دائمًا ما يحرص العبد على معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بكافة العبادات، ومنا أهمّها عبادة الصيام سواء أكانت تقع تحت بند الفريضة أم النافلة، وفي هذا الشأن يكثر التساؤل حول صيام القضاء بعد انتهاء شهر رمضان الكريم مع صيام الست من شوال؛ فكثيرًا ما نحرص على عدم تفويت أجر العبادات التي يمكن أداؤها في فترة زمنية محددة، لذا فمن خلال مخزن نجيب على ايهما افضل صيام ست من شوال ام القضاء؟ في السطور التالية:
اختلفت الإجابة على أفضلية صيام الست من شوال مع قضاء أيام الصور الفائتة من شهر رمضان المبارك، وذلك وفقًا لآراء علماء المسلمين المختلفة التي تتبع مناهج عدة، لكن الأفضل هو صيام القضاء من صيام ستة أيام من شوال.
الإجابة على مشروعية صيام الست من شوال لمن يجب عليه القضاء بالاستناد إلى رأي الشيخ ابن باز -رحمه الله- تتمثل في عدم جواز صيام النافلة قبل الفريضة.
أسباب عدم جواز صيام النافلة قبل الفريضة
يتمثل السبب الأول في عدم جواز مشروعية صيام الست من شوال لمن عليه قضاء أيام من شهر رمضان الكريم بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من صام رمضانَ وأتبعَهُ بستٍّ من شوالَ فكأنما صام الدهرَ” (صحيح).
بالتالي فإن من بقي عليه قضاء من رمضان عليه إكماله أولًا قبل صيام الست من شوال، فإذا كانت حالة الرجل السفر أو المرض ثم زالت تلك الحالة وعافاه الله، فإن عليه أن يقضي الأيام الواجبة عليه من رمضان، ثم يتبعها بصيام ستة من شوال.
والأمر ذاته على المرأة حال إفطارها بسبب الحيض أو النفاس، فعليها القضاء أولًا ثم صيام ستة من شوال إذا أمكن لها ذلك وهو الأفضل، فلا تبتدئ صيامها بالست من شوال قبل القضاء.
بينما يرجع السبب الثاني لعدم جواز صيام الست من شوال أولًا قبل القضاء في أن دين الله -عز وجلّ- أحق بقضائه، ومن الأولى أن يبادر العبد بقضاء الفريضة والمسارعة إليها، فصيام شهر رمضان هو الواجب على العبد الذي لا ينبغي الإغفال عنه.
فمن غير اللائق أن يترك العبد صيام الفريضة الواجبة عليه، فعليه البدء بها أولًا، ثم إذا وجد أن المتبقي من أيام شهر شوال يكفي لصيام الست فمن الأفضل أن يُكمل صيامها ولا يفوّت الفضل الكبير الذي سيحصل عليه في دينه ودنياه.
فالنافلة يمكنها تركها إن لم يلحق بها، بينما صيام رمضان حكمه فرض وواجب، ففي ذلك اقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه أتبعه ستًّا من شوال، فيكون صيام الستة أيام من شوال متبع لصيام رمضان.
إضافةً إلى أنه كما ذكرنا الفرض له الأولوية في البدء، والأحقية في القضاء من النافلة؛ فقد جاء في الحديث الشريف: “أن امرأةً قالت: يا رسولَ اللهِ إنَّ أمي ماتت وعليها صومُ رمضانَ أفأصومُ عنها؟ قال: صومي عن أمِّكِ أرأيتِ لو كان عليها دينٌ أكنتِ قاضيته؟اقضوا اللهَ فاللهُ أحقُّ بالوفاءِ” (إسناده قوي جيد).
أقوال العلماء في تقديم صيام الست من شوال على القضاء
أجاز جمهور من العلماء المتبعين للمذهب الحنفي صيام الست من شوال قبل القضاء؛ والسبب في ذلك أن القضاء به سعة.
بينما أجاز علماء صيام التطوع قبل القضاء مع كراهية ذلك، وهو يتصل بالمذهب المالكي والشافعي، والعلة في ذلك انشغال العبد بصيام التطوع، والذي يؤخره عن قضاء الصيام الواجب عليه.
وقد قيل بأنه من المستحب أن يبادر العبد بصيام الست من شوال قبل فوات الأوان، بينما القضاء فإنه متاح له الصيام إلى قبل رمضان القادم، فلا تزال الفرصة أمامه.
بينما تمثلت آراء بعض العلماء من المذهب الحنبلي في عدم جواز صيام التطوع قبل الواجب قضاؤه من شهر رمضان.
وتبعًا لما جاء في حكم تقديم صيام ستة من شوال على القضاء من قبل دار الإفتاء بمصر، فقد كان نصّه كما يلي:
“إذا كان الإفطار بعذر شرعي كالحيض، فيجوز للمرأة صيام الستة من شوال أولًا، ثم قضاء ما أفطرت في رمضان، وذلك لأن القضاء واجب موسع إلى رمضان القادم، والأجر مترتب على صيام عدد أيام الشهر مضافا إليها ستة أيام، وليس على كون شوال بعد إتمام رمضان،أما إن كان الإفطار بلا عذر فيجب عليها المبادرة إلى القضاء فوراً بعد العيد وقبل صيام الست من شوال، لكن لو صامت الست فالصيام صحيح مع الإثم، ووجب عليها قضاء ما فاتها من الصيام بعد ذلك”.
هل يجوز الجمع بين صيام القضاء والست من شوال
بعد معرفة الإجابة على ايهما افضل صيام ست من شوال ام القضاء؟ نتطرق إلى عرض الإجابة على أحد التساؤلات الشائعة الأخرى بهذا الشأن، فيجب على العبد أن يكون ملمًّا بكل ما يكسبه رضا ربّه -عزّ وجلّ-، ومن ذلك الحرص على تطبيق الأحكام الشرعية بشكل صحيح في وقتها المحدد.
على الرغم من جواز الجمع بين نيّتين في الشريعة الإسلامية بصورة عامّة إلّا أنه لا يجوز الجمع بين نية صيام القضاء، ونية صيام التطوّع.
في الإجابة على هل يجوز الجمع بين صيام القضاء والست من شوال؟ جاءت ثلاثة أقوال؛ القول الأول أن الجمع بين نية صيام القضاء، وصيام الست من شوال يصح عن أحدهما وليس كليهما.
وقيل بأن النية التي تبطل هي نية النفل التي لا يكون في حاجةٍ إليها كنية الفرض، وجاءت أقوال أخرى في ذلك.
بينما ذكر آخرون أن الصوم يصح عن الفرض والنفل حال الجمع بينهما، وهم المالكية والشافعية، والحنابلة.
وجاءت دلالة الأثر على أنه يجوز أن تتشارك نيتيّ الفرض والنفل في بعض الأحاديث، وفي المجمل رأت اللجنة أنه من الأفضل أن تنفرد كل نية عن الأخرى، فلا يجمع العبد بين نية صيام القضاء، ونية صيام الست من شوال.
فحين اختلاف الآراء يلجأ العبد إلى ما هو ميسر له وفقًا لظروفه؛ فمن باب الأخذ بقوله تعالى (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ) يبتدئ بصيام الفرض ثم النفل، أما إن رأى أن وقت القضاء متسع وهو راغب في صيام الست من شوال قبل الانتهاء فيمكنه البدء بها، دون الجمع بين النيتين.
حكم صيام ست من شوال
ثبت في الأحاديث النبوية الصحيحة أن صيام ست من شوال من النوافل، والتي يحصل العبد منها على عظيم الأجر والمثوبة في الدنيا والآخرة.
وليس للستة أيام من شوال وقت محدد سوى أنها بالشهر كاملًا، فيمكن للمسلم أن يصومها في بداية الشهر، أو في منتصفه، أو في آخره.
كما له الحرية في تفريقها أو صيامها متتالية، ومن الأفضل أن يصومها فور خروجه من شهر رمضان الكريم متتالية تجنبًا للتكاسل عنها والمبادرة إلى الخير، إن استطاع.
وله أن يصومها في سنين ويتركها في سنين أخرى، فهي ليست من الفرائض، ولا حرج من صيام بعضها وترك بعضها.