بُعث النبي الأمين محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالوسطية والاعتدال فأنار العالم بنور الهدى والإيمان وملك قلوب البشر أجمعين، فالدين الإسلامي الحنيف دين توسط واعتدال لا إفراط فيه ولا تفريط، فليس الإسلام بدين العلو أو التطرف بل دين السماحة واليُسر وذلك ما قاله المولى عز وجل في كتابه العزيز: ” وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” ، لذا نعرض لكم في السطور التالية مفهوم الغلو في الدين، حكم الغلو في الدين الإسلامي وآثار الغلو على المجتمع، فتابعوا قراءة مقالنا الآتي من مخزن المعلومات.
إن الغلو في الدين هو أحد أنواع الشرك بالله عز وجل، والغلو ليس من صفات المسلم الحق، فهناك العديد من الأمور الموجودة في النفس البشرية والتي تحتاج إلى أن يتم السيطرة عليها حتى لا تتحول في نفسه إلى مشكلة يتأثر بها ويتأثر بالآخرين من الخطأ والكذب، ويُستخدم مصطلح المبالغة في الأمور الفكرية والدينية وغيرها من الأمور المعنوية، ولا يخفى عن أحد بما لهذا التطرف والغلو من تأثير سلبي على الأفراد والمجتمع.
حيثُ أنه من يُمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى معارضة شريعة الله ـ جل شأنه ـ وقدرته في الأرض وإنكار سُنة النبي الكريم، فكأن الأشخاص المتطرفين يقولون للمشرع أنك لم تُحسن وضع الشرع ولم تحصل على حق الاتصال، وذلك لأن المتطرف شخص عنيد يُخالف شرع الله وسُنته وسُنة رسوله في الأرض وهذا الأمر هو الانحراف الأكبر في الحياة، فقد جاءت الشريعة الإسلامية كاملة ولا تحتمل أية زيادات أو نقصان، وفي هذا الأمر كان الإمام مالك يقول (من أدخل بدعة في الإسلام يراها حسنة، يزعم أن محمد خان الرسالة)
كما يُعد الغلو خروج عن الطبيعة الإنسانية وانتهاك لغريزة الأديان التي خلقها الله تعالى في البشر فالأديان هي خطاب الهداية للبشر جميعاً، وذلك لأن الأديان السماوية الثلاثة تبتعد عن المغالاة والغريزة والفتنة الكبرى، وبالمثل فإن المبالغة في الأمر تُسبب الملل والهجران والزيادة قصيرة الأجل وهو الأمر الذي لا يتسامح معه الجميع.
تعريف الغلو لغة واصطلاحاً
الغلو لغةً
تم اشتقاقه من الأصل (غلا) أي الارتفاع وجاوز الحد، وهو المعنى الذي توافقت عليه جميع معاجم اللغة العربية، فنقول غلا اللبن أي فار وارتفع عن القدر، وغلا السعر أي تجاوز الحد المعتاد، وغلا القدر أي فاض بما فيه ونزل عنه، وغلا في الدين تعني أن الشخص تشدد وتصلب حتى جاوز حد الاعتدال في الأمر.
الغلو اصطلاحاً
لم يختلف تعريف الغلو اصطلاحاً بشكل كبير عن التعريف اللغوي له فإن كان المفهوم اللغوي للحد قد أشتمل على التجاوز والارتفاع عن الحد مادياً ومعنوياً، فإن التعريف الاصطلاحي للغلو قد اقتصر على الجانب المعنوي فقط والذي يعبر عن توجه فكري محدد يظهر تأثيره على سلوك الفرد، وقد جاء تعريف بعض العلماء لتعريف الغلو اصطلاحاً على النحو التالي:
عرف ابن حجر العسقلانى الغلو فى فتح البارى بأنه ” المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد، وفيه معنى التعمق والزيادة على ما لم يطلب شرعاً”
وقال الرازي أن الغلو هو الإفراط في جانب التعظيم، وقال عنه الزمخشري بأن الغلو هو مجاوزة الحد في التعظيم أو في الغض و التنقيص من شيء ما.
وإن الغلو بوجه عام يعني الزيادة المفرطة، بأن يقوم المرء بحب الأنبياء بصورة فائقة وحب الصالحين وإن زاد في ذلك حتى يدعوهم إلى الله ويحبهم حتى أنه لا يزيد من طاعة أمره ومتابعة طريقه إلا إذا كان يعبدهم.
وأن محبة الأنبياء والصالحين لا تزيد إلا إذا جعلناهم آلهة في نظر الله تعالى بلا مبالغة، وذلك لأن العبادة حق لله وحده فلا يُمكننا أن نطرف بها في قلويهم ولا أن نقوم ببناء المساجد عليها ولا نضع عليها قبباً، ولا بسموا أهلهم بهذا الامتداد إلا أنه يدفنوا كمسلمين في زمن النبي الكريم وبعده ولا ينم إحياء قبورهم، وقد يُقال عن هذا الأمرتطرفاً أو شركاً بالله ـ عز وجل ـ .
آثار الغلو في الدين
من آثار الغلو في الدين المبالغة في العبادة أي أن البعض قد يبالغ في الأمر إلى قدر أنه يفعل ما لا يوجد في الشريعة، فالمبالغة في الدعاء هي أمر لم يفعله النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في السُنة النبوية أو الدين ومثل ذلك الصوم دون أن يفطر المرء لفترة أوالاستيقاظ بلا نوم كنوع من العبادة.
ويكون التطرف في الفكر هو جوهر التطرف والفساد في العالم وهو الأمر الذي نحتاج إلى أن يتم التخلص منه، حيثُ انه بسبب الصلابة الذهنية والإفراط الفكري لدى البعض قد ظهرت العديد من الجماعات التي شوهت أفكار وثوابت المجتمعات وأظهرت أراءها المعارضة ليحكموا على الآخرين بأنهم مخطئين وفاشلين ورجعيون وذلك فقط يثبتوا لأنفسهم أنهم أسياداً في التفكير ويكرهون كل من يتفوق عليهم في الفكر، وتكون قسوتهم ومبالغتهم في التفكير في النهاية ما هي إلا ناراً سوف تأكل صاحبها.
مظاهر الغلو في الدين
إن ظاهرة الغلو والتطرف في الدين هي أمر مرفوض بجميع أشكاله وصوره وأسبابه فهي بمثابة المرض المعدي الذي ينتشر بين الناس والمجتمعات ليصيبها بالفساد، فلا يكاد أي مجتمع في العصر الحالي يخلو من الغلو في العديد من القضايا المعاصرة التي ظهرت في الوقت الحالي والتي سبب ظهورها الكثير من الخوف والذعر في نفوس البشرية، ومن أبرز مظاهر الغلو في الدين أن يقوم الشخص بـ :
يفعل المرء ذو المغالاة والتطرف كل ما يُطلب منه دون تفكير أو تحليل أو موازنة في المبالغة أي تصل المبالغة إلى حد التقديس، أي أن هذا الشخص شديد الإخلاص للشيء الذي تطرف فيه، ومن يميل إليه، حيثُ يمنعه وضعها الحالي من الاستجواب والتحليل.
النظر إلى بيان الأمر دون التحقق من صحته، مع الاستسلام بسرعة شديدة لما هو موجه إليه، بشكل خاص إن كان الشخص واثق في الصدقة أو يوجد شخص معجب بسلوكياته خلال وقوفه مع فكرة أو عقيدة محددة.
يرى أن أي انتقاد له هو فعل من عمل الشيطان، فيلجأ إلى الحكم غير العقلاني في الأقوال والأفعال والأفكار وذلك لأنه يُعود عقله على أن يكون شاهداً زوراً لما هو متحيز له، ولا يجد في هذا الأمر أي شعور بالانحراف أو التعسف.
يبرر أفعاله لنفسه بيقين لا يوجد به شك أو درجة واحدة من عدم الصدق، ويُعطي هذا الأمر أصلاً إذا كان للتطرف أصل ديني أو طائفي من أجواء القدسية.
أسباب الغلو في الدين
توجد العديد من الأسباب التي أوصلت الإنسان إلى أن يصبح متطرفاً ولديه غلواً في الدين، ومن بين هذه الأسباب:
تمثل ظاهرة التطرف ظاهرة عالمية وليست مقتصرة على دولة واحدة فقط، وإن كانت في كثير من الأحيان يرتبط التطرف بجماعات دينية محددة.
يلجأ المتطرفون إلى هذا النوع من التطرف لإثبات وجودهم أو بهدف المغامرة فيجدون في هذا الأمر قيمتهم في الحياة.
قد تقوم بعض الدول بتقييد حرية أفرادها ومنعهم من ممارسة الحقوق الحزبية أو السياسية أو بسبب وجود احتلال لهذه الدولة من عدو خارجي، لذا قد يلجأ بعض أفراد المجتمع إلى استخدام بعض المتطرفين لإثبات آراءهم والتخلص من الإقصاء السياسي الذي تسبب في استبعادهم عن المجتمع وشعورهم بالظلم والاضطهاد القمع.
قد يظهر الغلو نتيجة لجهل الفهم الصحيح للأحكام الشرعية والنصوص الدينية، فلا يتم الالتزام بالنصوص الشرعية في الكثير من الأمور تظهر ظواهر غريبة وبها مغالاة شديدة في التطرف.
جهل الأشخاص بحقيقة الدين الإسلامي وعدم التوصل من خلاله إلى أهمية التدرج في بلوغ الأهداف، مع السعي إلى تحقيق بعض الغايات الشخصية التي تتسبب في النهاية وجود انحرافات في العالم الإسلامي.
الانتباه إلى النقاط التي اختلف فيها علماء المسلمين والأئمة مع التمسك برأي واحد منهم فقط بما يظهر منه مبالغة في النهي عن بعض الأفعال والتوسع في النهي عن فعل ما يجوز شرعاً.
وفي ختام مقالنا أعزاءنا القراء نكون قد تعرفنا معكم على تفاصيل حكم الغلو في الدين الإسلامي وآثار الغلو على المجتمع العربي والإسلامي، وللمزيد من الموضوعات تابعونا في موقع مخزن المعلومات.