اجتمع جموع العلماء على تحريم إجهاض الجنين قبل الأربعين ما لم يتواجد سبب للأمر ويتقبله الشرع مثل الخطر على حياة الأم وغيرها من الأسباب التي يتقبلها العقل، ولكن إجهاض الدنين دون سبب فهو حرام شرعًا، وهذا بسبب كون الأمر يصل بنا إلى بند قتل النفس إذا وقع الأمر بعد أن تدب به الروح، وهو محرم أيضًا لأنه تخليص من النفس التي كان من الممكن أن تكون عبادة لله عز وجل.
يجب على من تقوم بهذا الفعل أن تتوب لله عز وجل، ولا يوجد دية أو كفارة للأمر إذا وقع الإجهاض قبل أن تبث الروح في الجنين ويبدأ في التخلق.
أما إذا مضى الأربعين وبدأ الجنين في التخلق فتلزم كفارة ودية للأمر تتمثل في الغرة أي الأمة أو العبد الصغير المعافى المميز وإذا لم تتواجد الغرة فيتمثل الأمر في دية الأم أي الذهب أو الفضة الذي يتم دفعه إذا قُتلت الأم خطأً.
اختلف العلماء في أمر أن تكون الكفارة هي صيام شهرين متتاليين، فبعض العلماء قال بأن الأمر واجب وجوبًا قياسيًا والآخرين يقولون بأنه واجب وجوبًا مستدلًا.
إذا وقع الإجهاض بجهالة من الأم دون معرفة أن الأمر حرام فعليها التوبة والاستغفار ويسقط عنها الآثم ولكن عليها إخراج كفارة الأمر إذا بدأ الجنين في التخلق، ولو كان الأمر على جهالة منها.
تسلم الدية الخاصة بالإجهاض إلى ورثة الجنين ولا ترث منها الأم، لأنها في هذه الحالة وقعت وقع القاتل والقاتل لا يرث من قتيله.
حكم الإجهاض بسبب الحالة الصحية ووجود رضيع آخر
تتساءل واحدة من السيدات في إحدى اللقاءات التلفزيونية مع أحد مشايخ الإفتاء بشأن الإجهاض بسبب كونها تملك طفلًا لم يكمل العامين بعد، ومتعلق بها بشكل كبير، بجانب المجهود الكبير الذي تقوم به في تربيته وتلبية احتياجاته.
المرأة بعيدة عن أهلها في المسكن ولا يوجد من يساعدها ويهون عليها الأمر.
بجانب هذا بدأت صحتها في التدهور بعد الولادة والرضاعة ووصل وزنها إلى 45 كيلوا جرام.
اتفقت مع زوجها على تأجيل قرار الإنجاب من جديد حتى يبلغ الطفل ثلاث أو أربع سنوات وتستر الأم عافيتها قليلًا، لكن الواقع غَّير هذا وحملت المرأة.
فبدأت في التساؤل بشأن إمكانية الإجهاض فكانت تخشى على طفلها وظلمها له وفي نفس الوقت تخشى ألا تسطيع الحمل من جديد، بكن الخوف الأكبر من غضب الله عز وجل.
فجاءتها الإجابة بالشكل التالي: مادام جنين دون الأربعين ولم يبدأ في التخلق وتواجدت الأسباب التي يقبلها الشرع ووقع الضرر بسبب الأمر، جاز إسقاط الجنين.
أما إذا أتم الأربعين ولكن لم يتم 120 يومًا أي لم تنفخ فيه الروح، فهذا الأمر أصبح محل خلاف بين العلماء، فمنهم من أجازه وأكثرهم قام بتحريمه.
لكن الأفضل هو الإبقاء على الجنين وعدم التفريط به.
حكم إسقاط الجنين قبل الأربعين لابن باز
أشار بن الباز كغيره من العلماء إلى تحريم الأمر مادام لم تتواجد ضرورة أو خطر على حياة الأم، أما إذا لم يتواجد سبب حقيقي فإبقاء الجنين لازم، فإنجاب الأطفال والحفاظ على استمرار الأمة الإسلامية هو أمر ضروري ومطلوب شرعًا.
أما أراء مذاهب الدين فذهب الحنفية والشافعية وبعض المالكية والحنابلة إلى جواز الأمر قبل نفخ الروح في الجنين.
فيقول ابن همام بأن الأمر جائز ما لم يتم التخلق، وفي بعض الأقوال الأخرى قال قبل إتمام المئة وعشرين يومًا، ومن هذا المنطلق نستنج أن معنى التخلق هو نفخ الروح.
أما الرملي في نهاية المحتاج أشار إلى تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح، وأجاز الأمر قبل هذه المدة.
أما المرداوي في الإنصاف فأجاز تناول دواء للإسقاط مادام الجنين نطفة دون روح.
أشار الغزالي إلى الأمر أيضًا في كتاب إحياء علوم الدين فقال: (وليس هذا كالاستجهاض والوأد، لأنه جناية على موجود حاصل فأول مراتب الوجود وقع النطفة في الرحم فيختلط بماء المرأة، فإفسادها جناية، فإن صارت علقة، أو مضغة فالجناية أفحش، فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشاً) وأكمل في كتابه: (ويبعد الحكم بعدم تحريمه وقد يقال أما حالة نفخ الروح فما بعده إلى الوضع فلا شك في التحريم، وأما قبله فلا يقال إنه خلاف الأولى، بل محتمل للتنزيه والتحريم ويقوى التحريم فيما قرب من زمن النفخ، لأنه جريمة، ثم إن تشكل في صورة آدمي وأدركته القوابل وجبت الغرة).
لذا فإن الغزالي في تحريم التخلص من الجنين، وأشار إلى حكم وكفارة الأمر إذا وقع الإجهاض بعد نفخ الروح وهو ما أشرنا له سابقًا وهي إخراج غرة أي العبد أو الأمة.
حكم الإجهاض في الشهر الأول دار الإفتاء
أفتت هيئة كبار العلماء بالمنع المطلق للإجهاض لما في الأمر من إفساد للنسل، وإظهار باب من أبواب الفساد، وهذا ما توضحه الفتاوى التالية.
كما أشار الإفتاء بأنه بالرغم من تفاوت درجات التحريم وإجازتها في بعض الحالات إلا أن الإثم واقع في كل الحالات، ولا يعتبر ضعف الجسم أو عدم القدرة على الإرضاع واحدًا من الأسباب الضرورية التي يعتبرها الشرع محلة للإجهاض.
لا يجوز الإجهاض في أي مراحل الحمل إلا إذا تواجدت ضرورة للأمر مثل الخطورة على صحة الأم، أو تشوه الجنين وعدم استطاعته الحياة على أي حال، ويتم إثبات الأمر عن طريق تقارير طبية موثوقة.
الإجهاض بسبب الاكتفاء من الأبناء أو كثرتهم أمر لا يجوز شرعًا ومحرم لأن هذا السبب لا يعد ضروريًا ولا يشكل خطورة على حياة الأم.
كذلك لا يجوز الإجهاض من أجل إتمام التعليم أو الرغبة في أداء مناسك الحج، وهذا للقدرة على تأخيرهما أو إتمام التعليم مع الحمل.
إذا نوى الزوجين إجهاض الجنين بتناول الدواء دون سبب شرعي فهما آثمان وواقعان في الحرام ولو لم يمت الجنين.
حكم الإجهاض بسبب الحالة النفسية السيئة
يوضح أحد السائلين الحالة النفسية السيئة لزوجته الحامل الراغبة في التخلص من جنينها ومحاولة الانتحار لأكثر من مرة متساءلًا عن حكم الأمر وماذا يجب عليه أن يفعل، فجاءته الإجابة بالشكل التالي:
الأمر محرم فلا يوجد خطر على صحة الأم أو الجنين من هذا الحمل.
على الزوج أن يقوم بأقصى ما يستطيع للحفاظ على صحة الجنين وصحة زوجته.
إذا لم تتواجد الحلول لهذا الأمر فتكون ذمة الرجل بريئة أمام الله ولا حل سوى الإجهاض.
أما المرأة فإذا كانت عاقلة وواعية لما تقوم به فيحرم عليها إيذاء نفسها أو جنينها.
حكم إجهاض الجنين من الزنا
اتفق العلماء على تحريم إجهاض الجنين بعد نفخ الروح باختلاف الأسباب الدنياوية، والأكثر حرم التخلص منه ولو كان نطفة،وهناك بعض الأمور الوارد الإشارة إليها هنا بهذا الشأن.
لا يختلف الحكم هنا سواء كان الجنين ناتجًا عن علاقة شرعية بالزواج أو علاقة محرمة.
ينسب الطفل الناتج عن هذه العلاقة إلى والدته ولا ينسب إلى الأب.
لا يجوز الإجهاض وإن كان الزنا وقع مع مشركة أو كافرة، فالجنين في هذه الحالات لا ذنب له على الإطلاق والمذنب هو الزاني والزانية فيجب أن يقع عليهما الذنب والعقاب.
جاء في المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي المتواجدة في مكة المكرمة بأن الإجهاض محرم شرعًا ولا يجوز إسقاطه بعد بلوغه المئة وعشرين يومًا ونفخ الروم ولو كان مشوه، إلا إذا تم الإثبات بأن بقاء الحمل يشكل الخطر على حياة الأم عندها من الجائز إجهاضه لدفع الضرر.
حكم الدم الناتج عن الإجهاض
اختلف العلماء في الحكم بشأن دم الإجهاض وفقًا لاختلاف حالة الجنين، ونوضح الأمر في النقاط التالية:
أما إذا تم التأكد بأن الجنين المجهد قد نُفخت فيه الروح وبدأ التخلق فيعتبر الدم الناتج عن الأمر دم نفاس يمنع الصوب والصلاة.
إذا لم يتم التخلق فيعتبر فيعامل الدم الناتج معاملة الاستحاضة ولا يمنع الصوم أو الصلاة.
يتم الإلمام بطبيعة التخلق إذا حدث الإجهاض مدة لا تقل عن ستة أسابيع أي مرور 81 يومًا على الجنين في بطن الأم وبهذه المدة يعتبر الدم نفاس قبل هذا يعامل معاملة الاستحاضة.
من هذا المنطلق نكون قد وصلنا للنهاية بعد توضيح حكم إجهاض الجنين قبل الأربعين والعديد من الأحكام الأخرى الخاصة بإجهاض الجنين لأسباب متنوعة ومختلفة، كما وضحنا حكم الناتج عن هذا الأمر وطبيعة إفساده للصوم والصلاة أم لا عبر الفقرات السابقة.
يمكنكم الاطلاع على المزيد من الموضوعات عبر موقع مخزن من هنا: