تنطق النون والميم المشددتان مع غنة ظاهرة بمقدار حركتين
في حقيقة الأمر تتداول الكثير من التساؤلات عن أحكام علم التجويد في تلاوة القرآن الكريم، ولعل أبرز التساؤلات التي تنتشر على محركات البحث الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بشأن هذا الأمر؛ هو السؤال عن حكم نطق النون والميم المشدتين أثناء تلاوة القرآن الكريم بحكم علم التجويد، ومن أجل ذلك سنقوم بالإجابة عن هذا السؤال من خلال مخزن، بالإضافة إلى أننا سوف نتناول أحكام علم التجويد بشكل أوضح، والتي تتضمن فيما بينها حكم نطق النون والميم المشددتين.
وقبل أن نتناول بعض المعلومات عن علم التجويد، نختص بالذكر أن عبارة “تنطق النون والميم المشددتين مع غنة ظاهرة بمقدار حركتين” هي عبارة صحيحة.
فمن الجدير بالذكر أن حكم نطق النون والميم المشددتين من أبسط أحكام علم التجويد، فمقدار الحركات في النطق ما هو إلا عبارة عن مدة زمنية للازمة أثناء قبض الأصبع وفتحه.
ويمكننا القول هنا أن هذه الحركات تظهر في الغنة، أي في تلك الأحرف (أ/ غ/ ن).
ومن هنا؛ فيجب إظهار الغنة أثناء تلاوة القرآن الكريم، وذلك في كل من النون المشددة والميم المشددة بمقدار حركتين، والحكم هنا يكون حرف غنة مشدد، وهذا يرجع إلى أن الغنة صفة لازمة للميم وللنون.
فيقول الجمزوري:
وغن نونا ثم ميما شددا ………. وسم كلا حرف غنة بدا
علم التجويد
في حقيقة الأمر أن نشأة علم التجويد كانت بعد انتشار الإسلام خارج حدود شبه الجزيرة العربية، فنشأ علم تجويد تلاوة القرآن الكريم بعدما اختلفت اللهجات والأسنة الدخيلة على اللغة العربية التي أنزل بها القرآن الكريم.
فكان الهدف من نشأة علم التجويد هو القضاء على الأخطاء اللغوية أثناء تلاوة القرآن الكريم المتداولة على ألسنة الأعاجم.
فخاف الصحابة رضوان الله عليهم على اللغة العربية (لغة القرآن الكريم) مما آل بهم الأمر إلى إنشاء قواعد علم التجويد لتلاوة القرآن الكريم وفقا لأصول اللغة العربية التي أنزل بها.
فالتجويد يعرف في اللغة بأنه التحسين والإتقان، أجاد الشيء: أي: أحسنه، أو أحكامه، أو إتقانه.
أما علم التجويد اصطلاحا، فيعرف بأنه إخراج كل حرف من حروف القرآن الكريم من مخرجه دون تغيير، وإعطاؤه حقَّه ومستحقه من الصفات والأحكام، بالإضافة إلى قراءتُه قراءةً صحيحةً وفق قواعد التجويد التي وضعها علماء التجويد، على أن يكون هذا من الناحية التطبيقية.
ومن الجدير بالذكر أن علم التجويد له معنيان، وهما:
معنىً صناعي: (تطبيقي، عملي)، هو: إعطاء كل حرف حقه ومستحقه، وذلك الأمر يقتصر على من الصفات الذاتية، والعرضية، مثل: الجهر، والغنة، والمد.
معنىً علمي: (نظري)، بمعنى: دراسة أحكام (علم التجويد)، تلك الأحكام التي وضعها علماء القراءة، للتعليم في المراحل التأسيسية، والمتوسطة، وقبل دراسة “علم القراءات”.
أحكام التجويد
ذكرنا في مقدمة هذا المحتوى أن النون والميم المشددتين مع غنة ظاهرة بمقدار حركتين من أحكام علم التجويد في تلاوة القرآن الكريم، ومن أجل ذلك سنتناول أحكام علم التجويد من خلال السطور القادمة.
أحكام الاستعاذة والبسملة
حكم الاستعاذة: فالاستعاذة في معناها هي الاعتصام بالله واللجوء إليه، فيقول الله -تبارك وتعالى- في الآية رقم 98 من سورة النحل: “فَإِذا قَرَأتَ القُرآنَ فَاستَعِذ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ”، فالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم من الأمور الواجب التي فرضت قبل الشروع في تلاوة القرآن الكريم، وتعد أدب من آداب التلاوة.
حكم البسملة: أي أن تقل “بسم الله الرحمن الرحيم” بعد الاستعاذة وللفصل بين السور القرآنية أثناء التلاوة، وذهب بعض العلماء إلى أن البسملة واجبة للفصل بين السور، ولكن دون سورة براءة والأنفال، فلا يُفصل بينهما بالبسملة.
أحكام النون الساكنة والتنوين
في حال التقاء النون الساكنة أو التنوين مع الأحرف الهجائية الأخرى، يكون هناك أربعة أحكام للنون الساكنة والتنوين أثناء تلاوة القرآن الكريم، وهما:
الإظهار: والإظهار في اللغة هو البيان والوضوح، وفي الاصطلاح هو إظهار النون الساكنة أو التنوين عند أحد حروف الحلق التي تأتي بعد النون الساكنة أو التنوين، وتلك الحروف هي مجموعة في أوائل حروف كلمات: “أخي هاك علما حازه غير خاسر”.
الإدغام: الإدغام في اللغة هو إدخال الشيء في الشيء، والإدغام اصطلاحا هو إدخال حرف ساكن بآخر متحرِّك، من أجل أن يصبحا حرفاً واحداً مشدَّداً، وذلك بأن يتمَّ إدخال حرف النون الساكن أو التنوين في أحد حروف الإدغام التي تليه، وهي حروف: “الياء، الراء، الميم، اللام، الواو، النون”، والمجموعة في كلمة: “يرملون”، ومن الجدير بالذكر أن الإدغام ينقسم إلى إدغامٍ بغنّة، وإدغامٍ بغير غنّة.
الإقلاب: أما عن الإقلاب ففي اللغة هو تحويل الشيء عن وجهته، أمّا اصطلاحاً فهو إبدال حرف مكان حرفٍ آخر مع مراعاة الغنةّ في الحرف الأول، ويظهر الإقلاب عند التقاء النون الساكنة أو التنوين بحرف الإقلاب وهو حرف الباء، حيث تُقلب النون أو التنوين وتنطق حينئذ ميماً.
الإخفاء: والإخفاء في اللغة هو الستر، وفي الاصطلاح إخفاء النون الساكنة أو التنوين مع غنّة بدرجةٍ أقل من الإدغام عند ظهور أحد حروف الإخفاء بعدها، وحروف الإخفاء هي حروف اللغة العربية الهجائية الأخرى ما عدا أحرف الإظهار وأحرف الإدغام والإقلاب.
أحكام الميم والنون المشددتين
ذكرنا في مقدمة محتوانا هذا أن حكم نطق النون والميم المشددتين من أبسط أحكام علم التجويد، فمقدار الحركات في النطق ما هو إلا عبارة عن مدة زمنية للازمة أثناء قبض الأصبع وفتحه.
فيجب إظهار الغنة أثناء تلاوة القرآن الكريم، وذلك في كل من النون المشددة والميم المشددة بمقدار حركتين، والحكم هنا يكون حرف غنة مشدد، وهذا يرجع إلى أن الغنة صفة لازمة للميم والنون.
أحكام الميم الساكنة
الإخفاء الشفوي: يختفي نطق الميم الساكنة عندما تلتقي بحرف الباء، ويظهر ذلك في قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ”.
الإدغام الشفوي: وهنا تكون الميم الساكنة في آخر الكلمة، ومن ثم يأتي بعدها ميم متحركة، فتدغم الميم الأولى بالثانية فتصبحان ميماً واحدة مشدَّدة مع الغنّة، كما في قوله تعالى: “هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا”.
الإظهار الشفوي: تظهر هنا الميم الساكنة في النطق عندما يليها أي حرف من الأحرف الهجائية ما عدا حرف الباء، وحرف الميم المتحركة، مثل قوله تعالى: “لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.
أحكام الإدغام
إدغام المتماثلين: أن يأتي حرفان متماثلان في كل من المخارج والصفات، فيدغم الحرف بحرف آخر مثله، وينطقا حرف مشدد، مثل قوله تعالى: “اذهب بكتابي هذا”.
إدغام المتجانسين: ويكون هنا الإدغام بحرفين متشابهين، بالإضافة إلى اتحادهم في المخرج، لكنها مختلفان في الصفات، فيدغما وينطقا حرف واحد مشدد، وهذا يتضح في قوله تعالى: “يا بُنَيَّ اركَب مَعَنا”.
ولن تقتصر أحكام التجويد على هذا فقط، بل هناك الكثير من أحكام التجويد الأخرى كأحكام المدود، وأحكام التفخيم والترقيق، وأحكام السكتات، وأحكام اللام الساكنة، وغيرها.
حكم الأخذ بالتجويد
إن الأخذ بأحكام علم التجويد أثناء تلاوة القرآن الكريم وتطبيقها عمليا واجب شرعا، وهذا ما ذهب إليه ابن الجزري، وكبار من علماء القراءة إلى أن الأخذ به فرض عين على كل مكلف، فقال في منظومة الجزرية: (من لم يجود القرآن آثم).
ولكن هناك مجموعة أخرى من العلماء يرون بأن الأخذ بالتجويد وتطبيقه في تلاوة القرآن الكريم أنه أمر مستحب، ولبيس فرضا، ولكن بشرط أن يكون نوع الخطأ أثناء تلاوة القرآن الكريم من الخطأ الذي يعذر فيه القارئ، وطبقا لاختلاف الأحوال، والظروف.
فيقول الله تبارك وتعالى في الآية رقم 121 من سورة البقرة: “الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ”.
بالإضافة إلى قوله تعالى في الآية رقم 4 من سورة المزمل: “أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا”.
كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
يقول ابن الجزري عن حكم الأخذ بعلم التجويد:
والأخذ بالتجويد حتم لازم ………… من لم يجود القرآن آثم
لأنه به الإله أنزلا ………… وهكذا منه إلينا وصلا
وهو أيضا حلية التلاوة …………. وزينة الأداء والقراءة
فائدة علم التجويد
أما عن فائدة تلاوة القرآن الكريم بتطبيق أحكام علم التجويد سوف نقوم بتناولها من خلال السطور القادمة كما سيتجلى لك عزيزي القارئ:
لا شك أن أهم فائدة من فوائد تلاوة القرآن الكريم بتطبيق أحكام علم التجويد هي حفظ اللسان من الخطأ، والحفاظ على لغة القرآن الكريم (اللغة العربية).
ومن أهم فوائد تطبيق علم التجويد أثناء تلاوة القرآن الكريم أيضا هي الحفاظ على اللحن، واللحن في تلاوة القرآن الكريم نوعان، هما؛
اللحن الجلي: وهو الخطأ الذي يطرأ على الألفاظ العربية، ويخلّ بالمعنى المقصود للآية أو في موضعه بشكل تام، وعلى سبيل المثال هنا هو استبدال حرف مكان آخر أو تغير حركة بأخرى، ومن الجدير بالذكر أنه باتفاق جميع العلماء أن هذا اللحن محرّم.
اللحن الخفي: وهو الخطأ الذي لا يغير المعنى، وسمي الخفي؛ لأنه غير ملحوظ أثناء تلاوة القرآن الكريم على عكس اللحن الجلي الظاهر، ولكن هذا اللحن لا شك أنه يخالف قواعد التجويد مثل ترك الغنة أو تقصير المدّ وغيره، وحكم هذا اللحن عند العلماء أنّه مكروه.
