ابحث عن أي موضوع يهمك
يود الكثير من أبناء الأمة الإسلامية التعرف على معنى “وضع عنه الجزية”، ومن ثم تكمن الإجابة في أن هذه الجملة تعني ” قام بإلغاء الجزية أو إسقاطها عنه ولم يعمل بها”، ويجب أن ننوه أن الجزية تسقط عن المُكلفين بها في حالة عدم قدرة الدولة على حماية أهل الذمة ممكن أخذت منهم الجزية.
ومن الجدير بالذكر أن الجزية هي بدل الحماية العسكرية التي تقوم بها الدولة الإسلامية لأهل الذمة الذين يعيشون بينهم، وفي حالة عجزها عن حمايتهم ردت إليهم الجزية، نذكر مثالاً على ذلك أنه في فترة قيام أبي عبيدة الجراح بفتح الشام، أخذ جزية من أهلها الذي كانوا على غير دين الإسلام، وكانت هذه الجزية مقابل حمايتهم من الروم، حيث كان الروم يتربصون إليهم بالمكائد والعذاب.
ومن ثم تم إعداد جيش ثوي يهدف إلى استرداد الشام من المسلمين على يد هرقل، ولم علم أبو عبيدة الجراح بذلك رد الجزية إلى أهلها ووعدهم أنه في حالة استطاعتهم على حمايتهم من الروم سوف يأخذ منهم الجزية، وبالفعل التقى أبو عبيدة بجيش الروم، وانتصر على أهل الروم، فأعطوه الناس الجزية، ودخلوا الدين الإسلامي؛ ويرجع السبب في ذلك إلى إعجابهم بقوة المسلمين وأخلاقهم وثباتهم على الحق في إحقاق الحق.
يقصد بالجزية أنها تلك الضريبة المالية التي تكون من أموال غير المسلمين الذين يتحامون في ظل راية الإسلام، وتحدد قيمة الجزية ما بين اثنى عشر درهم إلى ثمانية وأربعين درهم، ويرجع السبب في فرض الجزية هو مساهمة هذه الأموال في ميزانية الدولة التي تكون بمثابة درع الحماية لهم، وتقدم لهم كافة متطلبات الحياة الكريمة الآمنة، فهذه الدولة تحمي غير المسلمين وتحمي أبنائهم وأموالهم وأعراضهم، ويتم ذلك مقابل مبلغ مالي يتم دفعه بانتظام ويكون ذلك الذي يسمى الجزية.
ويكون الدليل على هذا الأمر هو ما جاء في القرآن الكريم حيث قال الله تعالى في سورة التوبة في الآية رقم 29 “ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ“.
ويكون تفسير هذه الآية الكريمة هو أن الله -سبحانه وتعالى- أمر المسلمين بقتال الكافرين من أهل الكتاب الذي لا يؤمنون به، والذين لا يعترفون بالحساب واليوم الآخر، ويقولون أن هناك حياة أخرى يكون فيها الناس يشبهون الملائكة، ويقومون بفعل ما نهى الله ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنه، ولا يدينون الإسلام ديناً، فيكون على المسلمين قتالهم، حتى يؤمنوا بالله العلي العظيم أو يدفعون الجزية طائعين خاضعين.
اتفق جمهور علماء الإسلام أنه يتم فرض الجزية على أهل الكتاب ولا يتم فرضها على المشركين، بينما يقول أبي حنيفة أنها تُفرض على غير المسلمين جميعاً من أهل الكتاب والمشركين، والمشركين الذين لا يُقبل منهم الجزية هم فقط مشركو العرب، ولكن يقول أكثر العلماء أن لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب.
ويقول الإمام الشافعي أن الجزية لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب سواء كانوا عرب أم أعجم، حيث أن الله تعالى خصّم بالجزية، كما أضاف أن الجزية تُقبل من المجوس وأنسب هذا القول إلى مذهب أب حنيفة وأصحابه.
بينما يقول الأوزاعي أن الجزية تؤخذ من كل عابد وثن جاحد أو عابد للنار، يتفق مع الأوزاعي المذهب المالكي الذي يرى أن الجزية لابد من أن تؤخذ من جميع المشركين والجاحدين سواء كانوا من العرب أو من الفرس.
أسلفنا في الفقرة السابقة أن السبب الرئيسي لأخذ الجزية هو حمايتهم وحماية أبنائهم وأموالهم وأعراضهم ومعتقداتهم في دولة المسلمين، كما تساهم هذه الأموال في رفع شأن الدولة ومكانتها، ويقرون أهل الجزية على الخضوع لأوامر الأمة الإسلامية، ويجب أن ننوه أن كلاً من النساء والأطفال كانوا لا يفرض عليهم الجزية.
يوجد عدد من الأنواع الخاصة بالجزية، وتأتي وفق لما حدده أهل العلم، ومن خلال النقاط التالية نذكر تلك الأنواع:
يقصد بها أنها الجزية التي يتم أخذها من أهل الكتاب من اليهود والنصارى، من قبل المسلمين، ويتم دفع هذه الجزية عن تراضي فيما بين الطرفين دون الوقوع في المشاكل، وتم فرض هذا النوع من الجزية في صلح عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأهل البيت المقدس، وفي صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأهل نجران على ألفي حلة، وتم تعريف الجزية الصلحية من قبل العدوي ” ما التزم كافر قبل الاستعلاء عليه أداؤه مقابل إبقائه في بلاد الإسلام”.
يقصد بها الجزية التي تكون عنوة دون رضا، حيث أنها يتم فرضها على أهل البلاد التي يفتحها المسلمون، ويتم فرض تلك النوع من الجزية على الناس إمام المسلمين مقابل منحهم الأمن والأمان والاستقرار، وتم فرض هذه الجزية من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث فرضها على أهل الذمة في سواد العراق، وتم تعريف الجزية العنوية من قبل بأن عرفه قال ” هي ما لزم الكافر من مال لأمنه باستقراره تحت حكم الإسلام وصونه”.
يتساءل الكثير من أبناء الأمة الإسلامية عن السبب الكامن وراء دفع عمر بن الخطاب الجزية عن اليهودي، ومن ثم تكمن الإجابة في أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه دفع الجزية عن اليهودي لأنه كان يتسول حتى يدفعها، حيث كان عمر بن الخطاب يرى رجلاً عجوزاً يتسول، فسأل عن قصته، حتى أخبره الرجل أنه يهودي ولا يملك مال الجزية، فيتسول حتى يتمكن من دفعها، فقال له عمر بن الخطاب رضى الله عنه ” “والله ما انصفناك نأخذ منك شاباً ثم نضيعك شيخاً والله لأعطينك من مال المسلمين”، ودفع عنه الجزية، وأعطاه من مال المسلمين، وبهذا يكون قدم عمر بن الخطاب رضى الله عنه أفضل صورة لأخلاق المسلمين.
يقصد بالجزية أنه تلك الجزء الصغير من المال يتم دفعه من مال الأشخاص القادرين والغير قادرين من غير المسلمين، والذين يكونون مقيمون في المجتمع الإسلامي، ويعيشون في حكم المسلمين، يتم دفع الجزية بشكل سنوي، ومن الجدير بالذكر أنه لا يوجد نص قرآني أو نص في السُنة النبوية يحدد قيمة المبلغ المدفوع للجزية، ومن ثم فهو يُقدر وفقا لما يحدده الحاكم.
كما يلزم أن ننوه أنه يتم سقوط الجزية على الشيوخ والفقراء، حيث يقول الله تعالى في سورة الطلاق في الآية رقم 7 “لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا“.
بينما يقصد بالخراج أنه تلك الضريبة التي يقوم الحاكم بتحديد قيمتها على الأراضي أو البلاد الخاضعة للحكم الإسلامي، ويتم الحصول عليها بعدة طرق مختلفة تتمثل في تقاسم ما تخرجه الأرض من محاصيل ومزروعات، أو أن يتم الحصول عليه كشل مكيلاً وفقاً لما تخرجه الأرض، ومن الجدير بالذكر أن الخراج يتم فرضه على المسلمين وغير المسلمين.