” تقدير الآخرين مهم لبدء الحوار معهم ” علينا التمعن في هذه العبارة والتعرف على ما تضمنته من أسس وأركان؛ فالحوار فن لا بد من دراسته قبل الخوض فيه، وله أهمية كبرى في حياتنا إذا بُني على ركائز صادقة، ويقدم لكم موقع مخزن مدى صحة وأهمية تلك العبارة، بالإضافة إلى الأمور المساهمة في زيادة نجاح عملية التحاور، والتوصل إلى نتائج مفيدة منها تعود على الفرد، وتنعكس على تطوير المجتمع.
إن تقدير الآخرين بشكل عام هو أساس لبناء علاقات اجتماعية جيدة، ويتمثل في إظهار الاحترام والتعاطف والامتنان لهم، وفهم مشاعرهم، والاعتذار لهم حال الوقوع في الخطأ، وتجنب أساليب الاحتقار والسخرية، فالتقدير إذًا هو دعم للأفكار والتعامل بصورة لبقة ولطيفة.
بالتالي فإنه من الصحيح القول أن تقدير الآخرين مهم لبدء الحوار معهم.
فعندما تبدأ عملية التحاور بين الأطراف لا بد من إظهار الاحترام والتفاهم مهما بلغ الاختلاف في الرأي منتهاه.
ويُبنى الحوار على أساس موضوعي وعلمي دون الالتفات إلى محاولة التغلب على الخصم والتفوق.
فيكون الحوار خاليًا من أساليب التعصب، والحكم المسبق، والسخرية، والعنصرية.
بغض النظر عن آراء وانتماءات الأطراف المتحاورة لا بد وضع الهدف الحقيقي للتحاور.
وهو الوصول إلى أسلم وأفضل الحلول والاقتراحات، ثم تطبيقها لتحقيق التطوير والتقويم الإيجابي.
كما يُفترض في كافة أساليب وأنواع الكلام أن يعي الطرف المتحدث أو المخاطب بمعنى العبارة الشهيرة “الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية”.
فلا بد من بقاء الود واللطف مهما اختلفت الآراء، ويجب تقدير الآخرين وعدم الاستخفاف بآرائهم مهما كانت تتضمن سذاجة.
فينبغي الحرص ألا يتم تحويل الحوار إلى نتائج تكون مدعاة للبغضاء والتجريح بين الأطراف.
بل على العكس يكون الحوار الصائب مدعاة لتنمية الفكر، وتكامل العقل، وخبرة التواصل، وتحصيل المعرفة.
للحوار أسس تساعد على نجاحه منها
بعد التعرف على أهمية تقدير الآخرين في الحوار نتطرق إلى الأساسيات التي تجعل الحوار لا ينحرف عن مساره الحقيقي إلى مسارات الجدال والمراء، وينبغي على الفرد السعي في إنجاح عملية المحاورة ليكون هدفها ساميًا.
إذا كان الأطراف المتحاورين على علم كامل بالموضوع الرئيسي للحوار، ومتمكنين من التفريق بين الصحيح والخاطئ فيه فإن ذلك يجعل الحوار هادفًا ومتحدًا.
استعمال العبارات المناسبة واللطيفة في الحوار يساهم في جعله حوار ناجح وممتع.
تتواجد القابلية والمرونة للاعتراف والاعتذار عند الخطأ لدى كافة الأطراف المتحاورة.
مراعاة نفسية الطرف المقابل ونظريته تجعل الحوار يسير بعقلانية وجودة.
أن تتحد الأطراف المتحاورة على دافع وهدف رئيسي هو بلوغ الصحيح وإصابة الحقيقة.
الاعتدال في كافة الأمور والسلوكيات أثناء عملية التحاور، والابتعاد عن الأمور الهادمة للحوار مثل الغضب.
قالت العرب بأن “رأس الأدب في الفهم والتفهم، والإصغاء إلى المتكلم”.
لذا فإن تواجد صفة الحلم المخالفة للبطش سبب لنجاح الحوار وسيره في وجهة إيجابية.
في حالة تواجد الدليل والبرهان الصحيح لموضوع الحوار لا تتردد في طرحه.
من أهم فوائد الحوار
إن الحوار هو أسلوب كلامي يحقق الكثير من الفوائد ويترك بصمةً إيجابية في النفس والفكر والسلوك، وذلك ما يجعله هامًا في كثير من الأمور، ففي المجال المهني أو التعليمي يكون الأفراد في حاجة إلى التحاور، ليستمد كل منهم المنافع والخبرات والمهارات من الآخر، بالإضافة إلى اكتساب الأخلاقيات السامية التي ترتقي بالفرد إلى شخصية وطباعٍ أفضل.
يسمح الحوار بمبادلة الأفكار بين الأطراف المتحاورة، وتفاعل الخبرات وانتقالها من طرف إلى آخر.
توليد المزيد من الأفكار والحلول، وتنشيط الذهن والقدرة على التفكير الإيجابي.
تشكيل شخصية الفرد بما يساهم في تأثيره إيجابيًا على من حوله، وتنمية أفكاره.
يساهم الحوار في الحصول على أفضل الحلول، والتوصل إلى نتائج حقيقية خالية من الباطل.
يخلص الأطراف المتحاورة من الأفكار السلبية الخاطئة، فيجعلهم يقتنعون بالرأي الأكثر صحة.
يتعلم الشخص كيفية التحكم في انفعالاته وغضبه، ويكون أكثر مرونة في تقبل الآراء والتفاهم.
النجاح في تجاوز حالة الانغلاق الفكري، وتطبيق أهداف المجالات التربوية.
اكتساب المهارات الموصلة إلى نهاية المسعى الصائب، والتفسير المنطقي المتفق عليه فيما يتعلق بموضوع الحوار.
من أركان الحوار
يشتمل أسلوب الحوار الصحيح على عدة أركان ينبغي الإلمام بها وتطبيقها حتى لا يقع المتحاور في زلة قد تؤثر على من أمامه بالسلب، فلا نسمي حلقة الحديث بالحوار إلى إذا توفرت فيها الأركان التالية:
الأطراف المتحاورة وهما اثنين فأكثر، ويكون بينهما تفاعل وإرسال وتلقي، وحسن إنصات.
أن تتواجد أفكار عديدة تتمركز حول موضوع معين يرغب الأطراف في تحقيقه، أو مشكلة ما يرغبون في حلّها.
حوار الطرف مع نفسه في سره يسمى بالحوار الروحي أو الذاتي، ولا بد من الإفصاح لتفاعل أطراف أخرى فيه.
لكن ينبغي الحرص على تحقيق آداب الحوار وشروطه حال الإفصاح عن الرأي.
ومنها أن تتوفر حرية طرح الأفكار، وتستعد الأطراف المتحاورة نفسيًا للاقتناع بنتائج الحوار.
يُمنع على الطرف المتحاور الوقوع في فخ العصبية، أو فخ الجهل.
يجب أن يدافع الطرف المتحاور عن الحق ويكون عالمًا بالباطل، وقادرًا على التوضيح.
الأطراف المتحاورة يتم اختيارها بحسب الأحقية في الكفاءة والعلم.
فمن الأركان للحوار هو أن تتوفر المسألة التي يتم التحاور عليها، ولا تكون مسألة فارغة لا فائدة منها.
بالتالي تكون مستحقة للبحث ومبادلة الأفكار، فإذا كانت غير مستحقة يصير الحوار كلامًا جداليًا هدفه التفوق على الخصم، ولن يتضمن أهدافًا علمية.
من عبارات الحوار المناسبة
ينبغي على كل طرف محاور أن ينتقي الألفاظ والعبارات الحسنة ويقوم بتوظيفها في حديثه بما يتلاءم مع الموقف، ويعتمد في ذلك على نوعية الحوار، وطريقة التحدث والنقاش، ومستويات العقل والثقافة للفئة المخاطبة، ومن عبارات الحوار المناسبة لجميع أنواعه:
ما رأيك في .. ؟
هل أنت متفق معي بالرأي؟
أعتقد أن الأصح هو.
أظن أن الأمر على النحو التالي.
يبدو لي.
اطرح لي حلولًا بديلة.
الفرق بين الحوار والجدال
تتضمن أساليب التواصل الاجتماعية على العديد من طرق التواصل لفظيًا، والتي تكون بين طرفين فأكثر، يعرض كل منهما أفكاره مراعيًا الآداب العامة الأخلاقية؛ حيث إن الأسلوب اللفظي حال اختلاف الآراء يكون دالًّا على مدى ثقافة المتحدث أو المستمع وهل هو لبق أم لا؟ ومن خلال الجدول التالي نقارن بين الحوار والجدال، فعلى الرغم من تشابههما بشكل كبير إلا أنهما يختلفان في النقاط التالية:
الحوار
الجدال
هو الكلام المراجع والمتداول بشكل متكافئ فلا يستأثر أحد الأطراف دون الطرف المقابل له يكون بين طرفين أو أكثر، سواء أكان بين أفراد أم فرق يدخل ضمن أنواع الحديث والكلام
هو الحديث الحاد بغرض التفوق على الطرف المقابل ومنازعته فيسعى كل طرف إلى إلزام خصمه حدّه ليقتنع ولا يعاند ويتمسك كل من الأطراف برأيه ويتعصّب له يتفق الجدال مع الحوار في أنه يدور بين طرفين فأكثر
الهدف: التوصل إلى الحقيقة والرأي الصائب فليس الغرض منه التباهي والتعالي بكلام لا يفيد
الهدف: أن يتنازل الخصم عن رأيه ويقتنع بالرأي الآخر
ثقافة الحوار في القرآن الكريم
لم تترك الشريعة الإسلامية أمرًا إلا وأوضحت لها في الآيات القرآنية والسنة النبوية، ويمكننا استنباطها من قصص الأنبياء، ومواقف السيرة النبوية، فقد عُرفت أمتنا بأمة القرآن فكان لا بد من فهم التفسير والتدبر في معاني بعض الآيات المتضمنة ثقافة الحوار، ثم العمل بتلك السلوكيات الجليّة.
وردت كلمة “حوار” في القرآن الكريم ثلاث مرات؛ اثنتين في سورة الكهف بلفظة “وَهُوَ يُحَاوِرُهُ”، وواحدة في سورة المجادلة قوله “وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا”.
وفي المواضع الأخرى المتعلقة بثقافة الحوار، وردت لفظتا “الجدل” و”الحجاج” بديلًا عنها، حيث إن معناهما قريب للغاية.
قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..) سورة النحل آية 125.
دلالة الاستشهاد في هذه الآيات هي أن الاحتجاج والحوار والمناظرة وأي من أساليب الكلام يجب أن يكون بالرفق واللين وحسن الخطاب.
فقد دعت الشريعة الإسلامية إلى الحوار بالأوجه الحسنة، ولين الجانب، والمحاورة بعلم وحق، بهذا فإن ثقافة الحوار في الإسلام تحترم العقل، والفطرة.
إلى هنا نكون قد تعرفنا على أن عبارة تقدير الآخرين مهم لبدء الحوار معهم هي عبارة هامة وحقيقية، وأصبحنا ملمّين بكافة الأمور المتعلقة بالعملية الحوارية، لنتمكن من النجاح في تطبيقها والعمل بها.
كما يمكنك الاطلاع عبر مخزن على المواضيع المشابهة التالية: