لعلك تساءلت يومًا عزيزي القارئ عن سبب تسمية مزدلفة بهذا الاسم كونها ثالث المشاعر المقدسة التي تمر بها الحجاج أثناء تأديتهم لمناسك الحج ولأننا نحرص على توفير متطلباتكم من بحث جئناكم بتفاصيل شاملة حول سبب التسمية وجميع ما يتعلق بمزدلفة وسنوفرها لكم عبر سطورنا التالية.
سميت مزدلفة بهذا الاسم لأنها تدل على الازدلاف أي الاجتماع فالناس يجتمعون بها وقد قال تعالى في آيات كتابه الحكيم: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ [الشعراء: 64].
يُشار كذلك إلى أنها تدل على الاقتراب والتقدم فيُقال تزلف أو أزلف أي قرب فقد قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [الشعراء: 90] أي قربت الجنة.
سميت مزدلفة كذلك بالمشعر الحرام فقد قال تعالى في آيات كتابه الحكيم: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198].
المزدلفة جمع لأن الحجاج يجمعون فيها صلاتي المغرب والعشاء تأخيرًا كما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أسماء مزدلفة
أطلق على مزدلفة عدة مسميات أخرى ولكن مزدلفة هو أشهر الأسماء المعروفة بها؛ ومن هذه الأسماء نذكر:
المشعر الحرام: يقصد بالمشعر الحرام مزدلفة ويسن للحاج الوقوف بأي موضع فيها واستقبال القبلة فقد قال تعالى في آيات كتابه الحكيم: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة: 198].
جُمع: خير دليل على هذا ما ورد في صحيح السُنة النبوية المطهرة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه من أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال: (وقَفْتُ ها هنا بعَرفةَ، وعرَفةُ كلُّها مَوقِفٌ، ووقَفْتُ ها هنا بجَمْعٍ، وجَمْعٌ كلُّها مَوقِفٌ، ونحَرْتُ ها هنا، ومِنًى كلُّها مَنحَرٌ؛ فانحَروا في رِحالِكم)؛ والجدير بالذكر أنها سميت جمع لأن الحجاج فيها يجمعوا الصلاة ولأن الحجاج يزدلفون أي يتقربون إلى المولى عز وجل.
أين تقع مزدلفة
تقع مزدلفة بين مشعر منى وعرفات؛ ويُذكر أن إجمالي مساحتها يُقدر بحوالي 9.63 كيلو متر مربع.
يحدها من الغرب ضفة وادي محسر الشرقية وهو وادي صغير يمر بين منى ومزدلفة)؛ هذا الوادي يفصل بينها وبين المنى.
يحدها من الشرق عرفات مفيض المأزمين وهما جبلان بينهما طريق تؤدي إلي عرفات
بينما يحدها من الشمال الجبل ويقال أنه جبل مزدلفة.
مزدلفة المشعر الحرام
الحج ركن أساسي من أركان الإسلام الخمس ودليل هذا ورد في السنة النبوية المطهرة {بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصَومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا}؛ والجدير بالذكر أن الحج يتكون من مناسك محددة؛ من هذه المناسك توجه الحاج إلى مزدلفة التي تُعد المشعر الحرام.
مزدلفة هي جبل قزح الواقع فقد قال تعالى في آيات كتابه الحكيم: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [سورة البقرة: (198)].
مزدلفة مشعر من المشاعر المقدسة؛ يتوجه لها الحجاج بعد الوقوف بعرفة؛ ويُذكر أن بين عرفة والمزدلفة وادي عرنة وهو من أودية مكة المكرمة؛ ولا يعتبر من مشعر مزدلفة ولا من مشعر عرفة وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنها أنه قال: {كلُّ عرفةَ موقِفٌ، وارتفعوا عن بطنِ عرنة، وَكُلُّ المزدلفةِ موقفٌ، وارتفعوا عن بطنِ مُحسِّرٍ، وَكُلُّ منًى منحرٌ، إلَّا ما وراءَ العقبةِ}؛ تقع مزدلفة بين منى وجبل عرفات؛ ويحدها وادي المحسّر الذي لا تُعد حدوده منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {مُزدلِفَةُ كلُّها مَوقِفٌ، وارتفِعُوا عن بَطْنِ مُحَسِّرٍ)؛ ويقصد ببطن محسر وادي محسر.
أحكام متعلقة بمزدلفة
ننتقل معكم خلال فقرتنا هذه لتوضيح الأحكام المتعلقة بمزدلفة:
اختلف الفقهاء فيما يتعلق بالمبيت في مزدلفة وأشاروا إلى:
ذهب المالكية إلى عدم المبيت فيها واشتراط حضورها والنزول فيها ولو كان هذا النزول بقدر وضع المتاع وإن ترك الحاج المبيت؛ وأشاروا إلى أن النزول فيها قبل طلوع الفجر يقتضي وجوب الفدية؛ وأكدوا على أن الحضور والمبيت في مزدلفة يكون في أي مكان بها لقول النبي – صلى الله عليه وسلم- (ومُزْدَلِفَةُ كلُّها موقفٌ).
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن المبيت بمزدلفة يتحقق، ولو بساعة بعد النصف الثاني من ليلة النحر؛ وكذلك بالخروج من مزدلفة بعد نصف الليل ليس قبله؛ فإذا كان قبله لا يتحقق المبيت وتجب الفدية على الحاج.
أما جمهور الحنفية، فذهبوا إلى أن المبيت في مزدلفة سُنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والأفضل الوقوف بعد صلاة الفجر والتوجه للمولى -عز وجل- بالدعاء.
اتفق الفقهاء على أن من ترك المبيت في مزدلفة دون عذر أو سبب وجبت عليه الفدية بخلاف الذي ترك المبيت بعذر، واستدلوا على صحة هذا على ما ورد في صحيح السُنة النبوية عن النبي صلى الله عليه وسلم: {أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أرخصَ لرعاءِ الإبلِ في البيتوتةِ، خارجين عن مِنًى، يرمونَ يومَ النحرِ، ثم يرمون الغدَ، ومن بعدِ الغدِ ليومينِ، ثم يرمونَ يومَ النَّفْرِ}؛ وعلى ما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه {- استأذن العباسُ بنُ عبدِ المطلبِ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ يبيتَ بمكةَ لياليَ منًى مِنْ أجْلِ سِقايتِه فأذِن له}.
حكم الجمع والقصر في مزدلفة
اتفق جمهور الفقهاء على أنه يسن للحاج جمع وقصر صلاتي المغرب والعشاء بمزدلفة ولكنهم اختلفوا في حكم من صلى المغرب قبل الوصول إلى مزدلفة وانقسمت آراؤهم إلى:
ذهب جمهور الشافعية والمالكية والحنابلة إلى جواز الفصل بين الصلاتين وجواز الجمع بينهم؛ ولكن هذا الفصل قد يكون مخالفًا للسُنة النبوية المطهرة.
أشار الحنفية إلى وجوب تأخير صلاة المغرب وأدائها في مزدلفة.
وقت الدفع من مزدلفة
يتعين على الحجاج من مزدلفة إلى منى لرمي الجمار قبل طلوع شمس يوم النحر ودليل هذا ورد في صحيح السُنة النبوية المطهرة عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {حتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بهَا المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بأَذَانٍ وَاحِدٍ وإقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بيْنَهُما شيئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، وَصَلَّى الفَجْرَ، حِينَ تَبَيَّنَ له الصُّبْحُ، بأَذَانٍ وإقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ، حتَّى أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ}.
يُهلل الحجاج خلال مسيرتهم إلى منى ويُلبون وتنقطع تلبيتهم بمجرد رمي جمرة العقبة.
المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج
ننتقل معكم خلال فقرتنا هذه لتوضيح واجبات وفروض الحج السبع:
الإحرام من الميقات المعتبر للحاج.
الوقوف بعرفة إلى الغروب على من وقف نهارًا.
المبيت بمزدلفة إلى بعد منتصف الليل.
المبيت بمنى ليالي أيام التشريق.
رمي الجمار مرتبًا.
الحلق أو التقصير.
طواف الوداع.
قبل اختتام فقرتنا هذه تجدر بنا الإشارة إلى أنه إذا كان الحاج متمتعًا أو قارنًا؛ فعليه هدي واجب (ذبح شاة)؛ والجدير بالذكر أن باقي أفعال الحج مسنونة كطواف القدوم والمبيت بمنى وتقبيل الحجر والأدعية والأذكار وغيرهم من الأفعال.