أقر المشركين من العرب نوع محدد من التوحيد، فما هو نوع توحيدهم، وهذا ما سنوضحه بالتفصيل في النقاط التالية:
كان أغلبية مشركي العرب ويقصد بهم الكفار يؤمنون بتوحيد الربوبيّة إلى جانب إيمانهم بالخلق.
فلقد قال الله – عز وجل- (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ) [الزمر، 38].
حيث إن ابن كثير ذكر في تفسير هذه الآية أن مشركي العرب كانوا يعبدون مع الخالق – عز وجل غيره من الأصنام.
فهم كانوا معترفين بأن الله – تعالى- هو الخالق الرازق وأنه وحده المستقل بخلق كل من الشمس والقمر والسماء والأرض.
وعلى الرغم من هذا الأمر فلقد عزموا على الترديد في تلبيته عبارة “لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك”.
ومن الجدير بالذكر أن ابن كثير أشار أيضًا إلى أن المشركين عندما كان يُقال من الذي خلق السموات والأرض يجيبون على الفور بأنه الله.
إذ إن الإيمان بالربوبية لديهم لم يكن مكتملًا، فالشك في قدرة الخالق – عز وجل- تملكهم في عدة جوانب.
لذا ومن هذا المنطلق أنكروا البعث ونسبوا نزول الأمطار إلى البعض ناهيك عن أنهم وأدوا البنات.
حكم الشرك في الألوهية
إن الشرك في الألوهية يتجلى في عبادة البعض لشيء آخر غير الله – عز وجل- لا سيما الأصنام والأوثان والقيام بالتضرع له بالأدعية المختلفة، كما يتجلى في توسل أصحاب القبور وغيرها من الأمور المخالفة تمامًا للعقيدة الإسلامية، لذا ومن هذا المنطلق جاء في حكم الشرك في الألوهية الأقاويل الآتية:
الشرك في الألوهية يعد كبيرة من الكبائر.
حيث إن الله – عز وجل – لا يغفرها مطلقًا.
فهو الوسيلة إلى الانصراف عن الإسلام وعن الإيمان بالله وحده لا شريك له.
ومن الآيات القرآنية الدالة على هذا الحكم قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء، 48].
أنواع التوحيد
قام علماء التوحيد بتقسيمه إلى عدة أقسام، ففي السطور التالية سوف نشير إليهم مع توضيح معنى كل منهم:
توحيد الربوبية
يقصد به إقرار المرء بأن الله – سبحانه وتعالى- هو المتحكم الوحيد في الكون، لأنه رب كل شيء أي الإقرار بأفعاله.
فهو الخالق والرازق والمالك إلى جانب المحيي والمميت.
ويمكن تلخيص مفهوم توحيد الربوبية بشكل أوضح في الآتي:
الله هو الرزاق ولا شريك له.
الله هو الخالق ولم يقم أحد بمشاركته في ذلك.
الحياة والموت أمران بيد الله – تعالى- وحده.
النفع والضر والخير والشر أيضًا بيد الله وحده.
الله هو المعطي وكذلك هو المانع.
توحيد الألوهية
توحيد الألوهية هو عبارة عن توحيد الله – عز وجل- بواسطة الأفعال، أي هو ما يعكس أفعال العباد.
ويُعرف أيضًا بأنه صرف العبادة للخالق – سبحانه وتعالى- وحده دون شريك.
وما يدل على هذا النوع من التوحيد هو قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة، 21].
ومن أبرز الأمثلة التي ذكرها العلماء في توحيد الألوهية هو إفراد الله بالأمور الآتية:
السجود: فلا يتم السجود لغير الله.
الاستعانة: أي التوكل على الله والاستغاثة به في أي أمر وليس بغيره.
الدعاء: فلا بد من التوسل إلى الله وصرف الدعاء تمامًا لغيره.
الصيام: فنحن نصوم للخالق ولا يمكن إشراكه في هذه العبادة.
توحيد الأسماء والصفات
أما عن توحيد الأسماء والصفات فيقصد به إفراد الخالق – عز وجل- بما يليق بعظمته وبالأمور التي وصف بها نفسه ونقلها الرسول – صلى الله عليه وسلم- أو ذُكرت في القرآن الكريم.
علمًا بأنه ينبغي القيام بذلك دون تحريق أو تمثيل أو حتى تأويل وتعطيل.
ومن الآيات القرآنية الدالة على توحيد الأسماء والصفات قوله تعالى (لِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف، 180].
وفيما يلي سوف نذكر الأمثلة على الأمور التي تعكس صفات الله:
القدرة المطلقة: فالله وحده القادر على كل شيء كما قال (… أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة، 106].
العلم المطلق: فصفة العلم من أبرز الصفات الثابتة عن الله في القرآن والسنة النبوية، وهي تجلت في قوله تعالى (… وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ …) [البقرة، 255].
الحياة المطلقة: فإن الله هو الحي القيوم، حيث إن اسم الحي من أسمائه الحسنى وما دل على ذلك قوله تعالى (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ) [البقرة، 255].
توحيد الذات
رأى البعض من العلماء أنه لا بد من جعل الذات في قسم مستقل من أقسام التوحيد.
في حين أن البعض الآخر رأوا بأنه ينتمي إلى توحيد الربوبية.
فلقد تم تعريف توحيد الذات من كلا الطرفين على أنه الإيمان بأن الله – سبحانه وتعالى- واحدّا في ذاته.
ومن النصوص الشرعية التي دلت عليه قوله – تعالى- (لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) [الدخان، 8].
توحيد الأفعال
أما عن آخر نوع من التوحيد فهو توحيد الأفعال، ويقصد به أن الله – سبحانه وتعالى- في أفعاله واحدًا.