نتعرف خلال هذا المقال على قصة أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم ، وهي آية من آيات القرآن الكريم التي يتم استخدامها كثيراً في حالات الاستماع إلى نصيحة من شخص لا يطبق ما ينصح غيره، فالأولى بالإنسان أن يكون قدوة لغيره من الناس بأن يريهم ما تعلمه من أخلاق وما يلتزم به من الدين فعلاً لا قولاً، إذ أنه في هذه الحالة قد تأتي النصيحة بنتيجة عكسية.
نتعرف خلال هذا المقال على سبب نزول الآية الكريمة لنستطيع فهم سياقها ونتمكن من تدبرها بصورة أفضل، نقدم لكم هذا المقال عبر مخزن المعلومات.
قصة أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:”أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ” (البقرة:44) صدف الله العظيم.
نزلت هذه الآية الكريمة في بني إسرائيل حيث كانوا يأمرون الناس بالبر وعمل الخير ولا يطبقون ما يأمرون الناس به.
كان بني إسرائيل يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ولا يطبقون ما ينصحون به غيرهم رغم أنهم يقرؤون كتابهم ويعقلون ما فيه، ولكن كانوا يأمرون الناس به نفاقاً ولا يطبقون نصائحهم على أنفسهم لأهواءهم أو لعدم اقتناعهم بما يرددون.
لا تعني الآية الكريمة أن من لا يصنع معروفاً لا يجب أن يأمر الناس به، أو أن من يرتكب منكراً لا يصح أن ينهى الناس عنه، فهو بذلك لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر وليس ارتكابه لمنكر أو عدم صناعته للمعروف مبرراً لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الأولى بالمسلم أن يصنع المعروف ويترك المنكر لوجه الله سبحانه وتعالى وابتغاء رضاه، إذ أن ذلك من صلاح حال المؤمن ومما فيه الخير والثواب له عند الله.
ويجب على المسلم أيضاً أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى وإن كان لا يمتثل لما ينصح به، إذ أن ذلك مما أمرنا الله سبحانه وتعالى به، وقد تكون النصيحة الصادقة بترك منكر أو صنع معروف سبباً في هداية أحدهم لما أحسه من صدق في النصيحة.
في كل الأحوال الأوجب على المسلم أن يصنع المعروف ويترك المنكر كما يحث الناس على ذلك، ففي ذلك ثواب عظيم له عند الله سبحانه وتعالى، كما يجعل الناس أكثر تقبلاً للنصح ويجنبه فتنة النفاق والرياء.
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم سبب النزول
يقول الله تعالى:”أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ” (البقرة:44) صدف الله العظيم.
يروى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن هذه الآية نزلت في يهود المدينة، حيث كان الرجل منهم يقول لمن تربطه به علاقة من المسلمين أن يثبت على الإسلام وما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم لأنه على حق، وهو لا يتبع دين الإسلام.
من هذه الرواية يتضح أن بعض اليهود كانوا يأمرون المسلمين بالثبات على الإسلام وهم لا يفكرون في اتباعه مع علمهم بأنه الحق وإخبارهم لغيرهم بذلك.
كما يروى عن عبد الله بن عباس أيضاً أن الآية أحبار اليهود من بني إسرائيل كانوا يأمرون اليهود باتباع التوراة وكانوا يخالفونها في إنكارهم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
هناك رواية أخرى عن ابن جريج مفادها أن الأحبار كانوا يأمرون الناس بطاعة الله ويرتكبون المعاصي التي ينهون الناس عنها رغم علمهم بالكتاب وتلاوتهم له وعلمهم بإثم ما يفعلون.
تفسير الآية 44 من سورة البقرة
قال تعالى في كتابه الكريم:”أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ” (البقرة:44) صدف الله العظيم.
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ بمعنى هل تأمرون الناس بالإيمان والخير ولا تطبقون ذلك على أنفسكم.
وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ بمعنى أنهم يقرؤون الكتاب ولا يعقلونه، فالعقل يسمى عقلاً لأن الإنسان يعقل به ما يفعله وما يحيط به، إذ يحثه العقل على فعل ما ينصح به الناس إلا إذا كانت النصيحة غير صادقة أو نفاقاً وللإنسان غرض في عقله للنصح بما لا يفعل.
ليس في الآية نهي عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حالة عدم الامتثال لهما قبل النصح بهما، ولكن الآية لاستنكار أن ينصح الإنسان الناس بشيء لا يفعله أو لا يطبقه على نفسه مع استطاعته.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم كصنع المعروف والامتناع عن المنكر.
يزداد إثم المؤمن إذا فعل منكراً ينهى الناس عنه أو أمر بمعروف لا يصنعه، إذ أنه يكون على علم بضرورة الفعل أو ضرورة الامتناع عنه وتقام عليه الحجة ولا يعذر بجهله أو سهوه.
الأصلح للمؤمن أن يصنع المعروف وينهى عن المنكر ويكون مثالاً للناس على ذلك إذ يقول تعالى في كتابه الكريم:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ” (الصف:2) صدق الله العظيم.
من الآية السابقة يتضح لنا عظم إثم أن يقول الإنسان ما لا يفعل، والحديث هنا في الآية موجه للمسلمين إذ تبدأ بقوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وهو ما يعني أن الحدث هنا موجه للمؤمنين وليس لغيرهم.
أما عن قوله :”كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ” فيعني أنه يعظم مقتاً عند الله أن يقول المسلم ما لا يفعل والمقت في اللغة هو الكره الشديد، ولذلك يجب أن يتجنب المسلم ذلك ابتغاء مرضاة الله ورغبةً في ثوابه وخشية له سبحانه وتعالى.
ولا تعني تلك الآية أيضاً أنه إذا لما يقم الإنسان بما نصح به فإنه يجب عليه ألا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فكلا الأمرين واجب عليه أن يفعل ما يقول وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما استطاع.
عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فعلى الإنسان واجبان، الأول أن يأمر نفسه بالمعروف وينهاها عن المنكر، والثاني أن يأمر غيره بالمعروف وينهاه عن المنكر.
فإن ترك الإنسان الواجب الأول وهو المتعلق بنفسه، فلا يكون ذلك مبرراً لترك الثاني والامتناع عن أمر الغير بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
يكون اقتداء الناس بالأفعال أكبر من اقتداءهم بالأقوال ولذلك يجب أن يطابق قول الإنسان فعله ليستطيع نصح الناس بالحق ويرى الناس الصدق في نصيحته أو لا يشعرون أنها نصيحة لا يطبقها صاحبها.
محادثه عن أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم
تخاطب تلك الآية بني إسرائيل أو نزلت فيهم حسب الروايات التي وصلت إلينا عن سبب نزول الآية، ولكنها أيضاً موجهة للمسلمين.
ما يراد من الآية لنا نحن المسلمون هو التنبيه على ضرورة عدم تناقض القول مع الفعل، فيجب أن يتسق القول مع الفعل حتى يكون صادقاً مقنعاً للغير ومتفقاً مع العقل والفطرة السليمة.
لا يصح أن يأمر الإنسان الناس بالصلاة وهو لا يصلي، أو ينهاهم عن الكذب وهو يكذب، فيجب أن يتوافق قوله مع فعله حتى تكون نصيحته مقنعة، والأولى به أن ينصح نفسه أو يطبق ما ينصح به قبل نصح الآخرين.
لا يجب على الإنسان أن يتخذ من فعله للمنكر أو عدم فعله للمعروف مبرراً لعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ أن ذلك واجب على المسلم.
كما يجب على المسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه يجب عليه أن يطبق ذلك على نفسه،فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس فقط في النصيحة للغير ولكن أيضاً يكون بنصح النفس وتهذيبها والتزامها بالبعد عن ما يغضب الله والدعوة إلى ما يحب.
قد تكون النصيحة التي لا يطبقها صاحبها أحياناً مقنعة وصادقة فعلى سبيل المثال لا ينصح أحد المدخنين غيره بالتدخين، ونجد المدخنين من كبار السن ينصحون الشباب نصيحة صادقة بالإقلاع عن التدخين لما يسببه من أضرار، وفي تلك الحالة تكون النصيحة بأمر قد لا يستطيع الناصح تطبيقه على نفسه ولكنه يتمنى لغيره ألا يمر بنفس المعاناة وأن يبتعد عن تلك العادة قبل أن تؤذيه وتتحكم فيه.
لا يجب أن نستنكر النصيحة من شخص لا يطبقها في كل الأحوال، أحياناً ينصحنا الإنسان بما لم يستطع فعله صدقاً وتفضيلاً على النفس، ويجب على المسلم أن يقدر تلك النصيحة من أخيه ويطبقها إن استطاع ويدعو له بالهداية.
إلى هنا ينتهي مقال قصة أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم ، عرضنا خلال المقال تفسير الآية 44 من سورة البقرة وسبب نزول الآية الكريمة كما تحدثنا باستفاضة عن معنى الآية وتطبيقها في حياتنا والدروس المستفادة منها، نتمنى أن نكون قد حققنا لحضراتكم أكبر قدر من الإفادة.