستثناة، هو محرّم ويدخل في الكبائر.
حيث إنه أحد خصال المنافق، وتتعدد أقسامه وأنواعه، وهي متفاوتة أيضًا بين شدة العاقبة وخفتها.
وقد ورد في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ما يثبت بأن الكذب من الذنوب القبيحة، وقد أجمعت الأمة على تحريم الكذب.
فالكذب في الحديث حرام لعدم الحاجة إليه أيضًا؛ وذلك لأن الحديث أو الكلام هو وسيلة إلى الغايات والمقاصد.
ومن الأمثلة على حالات الكذب التي لا تدخل في التحريم، هي حالة اختفاء المسلم عن الظالم، فيكذب أخيه المسلم ويخفيه حال سؤال الظالم له.
فإذا لم يحدث الغرض إلا بالكذب ولا توجد وسيلة أخرى، أو كان داخل به الظلم والقهر كالحروب أيضًا، فيمكن اللجوء إليه ولا يكون كذبًا بل مُداراة أو تورية وما يماثلها.
وذلك كما ذكر الإمام أبو حامد الغزالي، وغيره من العلماء والفقهاء الذين أوردوا إجابة موثوقة عن من المواضيع التي يباح فيها الكذب.
الفرق بين الكذب ومترادفات أخرى
تتعدد ألفاظ اللغة العربية المشابهة للفظة الكذب، لذا وجب علينا التفريق بين الكذب وباقي المترادفات من حيث المعنى، ومنها الآتي:
الخرص والكذب
لا يعد الخرص من الكذب، فالخرص حرز، لكنه قد يستعمل في مواضع الكذب.
بينما التكذيب هو تصميم وإصرار على أن الخبر كذب بقطعٍ عليه.
الكذب والبهتان والافتراء
الكذب هو ألا يطابق القول الواقع وقد يكون في حقّ المخبر ذاته عن نفسه، والافتراء أكثر سوءًا منه، فيكون كذبًا في حق الآخرين بما لا يرضونه.
بينما البُهتان هو “الكذب الذي يواجه به صاحبه على وجه المكابرة له”.
الكذب والخُلف
الكذب يكون لأمر ماضٍ؛ كقول الشخص فعلت كذا، برغم أنه لم يفعله.
بينما الخُلف يكون لأمور مستقبلية، كإخلاف الوعود؛ فيقول سأفعل كذا، ولا يفعله.
الإفك والكذب
الكذب هو اسم يوضع لخبر ليس له مخبر على ما هو به، فيأتي بمعنى التقصير، وقد يكون الكذب فاحشًا في قبحه أو غير فاحش.
بينما الإفك هو كذب فاحش في قبحه، ومنه الكذب على الله -عز وجل- ورسوله، أو قذف المحصنات، وغيره.
بهذا نكون قد أجبنا على من المواضيع التي يباح فيها الكذب ، وبشكل عام وجب علينا تذكر قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “لأن يضعني الصدق-وقلَّما يضع- أحبُّ إليَّ من أن يرفعني الكذب، وقلَّما يفعل”.