ابحث عن أي موضوع يهمك
أحيانًا ما يبادر البعض بإعطاء الجزار شيء من لحم أضحيتهم عند ذبحه لها على سبيل الأجرة مقابل ذبحه لهذه الأضحية، ولكن لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد أصحابه الأجلاء أنهم فعلوا ذلك، وقد قال المالكية في ذلك (لا يجوز الاستئجار على الذبح والسلخ مقابل شيء من لحم الأضحية لما فيه من الجهل بصفة اللحم، إذا لا يدري هل تصح ذكاتها أم لا).
والسبب في المنع من منع إعطار الجزار شيء من لحوم الأضاحي يرجع إلى الجهل بصفة اللحم، ومن المعروف أن من شروط صحة الإجارة في مقابل العمل العلم بما هي الأجرة وما هو مقدارها، ولكن ذكر علماء آخرون السبب الرئيسي بالمنع يعود إلى ما ورد من حديث عن أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نَهى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عن عَسْبِ الفحلِ ، وعن قفيزِ الطَّحَّانِ).
ويقصد بقفيز الطحان المكيال البالغ قيمته أربع ونصف كجم، والمنهي عنه بقفاز الطحان قوله للمؤجر سأطحن لك بكذا وكذا ويزيد نفسه قفيز من الطحين، كما وورد في معناه استئجار الرجل، حتى يطحن كمية من القمح غير معلوم الكمية، على أن يتم الحصول على أجره قفيز طحين من الذي طحنه بنفسه، وهو ما تم النهي عنه لما به من غرر وجهالة، لذلك عند أخذ الجزار أجره من لحم الأضاحي فهو أمر غير جائز عند أهل العلم للجهل بنوعية وصفة اللحم، وعدم ورود نص صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
يعتبر ذبح الأضاحي في المسلخ أحد أنواع التوكيل الشرعي، فيقوم المضحي بالتوكيل على أضحية ما حتى يذبحها له اللحام، وذلك أمر جائز، ولكن من الأفضل ذهاب المضحي للمسلخ حتى يحضر بنفسه عملية الذبح، وأفضل السنن قيام المضحي بنفسه بذبح أضحيته، وهو ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان يذبح أضحيته بيده، كما وأمر النبي الكريم صلوات الله عليه وسلامه بالأكل من لحم الأضحية.
وقد قال ابن قدامه (وإن ذبح الأضحية بيده كان أفضل، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحّى بكبشين عظيمين، ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر)، ولكن عند رغبة المضحي أن يقوم بالتضحية في المسلخ فمن غير الجائز له أن يتم إعطاء الجزار أجره من جلد أو شعر أو لحم الأضحية على ذلك، فذلك لم يجزه العلماء بإجماع الآراء، وأما عن بيع شيء من الأضحية فهو أمر غير جائز، كما لا يجوز للمضحي بيع صوف أو جلد الأضحية وأخذ ثمنها، أو منحه لأقاربه، ولكن من الجائز التصدق بهما، وذلك هو الأفضل.
أجمع العلماء على عدم جواز إعطاء الأجرة للجزار عن ذبح الأضحية من لحمها أو أي شيء منها، ولكن من الجائز إعطائه منها إم كان من الفقراء والمساكين المستحقين لذلك، وإن لم يكن كذلك، فصرف لحم الأضاحي للفقراء المستحقين أولى، وفي ذلك يقول الإمام النووي رحمه الله (واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه لا يجوز بيع شيء من الهدي ولا الأضحية نذرًا كان أو تطوعًا؛ سواء في ذلك اللحم والشحم والجلد والقرن والصوف وغيره، ولا يجوز جعل الجلد أجرة للجزار).
أما الكاساني فقال عن إعطاء الجزار أجره من لحم الأضحية ما يلي (ولا يجوز بيع جلدها وشحمها ولحمها وأطرافها ورأسها وصوفها ووبرها ولبنها الذي يحلبه منها بعد ذبحه بشيء لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاك عينه من الدراهم والدنانير والمأكولات والمشروبات، ولا أن يعطي أجر الجزار والذابح منها؛ لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من باع جلد أضحيته فلا أضحية له. وروي أن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال لعلي رضي الله عنه: تصدق بجلالها وخطامها ولا تعط أجرًا لجزار منها).
إن تلفت الأضحية عقب الذبح أو أخذها ممن لا يكون من الممكن مطالبته بها، أو سرقتها، دون أن يفرط صاحبها، فلا يكون هناك على صاحبها ضمان، في حين أن من فرط بأضحيته بنفسه بما يجب التصدق به، فيجب عليه أن يحدد الكمية التي قام بالتفريط فيها والتصدق بمثلها، وإن كان بقي شيء لم يتلف من الأضحية، فمن الواجب التصدق منه للخروج من الخلاف، حيث ورد الأمر أن يتم التصدق بلحوم الأضحية.
إذ أن الصدقة من لحوم الأضحية تجب عند كل من الحنفية، والمالكية، والحنابلة، والشافعية، فإن لم يتصدق المضحي بأي شيء من أضحيته يعتبر ضامنًا لأقل ما يصدق اسم اللحم عليه، مثل الأوقية، وقد أتي بكتاب (كشاف القناع عن متن الإقناع) ما يلي “فإن لم يتصدّق بشيء نيء منها ضمن أقل ما يقع عليه الاسم كالأوقية بمثله لحم، لأن ما أبيح له أكله، لا تلزمه غرامته، ويلزمه غرم ما وجبت الصدقة به، لأنه حق يجب عليه أداؤه مع بقائه، فلزمته غرامته إذا أتلفه كالوديعة”.
وذلك بحق من فرط، أو من تعمد أن يأكل لحم أضحيته كاملًا، ولكن من لم يقم بالتفريط فيها فلا يوجد عليه شيء، وهو ما قال به العلماء (وإن عيّن أضحية أو هديًا فسرق بعد الذبح، فلا شيء عليه، وكذلك إن كان قد حدده عن واجب في الذمة، ولو كان وجوبه في الذمة بالنذر بأنه نذر هديًا أو أضحية، ثم عيّن عنه كا يجزئ، ثم ذبحه، فسرق، فلا شيء عليه، لأنه أمانة في يده، ولم يتعدّ، ولم يفرط فلم يضمن كالوديعة).
من غير الجائز أن يتم بيع جلد الأضحية أو أي جزء آخر منها لدى الغالبية من أهل العلم، ليس للانتفاع به أو استخدامه بالبيت، أو أيًا من الاستخدامات الأخرى، ولكن من الجائز أن يتصدق المضحي بجلد الأضحية، كما يجوز أن ينتفع هو بها، وذلك مذهب كل من الشافعي، ومالك، وإسحاق، كما لا يجوز إعطاء الجزار الجلد مقابل ذبحه للأضحية على سبيل الأجر.
وهو ما قال به الكساني بكتابه (بدائع الصنائع) ما يلي “لا يجوز بيع جلد الأضحية ولا شحمها ولا لحمها ولا أطرافها ولا رأسها ولا صوفها ولا وبرها ولا لبنها الذي يُحلب منها بعد ذبحها، ولا يجوز أن يعطي أجر الجزار أو الذابح من هذه كلها، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من باع جلد أضحيته فلا أضحية له”.
ومن قام ببيع شيء من جلد أضحيته وهو في جهل بالحكم فلا ينتفع حينها بالثمن، ولكن يجب عليه التصدق به، والأولى أن يسارع بالتصدق به للفوز بما يترتب عليه من ثواب وأجر.
وفق رأي علماء المسلمين من غير الجائز للمضحي أخذ شيء من أظافره أو شعره أو بشرته سواء كان غير حاج أو حاج، فمن يرغب أن يضحي عليه عدم أخذ أي شيء من شعره، أو رأسه، أو أظافره، ولا لحيته أو شاربه أو عانته، إلى أن يضحي عقب دخول العشر من ذي الحجة، فإن دخل العشر من ذي الحجة يكون حرامًا على المضحي سواء من النساء أو الرجال أخذ أي شيء من البشرة أو الظفر أو الشعر أو سائر أجزاء البدن.
وهو ما ينطبق على المضحي سواء امرأة أو رجل إن أرادوا التضحية عن أهل بيتهم وأنفسهم الأضحية الشرعية، فلا يجوز له أن يأخذ شيئًا إلى أن يضحي، فإن كان يرغب بالتضحية عن نقسه أو أهل بيته أو والديه من مال فلا يأخذ من بشرته أو شعره، أو أظافره شيء إلى أن يضحي عقب دخول الشهر، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عدم الأخذ من الأظافر أو البشرة والشعر شيئًا إلا أن تتم التضحية، ولكن من يرغب بالتطيب ليأتي أهله فلا بأس بذلك، وهو جائز شرعًا، باستثناء أخذ شيء من البدن، فذلك هو ما لا يجوز.
ورد بالسنة النبوية أن من يريد ذبح الأضحية عليه أو يقول دعاء الأضحية وهو (بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، هذا عني)، ومن كان يذبحها عن غيره عليه أن يقول (هذا عن فلان، اللهم تقبّل من فلان وآل فلان ويذكر اسمه)، وقد روي عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها (أن رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- أَمَرَ بكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ في سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ في سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ في سَوَادٍ، فَأُتِيَ به لِيُضَحِّيَ به، فَقالَ لَهَا: يا عَائِشَةُ، هَلُمِّي المُدْيَةَ، ثُمَّ قالَ: اشْحَذِيهَا بحَجَرٍ، فَفَعَلَتْ: ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الكَبْشَ فأضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قالَ: باسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِن مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بهِ).