تنتمي سورة المزمل والتي يبلغ عدد آياتها 20 آية إلى السور المكية، وهي من سور القرآن الكريم التي ذكرت حالة النبي – محمد صلى الله عليه وسلم- عندما نزل الوحي عليه، فلقد أشار فقهاء تفسير القرآن الكريم وبعضًا من أهل العلم إلى أن هناك سببين لنزول هذه السورة على الرغم من وضوح محتوى ومضمون آياتها، ففي السطور التالية سوف نذكر لكم هذين السببين بالتفصيل:
السبب الأول
نص المفسرون على أن السبب الأول هو اجتماع قوم قريش في دار الندوة.
وذلك لإطلاق اسم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يتسبب في صد الناس عنه وعدم الإيمان برسالته.
حيث إن أحدهم اقترح بأن يُسمى بالكاهن أي الشخص النشيع بين من حوله، واقترح الآخر اسم مجنون، ولكن لم يوافق أحد على الاسمين.
فقالوا اسم ساحر هو الأفضل إلا أن هذا الوصف لقي اعتراض الأغلبية أيضًا، ولم يتفقوا على شيء.
فمل علم النبي محمد – صلى الله عليه وسلم- بتجمعهم سرعان ما تزمل وتدثر في ثيابه.
إذ قيل إن سيدنا جبريل – عليه السلام- أتاه حينها وقال له (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ) [المزمل، 1]، وكذلك قال (يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ) [المدثر، 1].
وهو سبب نزول سورة المزمل مع سورة المدثر في نفس الوقت.
ويُجدر بالإشارة إلى أن هذا السبب ورد في تفسير ابن كثير، حيث إنه عقّب عليه قائلًا بأنه برز في مسند البزار، والذي اعتمد على إسناده إلى معلى بن عبد الرحمن ولكن أهل العلم قالو بأن الحديث الذي جاء عن سبب نزول سورة المزمل ضعيفًا.
السبب الثاني
أما عن السبب الثاني، فإنه ورد بشكل واضح في الصحيحين.
وهو ينص على أن سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- كان في غار حراء منقطع العبادة أو كما يُقال مجاورًا.
فلما انتهى من العبادة ونزل من غار حراء سمح مناديًا من بعيد يناديه.
فنظر – صلى الله عليه وسلم- عن يمينه وكذلك عن شماله ولكنه لم يرى أي شيء.
إلى أن رفع رأسه لأعلى فوجد الملك الذي رآه مسبقًا في غار حراء وهو سيدنا جبريل – عليه السلام-.
حيث كان يجلس على كرسي بين السماء والأرض، وقاله له حينها اقرأ، فأجاب سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- قائلًا ما أنا بقارئ.
ثم قال له جبريل مجددًا اقرأ إلى أن نزلت الآيات (ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ (2) ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ (3) ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ (4) عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ (5)) [سورة العلق].
فرجع سريعًا النبي – صلى الله عليه وسلم- وهو يرتجف إلى زوجته خديجة قائلًا دثروني دثروني، زملوني زملوني، فمن هنا نزلت سورة المدثر والتي على أثرها نزلت سورة المزمل.
أين نزلت سور المزمل
تقع سورة المزمل في المصحف الشريف في الحزب 58، أما عن ترتيبها بين السور في المصحف أيضًا فهي السورة رقم 37، ولقد اختلف أهل العمل في تحديد مكان نزولها وترتيبها الصحيح في نزول السور الأخرى، إذ إن الآراء انقسمت كالآتي:
يرى البعض أنها سورة مكية، مبررين بذلك أن جميع آياتها تم نزولها على الرسول – صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة.
ولقد اتفق معهم مجموعة من العلماء ولكنهم يروا بأن هناك آيتين منها نزلتا في المدينة المنورة وهما (وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا (10) وَذَرۡنِي وَٱلۡمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعۡمَةِ وَمَهِّلۡهُمۡ قَلِيلًا (11)) [المزمل].
في حين أن البعض الآخر مثل الثعلبي وابن عباس وعبد الله بن الزبير قالوا بأن الآية الأخيرة فقط التي نزلت بالمدينة وهي:
يعزى السبب وراء تسمية سورة المزمل بهذا الاسم إلى الأمور الآتية:
قول الله – تعالى- في مطلع السورة (يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ).
حيث إن هذا القول فيه نداء لسيدنا – محمد صلى الله عليه وسلم- وكذلك فيه وصف لحالته حينها.
إذ إن النبي – صلى الله عليه وسلم- وكما أسلفنا ذكرًا كان متزملًا بزوجته السيدة خديجة أي أنه كان كان متقاسمًا معها الغطاء نظرًا لأنه كان مترجفًا لنزول الوحي عليه.
وكذلك كلمة المزمل وصفت حالة النبي – صلى الله عليه وسلم- عندما سعى قريش لإبعاد الناس عنه وعن الإيمان برسالته من خلال اختيار صفة غير محبذة لمناداته بها.
الدروس المستفادة من سورة المزمل
تحمل سورة المزمل في طياتها العديد من المواعظ والحكم، فلقد خاطب الله – عز وجل- فيها الرسول – صلى الله عليه وسلم- وكذلك المشركين، ففيما يلي سوف نوضح لكم رسائلها:
أمر الله – سبحانه وتعالى- في السورة المؤمنين ومعهم سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- بإقامة الصلاة وبالمداومة على صلاة الليل أي صلاة القيام وذلك لأنها فيها طمأنينة وهدوء ينزل على قلب أي مسلم.
فإن الصحابة كانوا يقومون الليل دائمًا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ويستدل على هذا الأمر قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ).
كما أنه أمر بالصلاة والاستغفار وإخراج الصدقات والزكاة لكي نجد يوم القيامة الأجر والثواب.
بالإضافة إلى ذلك فهو – عز وجل- أشار إلى ضرورة السير في طريق التوبة والابتعاد عن طريق الذنوب والمعاصي.
ومن الأمور التي أيضًا حث الله – تعالى- رسوله عليها هو تبليغ رسالته مهما فعل المشركين.
فضلًا عن ذلك فإنه أخبره بأن مصير المشركين العذاب الأليم كما كان مسير فرعون الذي كابر واتخذ طريقًا غير طريق الإيمان.
وفي السورة أيضًا ذكرًا واضحًا لأهوال يوم القيامة.
وفيها يتم اعتبار المرض بمثابة عذر شرعي حيث يقتضي تخفيفه، كما جاء في قوله تعالى (…عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ…).
ويُجدر بالإِشارة إلى أن أهم الدروس الفقهية في هذه السورة هو وجوب قراء ما تيسر من القرآن الكريم في الصلاة كما جاء في قوله تعالى (… فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ…).
فضل سورة المزمل
يتجلى فضل قراءة سورة المزمل في الأمور الآتية:
التخلص من الصعوبات التي يواجهها المسلم في حياته.
تعد السورة بمثابة الوسيلة للتصدق عن جميع المسلمين.
قيل إن قراءتها 40 مرة وبالتحديد عقب صلاة الفجر يفيد في استجابة الدعاء.
كما أنها تساهم بفاعلية في العثور على أي شيء مفقود.
ومن فوائد قراءة سورة الزمل أيضًا قضاء الحوائج وزيادة الرزق والبركة في الحياة.
ومن الجدير بالذكر أنه تيسر جميع الأعمال الشاقة لا سيما إن تم سماعها باستمرار.