ابحث عن أي موضوع يهمك
حادثة افتعلها المنافقون هي واحدة من القصص التي حدثت بتاريخ الدعوة إلى الإسلام، والتي تبين للمسلمين شدة العداء من المنافقين إلى المسلمين وكراهيتهم للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وما قاموا به من محاولات لتشويه صورة المسلمين والإسلام، وهي حادثة يجب أن يتم تسليط الضوء عليها وعلى تفاصيلها وما جرى بها من أحداث، وفي فقراتنا التالية عبر مخزن سنوضح لكم ما هي تلك الحادثة وأحداثها وتفاصيلها.
عرفت الحادثة التي افتعلها المنافقون باسم حادثة الإفك، فهي أحد الحوادث التي أراد منها المنافقون تشويه صورة الإسلام وصورة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قاموا بالافتراء على أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، ووجهوا الاتهام إليها بالفاحشة، وهو ما وقع نتيجة ما حصل معها من أحداث، وقد أنزل الله تعالى في هذه الحادثة الآية 11 من سورة النور (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
خرجت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزوة بني المصطلق، وخلال طريقهم للعودة خرجت السيدة عائشة بجوار هودجها وحينها أضاعت العقد الخاص بها، وأثناء بحثها عنه استكملت القافلة مسيرتها حاملين معهم هودجها دون أن يعلموا أنها ليست بداخله، وحين عادت لم تجد أيًا منهم، وظلت تنتظر إلى أن يكتشفوا غيابها ويعودوا إليها، وقد صادف ذلك الموقف مرور الصحابي الكريم (صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه)، والذي حمل السيدة عائشة رضي الله عنها على بعيره ورجع بها إلى المدينة المنورة، وما كان من المنافقون إلى أن استغلوا ذلك الحدث، لينشروا الإشاعات الباطلة الكاذبة عن أم المؤمنين رضي الله عنها.
الإفك هو أن يقول الشخص بالناس الأقاويل والأنباء التي وردتهم عنهم دون التأكد منها أو التثبت من صدقها، وهو الحال الذي وقع بحادثة الإفك والتي افتعلها المنافقون بعهد النبي صلى الله عليه وسلم، إذ اتهموا السيدة عائشة رضي الله عنها بأنها ارتكبت الفاحشة مع الصحابي الجليل (صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه)، ولكن الله جل وعلا أنزل آيات من سورة النور تنفي وتدحض افتراء المشركين على السيدة عائشة رضي الله عنها.
أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إلى غزوة بني المصطلق، وكعادته بالغزوات اقترع بين زوجاته لتحديد من بينهن سترافقه بالغزو، وكنت السيدة عائشة رضي الله عنها هي من وقع الاختيار عليها، وكان الخروج لهذه الغزوة بعد أن فرض الله سبحانه وتعالى الحجاب على المسلمين من النساء، وخلال طريق المسلمين إلى الغزوة، ترجلت السيدة عائشة عن هودجها لقضاء حاجتها، وحين عودتها اكتشفت أنها أضاعت عقدًا كانت استعارته من أختها، فخرجت لتبحث عنه، ولم يلحظ الصحابة غيابها، فساروا بطريق عودتهم، وحين عادت إلى مكان تجمعهم لم تجد سوى صفوان بن المعطل رضي الله عنه.
حين رأي الصحابي الجليل صفوان بن المعطل رضي الله عنه السيدة عائشة بالصحراء، لم يتردد في مساعدتها وحملها على ظهر بعيره، وسار بها في اتجاه المدينة المنورة، وكان السبب في تأخر صفوان عن قافلة الصحابة والجيش، أنه كان ينام كثيرًا، وحين رأي أم المؤمنين قال (إنّا لله وإنّا إليه راجعون)، ولم تنطق السيدة عائشة بكلمة واحدة.
حين رأى المنافقون عودة السيدة عائشة رضي الله عنها مع الصحابي صفوان بن معطل رضي الله عنه أخذوا بإشاعة الإفك في جميع أرجاء المدينة المنورة لقرابة الشهر، ولكن أم المؤمنين لم تبلغها أي من هذه الأخبار والأقاويل، ولكنها لاحظت بعض التغيير في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم معها، وذات يوم استمعت السيدة عائشة إلى أم مسطح ابنة أبي رهم ابن المطلب تسب مسطح ولدها.
فغضبت السيدة عائشة منها وقالت لها (بئس ما قلت، أتسبين رجلا شهد بدرا؟ فقالت: أي هنتاه أولم تسمعي ما قال؟ قالت: وقلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك)، فازدادت السيدة عائشة مرضًا على مرضها، وحين عادت إلى بيتها، طلبت الإذن من زوجها الحبيب المصطفى بالذهاب إلى والديها، وكانت تقصد من ذلك أن تتأكد من صحة الكلام الذي سمعته من أم مسطح عنها.
وقد قالت أم المؤمنين في ذلك (يا أمتاه، ماذا يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية، هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، لها ضرائر، إلا أكثرن عليها. قالت: فقلت: سبحان الله، أو لقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي).
حين أتى الرسول صلى الله عليه وسلم ليتحدث مع السيدة عائشة رضي الله عنها عما سمعه ويشهد على قولها، قال لها عليه الصلاة والسلام (يا عائِشةُ، إنْ كُنتِ ألْمَمْتِ بذَنبٍ فاستَغْفِري اللهَ؛ فإنَّ العَبدَ إذا ألَمَّ بذَنبٍ، ثم تابَ واستَغْفَرَ اللهَ عزَّ وجلَّ غَفَرَ اللهُ له)، ولمدى ما شعرت به أم المؤمنين من ثقل على كاهلها لم تتمكن من الرد على الحبيب المصطفى، ولكن طلبت من أباها أن يتولى الإجابة على زوجها، والذي لم يدري ماذا عليه أن يقول، فطلبت السيدة عائشة من أمها إجابة رسول الله، فلم تعلم ماذا تقول، فأجابت رضي الله عنها
(إنِّي واللَّهِ لقَدْ عَلِمْتُ أنَّكُمْ سَمِعْتُمْ ما يَتَحَدَّثُ به النَّاسُ، ووَقَرَ في أنْفُسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ به، ولَئِنْ قُلتُ لَكُمْ إنِّي بَرِيئَةٌ، واللَّهُ يَعْلَمُ إنِّي لَبَرِيئَةٌ لا تصدقوني بذلك ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ، واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، واللَّهِ ما أجِدُ لي ولَكُمْ مَثَلًا، إلَّا أبَا يُوسُفَ إذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، واللَّهُ المُسْتَعَانُ علَى ما تَصِفُونَ)، ثم ذهبت إلى فراشها تدعوا الله من قلبها أن يبرئها من افتراء القوم عليها.
بقيت أم المؤمنين السيدة عائشة تدعوا الله أن يبرئها من الافتراء الموجه إليها في رؤيا النبي الكريم، ولكنها لم تكن تعلم أم الله سبحانه سينزل وحيًا يبرئها بآيات القرآن الكريم، وقد قالت السيدة عائشة في حديثها عن تبريئها (ثُمَّ تَحَوَّلْتُ علَى فِرَاشِي وأَنَا أرْجُو أنْ يُبَرِّئَنِي اللَّهُ، ولَكِنْ واللَّهِ ما ظَنَنْتُ أنْ يُنْزِلَ في شَأْنِي وحْيًا، ولَأَنَا أحْقَرُ في نَفْسِي مِن أنْ يُتَكَلَّمَ بالقُرْآنِ في أمْرِي، ولَكِنِّي كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ، فَوَاللَّهِ ما رَامَ مَجْلِسَهُ ولَا خَرَجَ أحَدٌ مِن أهْلِ البَيْتِ، حتَّى أُنْزِلَ عليه الوَحْيُ،
فأخَذَهُ ما كانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حتَّى إنَّه لَيَتَحَدَّرُ منه مِثْلُ الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ في يَومٍ شَاتٍ، فَلَمَّا سُرِّيَ عن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَضْحَكُ، فَكانَ أوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بهَا، أنْ قَالَ لِي: يا عَائِشَةُ احْمَدِي اللَّهَ، فقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ، فَقَالَتْ لي أُمِّي: قُومِي إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: لا واللَّهِ، لا أقُومُ إلَيْهِ، ولَا أحْمَدُ إلَّا اللَّهَ، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُمْ} ، فَلَمَّا أنْزَلَ اللَّهُ هذا في بَرَاءَتِي، قَالَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه وكانَ يُنْفِقُ علَى مِسْطَحِ بنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ منه: واللَّهِ لا أُنْفِقُ علَى مِسْطَحٍ شيئًا أبَدًا بَعْدَ ما قَالَ لِعَائِشَةَ،
فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولو الفَضْلِ مِنكُم والسَّعَةِ أنْ يُؤْتُوا} إلى قَوْلِهِ {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة البقرة، الآية 173] فَقَالَ أبو بَكْرٍ: بَلَى واللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ الذي كانَ يُجْرِي عليه، وكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ بنْتَ جَحْشٍ عن أمْرِي، فَقَالَ: يا زَيْنَبُ، ما عَلِمْتِ ما رَأَيْتِ، فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، أحْمِي سَمْعِي وبَصَرِي، واللَّهِ ما عَلِمْتُ عَلَيْهَا إلَّا خَيْرًا، قَالَتْ: وهي الَّتي كَانَتْ تُسَامِينِي، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بالوَرَعِ“.