ابحث عن أي موضوع يهمك
يقصد بالإجهاض فقد الجنين وانتهاء الحمل قبل اكتمال نموه برحم الأم، وعادةً ما تحدث أغلب حالات الإجهاض في الثلث الأول من الحمل قبل الأسبوع الثاني عشر، وهو محرم في الإسلام في أغلب حالاته، حيث اتفق جمهور فقهاء الإسلام على أن الإجهاض يكون حراماً بعد نفخ الروح بالجنين، ويكون ذلك عقب مرور مئة وعشرين يومًا، وقد استدلوا في ذلك بما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ في ذلكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ في ذلكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ).
فقد اعتبروا أن الإجهاض بعد نفخ الروح بالجنين بمثابة قتل النفس، مؤكدين على تحريم الإجهاض في ذلك الوقت حتى وإن كان في الإبقاء عليه خطرًا على حياة الأم، وقال ابن عابدين في ذلك (لَوْ كَانَ الْجَنِينُ حَيًّا، وَيُخْشَى عَلَى حَيَاةِ الأُْمِّ مِنْ بَقَائِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَقْطِيعُهُ؛ لأَِنَّ مَوْتَ الأُْمِّ بِهِ مَوْهُومٌ، فَلاَ يَجُوزُ قَتْل آدَمِيٍّ لأَِمْرٍ مَوْهُومٍ)، كما وقال ابن جزي بقوانينه الفقهية: “وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له، وأشد من ذلك إذا تخلق، وأشد من ذلك إذا نفخ فيه الروح فإنه قتل نفس إجماعاً”.
في حين اختلف العلماء في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح بالجنين، حيث ذهب فقهاء الحنفية لجواز الإجهاض قبل نفخ الروح بعذر، وفي ذلك يقول ابن وهبان (إن إباحة الإسقاط محمولة على حالة الضرورة)، في حين اتفق المالكية على تحريم الإجهاض قبل نفخ الروح، كما وقال الدريدر: (لاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ وَلَوْ قَبْل الأَْرْبَعِينَ يَوْمًا)، كما وأوجبوا على الإجهاض الغُرّة، أما المالكية فقد استحسنوا الغُرّة والكفارة.
ويقصد بالغُرة في الإجهاض (نصف عشر الدية)، وفي ذلك يقول الإمام مالك رحمه الله (كُل مَا طَرَحَتْهُ الْمَرْأَةُ جِنَايَةٌ، مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ، مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ، فَفِيهِ الْغُرَّةُ)، أما الحنابلة والشافعية فقد ذهبوا إلى تحريم الإجهاض حتى قبل نفخ الروح بالجنين، حيث تكون النطفة عقب الاستقرار مهيأة للتخلق ونفخ الروح، وأوجبوا الغُرّة والكفارة على الإجهاض قبل نفخ الروح.
والراجح في الإسلام أن الإجهاض قبل نفخ الروح جائز إن كان هناك مصلحة وعذر، ولكن الخلاف أتى بحكم الإجهاض قبل نفخ الروح، حيث ذهب بعض الشافعية والحنفية وقال الحنابلة بجوازه، ويقول الإمام الغزالي رحمه الله في كتاب (إحياء علوم الدين) ما يلي “وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة، وإفساد ذلك جناية، فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشاً، ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيّاً).
ولكن إجهاض الجنين يكون جائز قبل إتمام مئة وعشرين يوماً من وقت علوقه في الحالة التي يقرَّر بها الطبيب الثقة أنّ في بقاءه تعريض لحياة الأم إلى خَطَر الوفاة، وقال الرملي رحمه الله بنهاية المحتاج (الراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا، وجوازه قبله)، ولكن ذهب المالكية لعدم الجواز مطلقًا وهو ما قال به بعض الحنابلة، والشافعية والحنفية، وقال الدردير بالشرح الكبير (لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا).
أوضحت هيئة كبار العلماء حكم الإجهاض قبل تمام الأربعين يومًا، إذ يكون من الجائز إسقاطه لدفع ضرر متوقع أو لمصلحة شرعية، في حين أن إسقاطه بتلك المدة لمشقة بتربية الأبناء أو عند اكتفاء الزوجين بما لديهم من أبناء فهو غير جائز، ولكن إن تخطى الحمل الأربعين يومًا يكون إسقاطه حرامًا، حيث يكون الجنين بعد مرور أربعين يومًا علقة، وذلك هو الوقت الذي يبدأ به خلق الإنسان، وقد ورد في فتوى اللجنة الدائمة (فلا يجوز إسقاطه بعد بلوغه هذه المرحلة إلا إذا تقرر ذلك بواسطة لجنة طبية موثوقة أنّ في استمرار الحمل خطرًا على حياة الأم وأنه يخشى عليها من الهلاك فيما لو استمر الحمل).
من غير الجائز على الإطلاق إجهاض الجنين خشية أعباء المعيشة والفقر، فلا يعتبر الفقر عذرًا للإجهاض، حيث نهى الله جل وعلا في العديد من الآيات عن ذلك، ومنها ما ورد في قوله تعالى في سورة الأنعام، الآية 151 (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)، كما قال تعالى في سورة الإسراء، الآية 31 (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)، فيكون إسقاطه وإجهاضه بسبب الفقر من ضعف اليقين وسوء الظن بالله تعالى، حيث قال جل وعلا في سورة التوبة الآية 28 (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، والمقصود بالعيلة الحاجة والفقر والعيلة، فلا يولد أي مولود إلا وكتب الله له أجله ورزقه وهو ببطن أمه.
إن الزنا يعتبر من أعظم الكبائر عند الله عز وجل، ولا يختلف حكم تحريم الإجهاض سواء كان الحمل من زواج صحيح أو من الزنى، إذ يكون الإجهاض حرامًا عقب نفخ الروح بالجنين، ويكون في تلك الحالة بمثابة قتلًا للنفس، ولكن إن كان قد وقع الزنا كرهًا نتيجة لتعرض الأم إلى الاغتصاب، وكان لم يتم نفخ الروح بالحمل يمكن للمرأة حينها الإجهاض إن كان من غير الممكن احتماله، أو سيجلب العار والخزي لها.
ولكن إن كان الزنا قد وقع برضاها فمن غير الجائز قيامها بالإجهاض لما به من فتح لباب الفساد ونشر الفاحشة والرذيلة، كما لا يتم التضحية بجنين لا ذنب له في ذنب اقترفه غيره، وهو ما قال به الله تعالى في سورة الأنعام الآية: 164 (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).
ورد في كتاب الفقه الميسر حول حكم استخدام الأجنة لزرع الأعضاء ما يلي:
أوضح الدين الإسلامي وجود بعض الضوابط التي يمكن إجهاض الجنين من خلالها، وفي غير تلك الضوابط يكون الإجهاض حرامًا، وهو ما قال فيه الله تعالى في سورة الأنعام، الآية 151 (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، وتتمثل تلك الضوابط فيما يلي: